رئيس الدولة ونائباه يهنئون ملك البحرين بذكرى اليوم الوطني لبلاده
روسيا تحاول لتعزيز قواتها المستنزفة
حرب أوكرانيا عند لحظة حاسمة.. لماذا تقلق كييف؟
لفتت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إلى أن أوكرانيا أمضت أشهراً في إعداد عشرات الألوية الهجومية الجديدة وتدريب نحو 40 ألف جندي جديد لتعزيز قواتها. كما جمعت ترسانة واسعة من الأسلحة الغربية بدءاً بدبابات القتال الألمانية وصولاً إلى قاذفات الصواريخ الأمريكية والصواريخ البريطانية الطويلة المدى استعداداً لهجوم مضاد طال انتظاره لاسترجاع الأراضي التي احتلتها القوات الروسية.
وتتوقع “فايننشال تايمز” أن يأتي هذا الهجوم المضاد في أي وقت، ويقول البعض إنه بدأ بالفعل، بالرغم من أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال الأسبوع المنصرم إنه يود الانتظار أكثر حتى وصول المزيد من الأسلحة الغربية. وقال شخص مطلع على استعدادات أوكرانيا للهجوم المضاد إن رسالة زيلينسكي يمكن أن تكون خدعة أو جزءاً من استراتيجية لدفع الغرب إلى الدفع بأسلحة إضافية. لكن عندما يتم إصدار الأوامر، ستحتاج القوات الأوكرانية إلى أن تكون على استعداد تام حيث من المحتمل أن تواجه عقبات كبيرة ومقاومة حقيقية للغاية.
ما يدور خلف الأبواب المغلقة
كل يوم قضته أوكرانيا وهي تستعد للهجوم المضاد، كان لروسيا في مقابله يوم لتعزيز قواتها المستنزفة وتحصين دفاعاتها. بالرغم من الخسائر الفادحة لا تزال قواتها المسلحة أكبر من قوات كييف. يسيطر الكرملين على أكثر من 103 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي أي نحو 18 في المئة من مساحة أوكرانيا، وهي مساحة تقارب نصف مساحة المملكة المتحدة. كان زيلينسكي واضحاً بشأن الهدف النهائي لأوكرانيا من الهجوم المضاد: تحرير جميع مناطق أوكرانيا الواقعة تحت الاحتلال الروسي، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، واستعادة الحدود التي قامت عليها الدولة حين استقلت عن موسكو سنة 1991. لكن خلف الأبواب المغلقة، تحدث بعض كبار المسؤولين في كييف عما وصفه أحدهم بنبرة “واقعية جداً وعملية جداً”، معترفاً بأنه من غير المحتمل أن تتمكن أوكرانيا من استعادة كل الأراضي المحتلة من روسيا – هذا العام على الأقل.
كييف قلقة
ثمة الكثير مما هو على المحك بالنسبة إلى أوكرانيا. يمكن للهجوم المضاد الناجح أن يغير مسار الحرب ويغير الزخم بشكل قاطع لمصلحة أوكرانيا، الأمر الذي يدل إلى أن الحرب لم تصل إلى طريق مسدود، كما يمكنه أن يمنع أي شكوك بين الحلفاء الغربيين الذين يفكرون في تقليص المساعدة العسكرية للبلاد. إذا كانت الضربة كبيرة بما يكفي فقد تظهر أيضاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن احتلاله لأوكرانيا لا يمكن الدفاع عنه وأن رهانه الطويل المدى على تعب الغرب من الحرب لن يؤتي ثماره. يقول نائب رئيس الإدارة الرئاسية أندريه سيبيها: “إنها لحظة حاسمة بالنسبة إلينا. يعتمد مستوى الدعم الغربي على نجاحنا” مضيفاً أنه “كلما حققنا المزيد في ساحة المعركة، حصلنا على المزيد من شركائنا. وسوف يشاركوننا هذا النصر». تشعر أوكرانيا بالقلق من أن هجوماً مضاداً لا يستعيد أراضي بارزة قد يدفع المؤيدين الغربيين للتشكيك في الدعم العسكري المستقبلي ويضغطون على كييف لدخول مفاوضات سلام مع موسكو هذه السنة.
