يعيش حالياً مرحلةَ تحدٍ جديدة

طارق سويد: الكوميديا السوداء تتطلب كثيراً من القراءة والدقة

طارق سويد: الكوميديا السوداء تتطلب كثيراً من القراءة والدقة

بعد غياب، عاد الفنان اللبناني طارق سويد إلى مزاولة نشاطه الفني، ولكن من بوابة المسرح مقدّماً 10 قصص جسّدتْها على الخشبة 12 موهبة تمثيلية كان قد درّبها من خلال ورش تمثيلية.
وعلى مسرح «ديستركت 7» المتواضع، يَعرض سويد عمله الجديد «مش مسرحية» الذي يحقق نجاحاً لافتاً أكد عليه الجمهور وصناع الدراما والنقاد.

• كيف تفسر أسباب نجاح مسرحية «مش مسرحية» الذي فاق التوقعات مع أنك وعدتَ الجمهور بعمل متواضع؟
- العمل متواضع من ناحية مساحة المسرح الذي لا يتّسع سوى لعدد محدد من الناس، ولكنهم أحبوه لأنه غنيّ بالأفكار الجديدة التي قدّمتُها بأسلوب الكوميديا السوداء، فبكوا وضحكوا في آن معاً ربما لأنهم وجدوا أنفسهم في القصص والمواضيع التي تطرقتُ إليها.
الجمهور اللبناني ليس معتاداً على الكوميديا السوداء، بل هي جديدة عليه، حتى ان كتابتي فاجأتْ الصحافيين والفنانين لأنهم لا يعرفون أنني أجيد كتابة الكوميديا أيضاً، والمسرحية تَجمع بينها وبين التراجيديا، فغادروا العرض مستمتعين بما شاهدوه وسمعوه. وأعتقد أن مَن يكتب المواضيع التي تَعني له ويحبها لابد من أن تصل إلى الناس.
• هل يفترض بمن يكتب الكوميديا السوداء أن يكون ابن المعاناة، شفافاً وحقيقياً وليس كاتباً عادياً؟
- يجب أن يكون أولاً متصالحاً مع نفسه، مُخاطراً ويعبّر عن الأشياء كما هي. كما أن الكوميديا السوداء تتطلب كثيراً من القراءة والدقة، مع أنني قدمتُ الفانتازيا داخل المسرحية. وفي الأساس، وخلال مرحلة تدريب الطلبة، علّمتُهم كل شيء: المونولوج، الدراما، الكوميديا السوداء، الفانتازيا الخيالية والواقع. وقد اخترتُ مواضيع المسرحية من حياتنا اليومية، كـ«السوشيال ميديا» والانفصال وغيرها من المواضيع الاجتماعية.
• عادةً أنت بطيء بالكتابة، فكيف تمكنتَ من إنجاز هذا العمل بفترة قياسية، وهل هذا يعني أنكَ كنتَ متحمساً له كثيراً؟
- أحببتُ هذا العمل كثيراً، وأتمنى أن يعاودني الشعور نفسه عند كتابة الأعمال الدرامية بعيداً عن التفكير في ما يريده الآخَرون. في المسرح أكتب كي أتسلى بعيداً عن الحسابات والتفكير بما يريده ممثل معروف مُشارِك في المسلسل. ومع الوجوه الجديدة، كتبت لأشخاص مستعدين لتقديم أي شيء وكل شيء.
• وهل من المستحيل أن يتحقق هذا الأمر عند كتابة نص درامي لمسلسل تلفزيوني، بما أن الممثلين الذين شاهدوا العرضَ المسرحي أحبوا ما قدّمتَه وتمنوا لو أنهم شاركوا فيه؟
- هذا أمر صعب، لأن كتابة أي مسلسل تَخضع لإرادة شركات الإنتاج ومواصفات النص الذي تَطلبه من الكاتب. ولا شك في أنني قادر على نقل كتابة التجربة المسرحية إلى التلفزيون وبطريقة جديدة. وأنا أحب مثلاً كتابة مسلسل يكون بطله طفل صغير، ولكنني لا أعرف إذا كان هذا الأمر يتوافق مع توجهات شركات الإنتاج لأننا بحاجة إلى تمويل، ولذلك أكتب قصة المسلسل بطريقة تتناسب مع تطلعات الجمهور وشركات الإنتاج، ولكنني أطعّمها بالأفكار والقضايا التي يهمني الإضاءة عليها وبشكل متواز مع التوجه الذي يُطلب مني. وبصراحة، لا أعرف إذا كنتُ قادراً على الكتابة بعيداً عن «المحسوبيات» التي تطبع جانباً من الصناعة التلفزيونية، ولكنني أعتقد أنني سأفعلها.
• وهل هناك ممثلون تحب أن تتعامل معهم مسرحياً؟
