صحف عربية: المجتمع الدولي أمام استفزاز إيراني جديد

صحف عربية: المجتمع الدولي أمام استفزاز إيراني جديد


أقدمت إيران على انتهاك جديد للاتفاق النووي بعد التفجير الذي استهدف منشأة نطنز الشهيرة، مقررة رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهي خطوة متقدمة تقربها من امتلاك مواد كافية لتطوير أسلحة نووية، ووفق صحف عربية صادرة أمس الأربعاء، فإن إيران تبقى العدو الحقيقي للمنطقة العربية والشرق الأوسط وتعمق ذلك العداء بعد 40 سنة من محاولات عديدة لترشيد سياستها.

انتهاك جديد
نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، عن كبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقجي قوله للتلفزيون الرسمي، بعد لحظات من وصوله إلى فيينا، للمشاركة في مباحثات الجولة الثانية مع الدول الكبرى لإحياء الاتفاق النووي، إن “إيران أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخطتها لبدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% اعتباراً من يوم الأربعاء، مضيفاً أن إيران ستضيف ألف جهاز آخر تفوق قدرتها 50%، إلى الأجهزة الموجودة في نطنز، بالإضافة إلى استبدال الأجهزة المتضررة». ولم يذكر المسؤول الإيراني المنشأة التي تنوي بها إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي أعلى نسبة تخصيب تعلن عنها إيران في تاريخ برنامجها النووي.

واستأنفت إيران في يناير (كانون الثاني) الماضي، تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في منشأة فوردو. وقالت الصحيفة، إن البيت الأبيض أعرب عن قلقه من إعلان إيران “الاستفزازي”، وأكدت المتحدثة جين ساكي أخذ إعلان إيران بجدية. وقالت إن الإدارة الأمريكية تدرك التحديات والصعوبات التي تواجه المحادثات التي ستعقد في فيننا، لكن ترى أن المسار الدبلوماسي هو المسار الأفضل. ونددت الرئاسة الفرنسية بإعلان إيران عزمها على بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، معتبرة أنه يشكل “تطوراً خطيراً”. وقال الإليزيه: “إنه تطور خطير ندينه ويستدعي رداً منسقاً” من جانب فرنسا وألمانيا وبريطانيا مع الولايات المتحدة والروس والصينيين، موضحاً أن هذا التنسيق “قائم». وفي وقت سابق، قال رئيس مركز أبحاث البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني إن انفجار فجر الأحد في منشأة نطنز “دمر وأتلف آلافاً من أجهزة الطرد المركزي”. فيما كشف رئيس لجنة الطاقة في البرلمان، فريدون عباسي دواني، في تصريح لوكالة “تسنيم” الأمنية، أن التفجير عطل نظام توزيع الكهرباء الخاص بأجهزة الطرد المركزي، حسب ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط».

تصدير الخراب
يقول الكاتب الصحافي خيرالله خيرالله في مقال له بصحيفة “العرب” اللندنية، إنه لا علاقة لعالم السنة 2021 بعالم 2015 لدى توقيع الاتفاق المتعلّق بالملفّ النووي الإيراني بين إيران من جهة ومجموعة (5+1)، أي البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، من جهة أخرى. لنأخذ العراق مثلاً. كان العراق في تلك المرحلة تحت السيطرة المباشرة لإيران. هناك تغيير كبير حصل في السنوات الأخيرة بفضل وعي الشعب العراقي للواقع المتمثّل في أن هيمنة إيران ليست حلاً ولا يجوز لها أن تستمرّ إلى ما لا نهاية.

