منصور بن زايد يبحث مع وزير المالية السوري سبل تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات
رسالة مفتوحة إلى نتانياهو من «يهودي في الشتات»
وجه الكاتب البولندي الفرنسي ماريك هالتر، رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يحذره فيها من التيارات الداخلية في حكومته التي تهدد جوهر الدولة اليهودية.
تالياً نص الرسالة التي نشرها في صحيفة “لي إيكو” الفرنسية اليومية التي تتخذ من باريس مقراً لها،: عزيزي السيد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، أستطيع أن أتخيل دهشتك عندما تتلقى هذه الرسالة. منذ ما يزيد قليلاً عن 40 عاماً، وجهت رسالة مماثلة إلى رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن، ذكّرته فيها بالمبادئ التي تربطنا، نحن يهود الشتات، بمبادئ دولة إسرائيل. لقد فهم السيد بيغن مقاربتي وأجابني في رسالة مفتوحة للصحافة بعد أيام قليلة. كما هو الحال مع بيغن، أنا وأنت ننتمي إلى تيارين متعارضين في الفكر يتعلقان بشعبنا: تيار المتعصبين وتيار الفريسيين. أراد الأول أن يكون ذراع الرب الدنيوي، وشاء الثاني أن يمثل كلمته وصوته.
يجب أن أعترف أنه إذا لم تستطع القوة حماية الشعب اليهودي من المنفى، فإن الكتاب لم يحمهم من البربرية أيضاً. فلا يوجد خلاص إذا تحقق أحد هذين المبدأين مع استبعاد الآخر.
وفي عالمنا المليء بالعنف، يُعد العزم والقوة ضمانات قوية لوجود أي دولة، وخاصة لإسرائيل التي على عكس الدول الأخرى لا تستطيع أن تعاني أي هزيمة. ولكنها ليست الضمانات الوحيدة.
من مدرسة يافنيه في يهودا إلى أكاديميات نيهارديا وبومبيديتا في بابل، وعبْر حكماء وكتّاب وعلماء مثل راشي في فرنسا أو سبينوزا في هولندا، بنى جميع هؤلاء حصناً حول القانون حيث تمكن اليهود من تحديد مصيرهم الجماعي في أرض أسلافهم أو في الشتات. ويسمِّي فرويد هذا الحصن باسم “صَرْح اليهودية الخفي».
وبصفتي وصياً على هذا الصرح، من بين آخرين، كما فعل أنبياء الكتاب المقدس، فإنني أستمتع بحرية بدعوة القادة السياسيين إلى النظام، عندما ينحرفون عن المبادئ الأخلاقية التي تهدف إلى توحيدنا. إن احترام هذه المبادئ ضروري لوجود إسرائيل مثله مثل أمن حدودها. ومع ذلك، فإن التصريحات الأخيرة لبعض وزراء حكومتكم تثبت أنهم تجاهلوها.
سأنهي حديثي بحكاية سوف تروق لك. في 1968، قمت بزيارة ديفيد بن غوريون في منزله في سديه بوكير، وهي مزرعة في قلب صحراء النقب. كان من الواضح أنه سعيد باستقبال مثقف فرنسي شاب عَبَرَ مساحات شاسعة من روسيا إلى كازاخستان وأوزبكستان قبل أن يجد أخيراً ملاذاً في باريس، وبالتالي يجسّد جزءاً من التاريخ اليهودي. وبعد الغداء الذي أعدته زوجته باولا، عرض أن ينزلني إلى تل أبيب.
كانت سيارته مريحة، وإن لم تكن مكيفة، والنوافذ مفتوحة. عند مدخل المدينة، توقفت السيارة عند إشارة حمراء، ليست بعيدة عن دار الأوبرا القديمة حيث احتَفَلَ بإعلان دولة إسرائيل عام 1948.
اقتربت شابة من السيارة ومالت نحوي وقالت باللغة اليديشية: “دو كيمست؟ هل أنت قادم؟” كانت عاهرة يهودية! وتتحدث بلغتي الأم! انتابتني صدمة. ضحك بن غوريون. وقال: “كما ترى، أصبحنا أخيراً شعباً عادياً، أراهن أن لدينا حتى لصوصنا، ومفسدينا، وأوغادنا..!».
كان على وشك الاستمرار في قائمة المنبوذين الذين يهددون كل دول العالم عندما قاطعته بغضب، “لكن ديفيد، لا أريد أن أكون عادياً!»
كنت أعلم أن الشعب اليهودي نجا من المنفى والاضطهاد وحتى المحرقة بفضل أولئك الذين عارضوا مثل هذه الحياة العادية في التاريخ. ما لم أكن أعرفه هو أنه في يوم من الأيام في المستقبل غير البعيد، ستهاجم حكومة إسرائيلية محكمة العدل العليا التي بناها بن غوريون لمنع السياسيين من تحريف القانون لصالحهم أو لتغيير الدستور كما يحلو لهم.
هذه المحكمة العليا نفسها كانت موضع إعجاب الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم. أخيراً، لم أكن أعلم أننا، ضحايا الاضطهاد الديني، سنخاطر يوماً ما بإعادة إشعال الحرب الدينية لا لسبب سوى طموح وزير في حكومتك.
أنا أفهم أن قناعاتي قد تزعجك كسياسي يقدم الوعود لناخبيه. لكن كرجل لديه حس بالمسؤولية تجاه التاريخ، يجب أن تكون مسروراً لأنه لا يزال هناك يهود في الشتات وفي إسرائيل لمواجهة هذا الوضع العادي الذي يهدد الديمقراطية ويقوض تلك الدعوة العزيزة جداً على إبراهيم: “العدل، العدل الذي يجب أن تسعى إليه».