- لديّ اختصاص آخر، وأعمل كأستاذ لمادة المسرح في كلية التربية، ولكنني لا أضيء على هذا الأمر لأنني كنت أرغب بالتركيز على التمثيل. ولا شك أنني أرغب بالتعامل مسرحياً مع بعض الممثلين، إلا أنني لا أعرف إذا كانت صفات البراءة والتواضع والجنون يمكن أن تعود إلى شخص أصبح تحت الأضواء. ومَن يقبل بذلك يجب أن يكون متصالحاً مع نفسه وألا يتوقف عند بعض التفاصيل ومن بينها: لماذا غيري تقاضى أجراً أعلى من أجري، أو لماذا مساحة دوره أكبر من مساحة دوري؟ علماً أن ما أقوله لا ينطبق على كل الممثلين، فمثلاً أحب التعامل كثيراً مع طلال الجردي.• كيف ترّد على من أكد أنك ستكون الكاتب الذي ستتعامل معه شركة «إيغل فيلمز» في عملها المقبل؟- الكل يردّد هذا الكلام، ولكن الأمر لا يتعدى كونه بعض النقاشات معها ومع غيرها من شركات الإنتاج. في الفترة الماضية ابتعدتُ عن الكتابة بقرارٍ شخصي بسبب ظروفي الخاصة، وعندما عدتُ عَرَضْتُ أفكاري على بعض الشركات وتلقيتُ عروضاً من شركات أخرى، ولكن لا شيء رسمياً حتى الآن. وكل ما يمكن أن أؤكده أن هناك مسلسلاً من كتابتي وأنني قررتُ العودة بمسلسل جديد في الموسم الرمضاني المقبل لأنني اشتقتُ للعمل ولأنه حان وقت العودة. ويوجد في داخلي الكثير من القصص والمشاعر التي أرغب بالتعبير عنها في عمل جديد.
• وهل النص الذي تتحدث عنه هو نص مسلسل «هي لحظة» وهو آخِر نص كتبتَه؟
- كلا، ولكنني أعتمد دائماً نفس الأسلوب في الكتابة، وهو الأسلوب الواقعي.
• وما مصير «هي لحظة»؟
- توقّفتُ عن كتابته، ولكنني انتهيتُ من كتابة نص جديد لفيلم من نوع الكوميديا السوداء بعنوان «liste de mariage» وسيكون من إنتاج مي أبي رعد وإخراج رندة علم. وحتى الآن لم يتم اختيار الممثلين الذين يُفترض أن يشاركوا فيه باستثناء الممثلة سمارة نهرا التي خصصتُ دوراً لها فيه.
• وهل تلقيتَ عرضاً من شركة «الصبّاح»؟
- كلا، ولكن حصل اتصال بيننا واجتمْعنا وتَناقشْنا وأبديْنا رغبةً مشتركة في التعاون، وحصل ذلك قبل أن أبتعد. وأنا معجب بطريقتهم في العمل، وهم أيضاً أعربوا عن إعجابهم بما أكتبه، والأمر ينطبق أيضاً على شركة «إيغل فيلمز» وهما شركتان مهمتان جداً على مستوى الإنتاج. وحتى عندما أتعاون مع شركة صغيرة كالتي تملكها مي أبي رعد، فإنني أشعر بسعادة عارمة حين ينجح العمل.
• هل تعيش حالياً مرحلةَ تحدٍ جديدة؟
- نعم، لأنني عدتُ بعد مرحلة من الغياب. ابتعدتُ منذ «عروس بيروت» و«بالقلب» عام 2019، ولم أكن أعرف كيف يمكن أن يستقبلني الناس مجدداً ككاتِب وكيف يمكن أن تكون ردة فعلهم على أعمالي. ومن خلال مسرحية «مش مسرحية» أشعر بأنني أتحدى نفسي باعتمادي أسلوباً جديداً في الكتابة، ولكنني لم أشعر يوماً أنني أرغب بتحدّي الآخرين. غالباً ما يتحدّث الآخَرون عن منافسةٍ شريفة، ولكنني لا أشعر بها ولا أعرفها لأنني لا أسعى لأن يكون لديّ مسلسل جديد سنوياً، بل أترك الأمور تسير على هواها، وفي حال شعرتُ برغبةٍ في الكتابة يمكن أن أقدّم عملاً جديداً.
• أو ربما هو تحدٍ كي تبرهن للآخَرين أنك موجود وقادر على العطاء بالرغم من فترة غيابك الطويلة؟
- أبداً، لأنني تصالحتُ مع فكرة الغياب. فأنا لم أَغِبْ شهراً واحداً أو شهرين، بل لفترة طويلة جداً جعلتْني أتصالح مع الواقع.
تصالحتُ مع الواقع وحتى مع الموت، ولا أنتظر شيئاً من الآخَرين، بدليل أنني أَوْجَدْتُ بنفسي فرصة المسرحية، والكل يتحدث عنها مع أنها مسرحية طلاب. وهناك نجوم وكتّاب كانوا تحت الأضواء لفترة طويلة ثم اختفوا، وأنا متصالح مع فكرة أن لا شيء يستمر، ولا أهتمّ لهذا الأمر، لأن مفهومي ومقاربتي للأمور تَغيّرت كثيراً ولكن بشكل إيجابي...
 ماذا بعد الناس والشهرة، وماذا بعد تحقيقي لنجاحٍ أكبر من النجاح الذي حققتْه المسرحية واكتسابي لشهرة أوسع؟ أنا قادر على تقبّل الحياة كما هي وتُفْرِحُني أبسط الأشياء. ومع أن القاعة التي أعرض فيها المسرحية لا تتسع سوى لـ 65 شخصاً، ولكنني شعرت وكأنهم 1000 شخص، لأن مفهومي للنجاح تَغَيّر وكذلك مفهومي للشهرة والأضواء. وأعتقد أن المطبات التي وقعتُ فيها هي التي غيّرتْني وجعلتْني أكثر نضجاً من الناحية الفكرية. 
والتغيير الذي حصل معي ينسحب على كل الناس، 
وليس على الفنان فقط.