يترك انعكاسات نفسية واجتماعية كبيرة
سلس البول.. كيف نواجهه بلا جراحة أو دواء؟
سلس البول ليس مجرد عرض صحي عابر، بل هو مشكلة معقدة تؤثر في ملايين الأشخاص حول العالم، وتشمل النساء والرجال على حد سواء. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن نحو ثمانية في المئة من السكان يعانون درجة من درجات سلس البول، مع ارتفاع النسبة لدى النساء بعد الولادة أو انقطاع الطمث، ولدى الرجال بعد جراحات البروستاتا أو أمراض الأعصاب.
إضافة إلى آثارها الجسدية فإن هذه المشكلة الصحية تترك انعكاسات نفسية واجتماعية كبيرة، إذ يشعر المصابون بالحرج، ويميل بعضهم إلى الانعزال أو تجنب المناسبات العامة خوفاً من الحوادث المفاجئة، ومع ذلك تؤكد الدراسات الطبية أن العلاج الطبيعي يمثل خط الدفاع الأول، ويحقق نتائج ملموسة إذا تم الالتزام به، قبل التفكير في الأدوية أو الجراحة.
ما سلس البول؟
يعرف سلس البول بأنه فقدان غير إرادي للبول، قد يحدث أثناء النشاط البدني، كالعطس أو الجري، أو بصورة مفاجئة عند الشعور برغبة ملحة للتبول، وهناك عدة أنواع رئيسة، منها سلس الإجهاد الذي يحدث عند الضغط على المثانة نتيجة الكحة أو الضحك أو رفع الأثقال، وسلس الإلحاح يرافق المثانة المفرطة النشاط، حين يعجز المريض عن كبح الرغبة المفاجئة في التبول، وسلس المختلط الذي يجمع بين النوعين السابقين، سلس الفائض الناتج من عدم إفراغ المثانة بالكامل، وأخيراً سلس العصبي الذي يأتي نتيجة أمراض عصبية مثل التصلب اللويحي أو إصابات الحبل الشوكي.
لماذا العلاج الطبيعي؟
توصي معظم التوجيهات الطبية العالمية، مثل الجمعية الأميركية للمسالك البولية والجمعية الأوروبية، ببدء العلاج باستخدام وسائل غير جراحية. والسبب يعود إلى أن الأدوية قد تسبب آثاراً جانبية كجفاف الفم أو اضطراب ضغط الدم، كذلك فإن العمليات الجراحية تحمل أخطار مضاعفات، وقد لا تناسب جميع المرضى، فيما يبقى العلاج الطبيعي آمناً، ومنخفض الكلفة، ويمكن دمجه مع تعديلات نمط الحياة.
حجر الأساس: تمارين عضلات الحوض
تعد التمارين أساساً في محاولة علاج هذه المشكلة الصحية، ومنها تمارين كيجل التي تستهدف عضلات قاع الحوض التي تدعم المثانة، يتم شد العضلة كما لو كان الشخص يحاول إيقاف تدفق البول، لمدة تراوح ما بين خمس و10ثوان، ثم إرخاؤها، وتكرار ذلك 10–15 مرة يومياً.
وقد أكدت دراسات طبية أن هذه التمارين تقلل من نوبات التسريب وتزيد من فرص الشفاء التام، فيما التحسن يلاحظ غالباً بعد ثلاثة أشهر من الممارسة المنتظمة.
التحفيز الكهربائي
يعد هذا العلاج مفيداً لمن لا يستطيعون تفعيل العضلات بأنفسهم، حيث يتم تمرير تيارات كهربائية خفيفة لتحفيز الأعصاب، بينت دراسات أنه يساعد خصوصاً في سلس الإلحاح.
تدريب المثانة
ينصح كثير من الأطباء بخطوات يومية بسيطة تسهم في معالجة مشكلة سلس البول، ومنها وضع جدول للتبول كل ساعتين مثلاً، ثم تمديد الفترة تدريجاً. هذا التدريب يقلل من تكرار النوبات ويحسن قدرة التحكم، وأيضاً تقليل الكافيين والكحول والمشروبات الغازية، إضافة إلى شرب كميات كافية من الماء نهاراً مع تقليلها قبل النوم لتجنب التبول الليلي.
إنقاص الوزن والإمساك
كشفت دراسة في مجلة New England Journal of Medicine أن خسارة ثمانية كيلوغرامات من الوزن كفيلة بتقليل أعراض سلس الإجهاد بنسبة 50 في المئة عند النساء البدينات، لذا ينصح الأشخاص الذين يعانون وزناً زائداً وسلس بول، بخسارة الوزن بصورة أولى وأساسية.
كما يؤكد المتخصصون أن الإمساك المزمن يزيد الضغط على المثانة، لذلك يوصى بزيادة الألياف الغذائية وممارسة النشاط البدني المنتظم.
تحديات تطبيق العلاج الطبيعي
وعلى رغم أن فوائده مثبتة فإن هناك عقبات موجودة أيضاً أمام العلاج الطبيعي لهذه المشكلة الصحية، ومنها الالتزام فترة طويلة، قد تصل إلى ستة أشهر، قبل ملاحظة تحسن ملحوظ، غياب متخصصين في العلاج الطبيعي للحوض في بعض المناطق أو الدول النائية، وأخيراً وجود حالات خاصة (كالأعصاب التالفة) تحتاج إلى حلول إضافية مثل الأدوية أو الجراحة.
يبقى أن سلس البول ليس مجرد مشكلة طبية، بل هو تحد نفسي واجتماعي يؤثر في حياة المريض اليومية، غير أن الحلول الطبيعية أثبتت فاعليتها في التخفيف، بل والشفاء أحياناً، عبر مزيج من تمارين عضلات الحوض والتعديلات السلوكية وأحياناً أجهزة مساعدة.إن تبني هذه الاستراتيجيات لا يعالج الأعراض فحسب، بل يحسن نوعية الحياة ويعيد الثقة بالنفس، لذا ينبغي أن يكون العلاج الطبيعي الخيار الأول في مواجهة سلس البول، على أن يبنى على تشخيص دقيق والتزام جاد وإشراف متخصص.