ويقول خيرالله، لم تجد إيران ما تقدّمه لأي بلد سعت إلى السيطرة عليه، أكان ذلك في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن. باختصار شديد، كشف مرور الوقت إيران الغارقة في الوحول السورية حيث لا تجرؤ على الرد على الضربات الإسرائيلية المتتالية. أمّا في لبنان، فكل ما نجحت فيه إيران هو تفليس بلد وتهجير شعبه وتدمير مؤسساته عن بكرة أبيها. يعاني اللبنانيون من الجوع والعوز بسبب إيران التي أصرّت على الإتيان بميشال عون رئيساً للجمهورية. يبقى اليمن. يصعب إيجاد كلمة إيجابيّة واحدة في وصف النفوذ الإيراني الذي زاد المأساة اليمنية عمقاً على كلّ المستويات. يمكن أيضاً الإشارة إلى الوجود الإيراني في قطاع غزّة الفلسطيني الذي تسيطر عليه “حماس” المتحالفة مع إيران.

ماذا جنى الفلسطينيون من إيران غير دفعهم إلى الانتحار وتحويل غزّة إلى سجن في الهواء الطلق لمليوني فلسطيني؟ ويؤكد خيرالله، لم يخدم المشروع التوسّعي الإيراني سوى إسرائيل التي يتبين كل يوم أن أجندتها الإيرانيّة هي الأجندة المعمول بها على الرغم من تبرؤ البيت الأبيض من الهجوم على “نطنز”. كان لافتاً وقوع الهجوم، الذي وصفته مصادر غربية وإسرائيلية بأنّه “هجوم إلكتروني” مع دور محتمل لـ”الموساد” الإسرائيلي، في وقت يزور وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إسرائيل. جعل ذلك رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي يقول في بيان له إن الحادث في “نطنز” هو الثاني منذ يوليو (تموز) الماضي وكان نتيجة عمل “إرهابي”. أضاف صالحي أن “إيران تحتفظ بحقها في الرد على مرتكبي هذا العمل”. قبل ذلك، أشار المتحدث باسم اللجنة البرلمانية للطاقة مالك شريعتي نياسر إلى “تخريب أو تغلغل”. هذا كلام خطير يحتاج إيضاحاً نظراً إلى أنّه يكشف وجود خلايا إسرائيلية في الداخل الإيراني.

كيف يمكن لإيران الردّ؟ هناك طريقان أمامها. الأوّل الاستمرار في إطلاق الكلام الكبير الذي لا معنى له، خصوصاً أن ذلك ثبت بعد اغتيال الأمريكيين لقائد فيلق “القدس” قاسم سليماني في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2020 وبعد اغتيال الإسرائيليين العالم النووي محسن فخري زادة قرب طهران. يترافق الكلام الإيراني الكبير وعن “ردّ مزلزل” على أمريكا وإسرائيل مع إمعان في تخريب العراق وسوريا ولبنان واليمن.

محادثات فيينا
من جهته يقول الكاتب الصحفي ظافر العجمي في مقال له بصحيفة “الوطن” البحرينية، إنه في محادثات فيينا قبل أسبوع كررت الخارجية الأمريكية تأكيدها على أن التفاوض مع إيران سيكون صعباً. وكأننا لا نعلم أنها ستكون صعبة! ويؤكد العجمي، لن تكون صعبة، بل لن تنجح، ليس لأن بايدن منشغل بشخصانية عالية بمهمة ضخمة لإصلاح الضرر الذي تسبب فيه ترامب داخلياً وخارجياً -كما يقول- منها الانسحاب من الاتفاق، بل للتطورات المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط التي لا تعمل في إطار الـ 100 يوم الأولى في واشنطن، فمفجرات النزاع هنا هياكل عسكرية ومنظمات غير تقليدية، كما أن من مؤشرات الصعوبة لحل التمرد الإيراني على الشرعية الدولية هو وصول إدارة أمريكية جديدة رخوة لا يبدو أنها قادرة على إعادة إيران إلى الاتفاق النووي لعام 2015 دون تنازلات صعبة كرفع العقوبات، والاعتراف بنفوذ طهران، دون مواجهة تحركاتها المزعزعة لاستقرار المنطقة من الحروب في اليمن إلى سوريا. ويقول، في واشنطن يرى البعض أن “مزاج كورونا السياسي” عطل تطوير استراتيجية بديلة أو خطط وآليات لمعالجة التمرد الإيراني، وكان البديل لإدارة بايدن أن تتقبل أن لإيران دوراً إقليمياً، ولا يمكن تقليص نفوذها عبر قطع العلاقات معها تماماً. يضاف لذلك نقاط ضعف بايدن نفسه حيث عاد مرتدياً جلباب “أوباما - كلينتون” رغم أنه المخضرم في مجلس الشيوخ والخبير في الشؤون الدولية كما يروج أتباعه. لكن كيف تقنعهم أن العالم تغير وأن إيران تغيرت، والرئيس بايدن، لقبه “ماكينة الهفوات” فقد سب زعيم روسيا ثم زعيم الصين، لكنه ويا للغرابة مؤدب أمام رجال طهران.