كرر مسؤولون أمريكيون قولهم إنهم لا يضغطون على أوكرانيا للتفاوض مع روسيا وإن الأمر متروك لكيف كي تقرر الوقت المناسب لبدء المحادثات مع موسكو.
بين الصين وأمريكا
يرى بعض المسؤولين الأمريكيين أن التقدم الأوكراني في هجوم مضاد يفتح نافذة للمحادثات بين روسيا وأوكرانيا، ربما مع تأدية الصين دوراً في هذا المجال. رحبت واشنطن باتصال بين زيلينسكي والرئيس الصيني شي جينبينغ الشهر الماضي وقد أعرب شي خلاله عن أمله في أن يجلس الجانبان إلى طاولة المفاوضات حسب بكين. وأعلنت وزارة الخارجية الصينية أن موفدها الخاص لشؤون أوراسيا سيجري زيارات إلى أوكرانيا وبولندا وفرنسا وألمانيا وروسيا بدءاً من 15 مايو (أيار) “لإجراء اتصالات مع جميع الأطراف بشأن التسوية السياسية حول أوكرانيا». يقول مسؤولون أمريكيون إن واشنطن تخطط لدعم أوكرانيا في مجموعة من سيناريوهات الهجوم المضاد بما في ذلك النجاح أو النجاح المحدود أو عدم النجاح على الإطلاق. قال مسؤول في البيت الأبيض إن بايدن أشار إلى دعمه القوي لأوكرانيا من خلال زيارة كييف في الذكرى السنوية الأولى للغزو. ويضيف المسؤول نفسه: “لن نصف الهجوم المضاد على أنه ناجح أو فاشل». في المجالس الخاصة، يقول بعض المسؤولين الأمريكيين إن أوكرانيا ستحتاج إلى تحقيق بعض النجاح الواضح في ساحة المعركة حتى تتمكن الإدارة من الترويج لطلبات المساعدة الإضافية أمام الكونغرس والجمهور الأمريكي. في أوروبا، يقول ديبلوماسي أوروبي كبير إن دعم كييف “ليس مشروطاً حقاً بإحراز أوكرانيا تقدماً على الجبهة العسكرية في المستقبل القريب”. لكن قد يكون من المهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن ترى بعض التقدم قبل دخولها سنة انتخابية. لا يعني ذلك أن التزام الأمريكيين سيتلاشى لكن مدى انتباههم سيقصر جداً في تلك السنة، كما قال.
أين نقطة الهجوم المحتملة؟
في حين أن أوكرانيا قد لا تتمتع بعنصر المفاجأة كما فعلت خلال هجومها المضاد الخريف الماضي عندما حررت تقريباً كل مقاطعة خاركيف في الشرق ومناطق في الجنوب البلاد بما فيها مدينة خيرسون، فإنها لا تزال تأمل في إفقاد روسيا توازنها. رجح مسؤولون عسكريون وجنود أوكرانيون تحدثوا مشترطين عدم الكشف عن هويتهم تماشياً مع البروتوكول العسكري أن تشن قواتهم مجموعة من الهجمات المضادة على طول خط المواجهة لاختبار دفاعات روسيا، مع توجيه الضربات الأكبر إلى حيث يشعرون بفرص الاختراق. إحدى المناطق التي يحتمل أن يركزوا فيها جهودهم هي مقاطعة زابوريجيا الجنوبية. هناك، إذا تمكنوا من قطع “الجسر البري” الذي يربط الأراضي الروسية بشبه جزيرة القرم والوصول إلى مدينة مليتوبول التي تمثل تقاطعاً استراتيجياً، فسيكون بإمكانهم تقسيم الاحتلال الروسي إلى قسمين. من شأن ذلك أن يجعل تعزيز القوات الروسية لمواقعها أكثر صعوبة كما سيقطع الإمدادات من وإلى القرم. سيكون الطريق الوحيد المؤدي حينها هو جسر كيرتش الذي هاجمته أوكرانيا في أكتوبر) الماضي وجعلته غير سالك لفترة موقتة.
