تزايدت عمليات تبادل إطلاق النار شبه اليومية على طول حدود لبنان مع شمال إسرائيل بمعدل مثير للقلق في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى تصعيد التهديدات بين إسرائيل وحزب الله وإجبار الولايات المتحدة على الدعوة إلى حل دبلوماسي عاجل.
وفي هذا الإطار، قالت شبكة «سي إن بي سي» الأمريكية في تقرير إن الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله ستكون مدمرة لكلا الجانبين.
ولفت التقرير إلى أن خطر اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله بات صارخاً لدرجة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أرسل الأسبوع الماضي أحد كبار مساعديه، عاموس هوكشتاين، إلى إسرائيل ولبنان للضغط من أجل التوصل إلى حل. أطلق حزب الله آلاف الصواريخ على إسرائيل في الأشهر التسعة تقريباً منذ  بدأ الأخير حربه ضد جماعة حماس في غزة في 7 أكتوبر -تشرين الأول. وتقول إسرائيل إن الصواريخ التي أُطلقت من لبنان قتلت 18 جندياً إسرائيلياً و10 مدنيين، بينما قتل القصف الإسرائيلي حوالي 300 مقاتل من حزب الله في لبنان وحوالي 80 مدنياً، وفقاً لإحصاء رويترز. وتم إجلاء ما لا يقل عن 150 ألف من سكان جنوب لبنان وشمال إسرائيل من منازلهم وهم نازحون داخلياً بسبب إطلاق النار عبر الحدود بشكل منتظم.
وقال فيكتور تريكود، المحلل البارز في شركة الاستشارات «كونترول ريسكس»، لشبكة «سي إن بي سي»: «إن اندلاع حرب كاملة بين إسرائيل وحزب الله سيكون حدثاً كارثياً للمنطقة، بما في ذلك إسرائيل ولبنان».

صاروخ طائش واحد
ما هو السيناريو الأكثر تطرفاً للحرب؟ يصف تريكود غزواً برياً واسع النطاق وحملة قصف جوي ضد لبنان من إسرائيل، وقصفاً عنيفاً من قبل حزب الله مع ضربات مباشرة منتظمة للبنية التحتية المدنية الإسرائيلية، وربما حتى التورط المباشر لإيران، مما سيكون له آثار كبيرة على الاقتصاد العالمي.
ويرى أن صراعاً بهذا الحجم من شأنه أن يؤدي إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية الوطنية على كلا الجانبين - مثل المياه والكهرباء والاتصالات - أو تدميرها، إلى جانب المنازل والأهداف العسكرية.
ولكن في الوقت الحالي، لا يزال هذا السيناريو «بعيداً نسبياً»، كما قال تريكو، «مع احتمال اتخاذ العديد من الخطوات التصعيدية قبل أن تصل المواجهة إلى هذا المستوى من الشدة».
ويقول زعماء الجانبين إنهم لا يريدون حرباً شاملة. ولا تزال الضربات المتبادلة التي وقعت على مدى الأشهر القليلة الماضية تُعَد محسوبة بعناية لتجنب التصعيد الكبير رغم أنها كانت قاتلة في بعض الأحيان.
وفي الوقت نفسه، يعيش لبنان في خضم أزمة اقتصادية وسياسية، وسيؤدي التوغل الإسرائيلي الكبير في البلاد إلى كوارث كبيرة، خاصة في جنوب لبنان، المعقل الرئيسي لحزب الله، مما يشكل تهديداً خطيراً لشعبية المنظمة المسلحة ودعمها هناك.
يقول نمرود نوفيك، زميل في منتدى السياسة الإسرائيلية، إن «كل جانب من فريقي الصراع اليوم يريد أن «يخبر» الآخر أنه قادر على إلحاق المزيد من الألم به في إطار قواعد الاشتباك المفترضة في قتال محدود. ومع ذلك، فإن الأمر لا يتطلب سوى صاروخ طائش واحد يتسبب في خسائر بشرية كبيرة ورد الخصم بالمثل، حتى تخرج الأمور عن السيطرة».

أقوى من حماس بعشر مرات
يعد حزب الله من بين أكثر الجماعات غير الحكومية تسليحاً في العالم. وتشير التقديرات إلى أنه يمتلك عشرة أضعاف القدرة العسكرية لحماس، وانتهت معظم الحروب السابقة بين إسرائيل وحزب الله دون انتصار واضح لأي من الجانبين.
ومع ذلك، ادعى حزب الله انتصاره في الحرب التي استمرت 34 يوماً بين الخصمين في عام 2006، والتي شهدت انخراط القوات البرية الإسرائيلية، وعدّتها إسرائيل فشلاً استراتيجياً. إن الجماعة المسلحة أصبحت الآن أقوى بشكل ملحوظ ومجهزة بأسلحة أكثر تقدماً مما كانت عليه في عام 2006. وقال تريكو إن مقاتلي حزب الله أصبحوا «أكثر خبرة في القتال، بعد أن شاركوا في الحرب في سوريا، وسيكونون قادرين على الاستفادة من تكتيكات الحرب غير المتكافئة بشكل فعال للغاية بفضل السيطرة الإقليمية الطويلة الأمد للحركة على جنوب لبنان». وأضاف أن تكلفة الحرب الشاملة على السكان الإسرائيليين «ستكون أعلى بكثير مما كانت عليه في عام 2006».
وأوضحت العقيد المتقاعد في قوات الدفاع الإسرائيلية ميري إيسين، التي تدير حالياً المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في إسرائيل، التهديد الذي تشكله ترسانة أسلحة حزب الله في حالة اندلاع حرب شاملة، قائلة: «نحن نتحدث عن أسلحة لم نرها في هذه المنطقة»، مشيرةً إلى الاستخدام المحتمل لحزب الله لقذائف الهاون والصواريخ الموجهة وأسراب الطائرات دون طيار والمسيرات الانتحارية وحتى القوات البرية بغرض تفكيك دفاعات إسرائيل.
وأضافت: «على الرغم من أنظمة الدفاع الجوي الهائلة التي تمتلكها إسرائيل، ستظل هناك قدرات تتسلل إلى داخل إسرائيل، مما يعني أننا سنتكبد خسائر في قلب إسرائيل».
وسيكون الدعم الأمريكي حاسماً لإسرائيل في مثل هذا السياق؛ كما أنها ترفع المخاطر إذا تورطت مجموعات أخرى مدعومة من إيران وهاجمت أصولاً أمريكية.