خطر حقيقي
في صحيفة “عكاظ”، يشير الكاتب رامي الخليفة العلي، لتصريحات سابقة لرئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل، والتي قال فيها، إن “قيادة إيران الآن هي خطر حقيقي، فكل المحاولات طيلة نحو 40 عاماً لترشيد سياستها فشلت، ونحن لا نكن عداء لإيران ولا نريد لشعبها الضرر، لكن يجب تحقيق التوازن معها، فأي خلل في التوازن ستستغله إيران. إيران خطيرة أيضاً بسبب سلوكها المتمرد طيلة عقود، وسعيها لزعزعة استقرار وأمن جيرانها وتفتيت مجتمعاتهم. والتجربة العراقية تقدم نموذجاً عن تأثير إيران واستغلالها موارد العراق واللعب فيه طائفياً». ويقول العلي معلقاً على تلك التصريحات، إن الأمير تركي الفيصل يضع بذلك إصبعه على الخطر الحقيقي الذي يتهدد العالم العربي ومنطقة الخليج على وجه التحديد. هذا وإيران لم تمتلك القنبلة النووية فما بالك إذا ما امتلكت السلاح النووي عندها يمكن للمراقب أن يتوقع العجرفة والعنجهية التي يمكن أن يتعامل بها هذا النظام المارق، وعندها سوف تصبح القنابل النووية معلقة فوق رؤوس شعوب الدول العربية.

الدول العربية أصبحت محاطة بدول نووية بداية من الهند وصولاً إلى إسرائيل، مروراً بالباكستان والقادم المحتمل بقوة إلى النادي النووي (إيران) كما أوضح الأمير تركي الفيصل وهو العارف بخبايا المنطقة، فهو يحذر “من أن إيران قد تمتلك يوماً قنبلة نوية، خاصةً في ظل عدم تعديل الاتفاق النووي المبرم بينها وبين القوى الغربية». الحديث عن سباق التسلح في منطقة الشرق الأوسط والتحذير منه يأتي متأخراً للغاية، فمنذ نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية تعمل إيران على إشعال سباق التسلح وإشعال المنطقة برمتها وفق أيديولوجيتها المتطرفة التي تريد تفجير المجتمعات من الداخل، بل وصل الأمر إلى تزويد ميليشيات إرهابية بأسلحة استراتيجية، بداية من حزب الله وصولاً إلى ميليشيات الحوثي، مروراً بالميليشيات التي أنشأتها وما تزال تنشئها في أكثر من بلد عربي. وما زاد الطين بلة التصارع بين إيران وإسرائيل وتركيا حول تقاسم النفوذ على حساب العالم العربي، وهذا ما جعل الخطر الإسرائيلي يتراجع في العقل الجمعي العربي مع أنه بقي على مدى عقود هو الخطر الأكبر، ولكن إسرائيل بقيت تتعامل كدولة حتى وإن كانت عدوانية ومحتلة، ولكن إيران ولاحقاً تركيا تتعاملان من منطق أيديولوجي وتحاولان طوال الوقت بناء جماعات مرتبطة بهما، و أصبحت الجماعات الإيرانية حائط صد أمام عودة الدول العربية المحتلة إيرانياً إلى اعتبارها دولاً حقيقية فهي لا تعدو كونها جمهوريات موز، انهارت فيها معظم سبل العيش.