لن يكون الهجوم سهلاً
حسب التقرير نفسه، إن أوكرانيا أمام مهمة صعبة بعد أن أمضت روسيا أشهراً عدة في تحسين وتوسيع تحصيناتها في الشرق. تشمل دفاعاتها المتعددة الخطوط خنادق مضادة للدبابات وحواجز “أسنان التنين” الخرسانية والأسلاك الشائكة وحقول الألغام. يقول رئيس مركز استراتيجيات الدفاع ووزير الدفاع السابق في أوكرانيا أندري زاغورودنيوك: “لا أعتقد أنها ستوقف القوات الأوكرانية، لكنها بالتأكيد ستبطئها».
ويضيف أن طول خط المواجهة، نحو 960 كيلومتراً متعرجاً، يعمل لمصلحة أوكرانيا حيث “سنكون دائماً قادرين على العثور على بعض المناطق التي لا يتوقعوننا فيها”. يعزى الهجوم المضاد الناجح لأوكرانيا الخريف الماضي، جزئياً على الأقل، إلى تمدد القوات الروسية. لكن بوجود قوة جوية أوكرانية مستنفدة سيتعين على كييف شن هجماتها بدون دعم جوي قريب. علاوة على ذلك، إن استخدام كل ما قدمه الغرب لأوكرانيا معاً في عملية مشتركة قد يكون أمراً صعباً لا سيما مع القوات التي لا تتمتع بالخبرة، كما يرى الخبراء.
يقول الزميل الأول في معهد أبحاث السياسة الخارجية روب لي: “يتطلب الأمر الكثير من التدريب، ويتطلب الكثير من تماسك الوحدات لإنجاز هذا النوع المعقد جداً من العمليات”. وأضاف: “بالنسبة إلى أوكرانيا، لديكم هذه الوحدات الجديدة التي لم يكن لديها الكثير من الوقت للتدرب كما كانت تحب على معدات الناتو الجديدة أو للتدرب كوحدة هجومية».
لكن روسيا تواجه تحديات كبيرة خاصة بها. يقول لي إن مخزون الذخيرة لديها قد ينضب بسبب محاولة الاستيلاء على باخموت، وتعتمد دفاعاتها على أعداد كبيرة من القوات المعبأة التي لا تملك الكثيرة من الخبرة القتالية. ويتساءل عما إذا كان الكثير من الجنود الموجودين في الخنادق سيخوضون القتال أم يهربون.
لإطلاق توقعات واقعية
على الأرض في أوكرانيا، ثمة مؤشرات إلى أن الهجوم المضاد وشيك. يقول مسؤولون ومحللون أوكرانيون إن الهجمات المضادة الصغيرة هذا الأسبوع على مشارف مدينة باخموت الشرقية حيث تستمر أطول معركة دموية في الحرب كانت جزءاً من جهود الجيش لاختبار بعض وحداته المدربة حديثاً بما فيها تلك المجهزة بأسلحة غربية، وللتحري عن نقاط الضعف في دفاعات روسيا.
وشهدت الهجمات على الجناحين الشمالي والجنوبي للمدينة استعادة أوكرانيا موطئ قدم صغيراً لكن مهماً. يقول رئيس مركز الأبحاث والتعاون الأوكراني في كييف سيرجي كوزان: “مثل هذا الاختراق في يوم واحد كبير جداً”. ومع ذلك، من الواضح أن المعركة التي تلوح في الأفق ستكون صعبة بالنسبة لأوكرانيا، وهي تمثل فرصة قد لا تتكرر.
يقول الديبلوماسي الأوروبي البارز: “الوقت ليس في مصلحة أوكرانيا... لروسيا اليد العليا على المدى الطويل”. كذلك، يحذر زاغورودنيوك، وزير الدفاع الأوكراني السابق، من وصفها بأنها لحظة حاسمة. “لا أعتقد أنها الفرصة الأخيرة لأوكرانيا. إنها فرصة. لكن ينبغي ألا نتوقع أن تكون هذه نهاية القصة. لا يمكننا التحدث بشكل واقعي عن إنهاء الحرب بهجوم مضاد واحد».