عام 2025.. عندما تغيّر ميزان القوة بين واشنطن وبكين دون رصاصة واحدة

عام 2025.. عندما تغيّر ميزان القوة  بين واشنطن وبكين دون رصاصة واحدة


في عام ازدحم بالحروب والهدنات والتصعيد العسكري، من غزة إلى أوكرانيا وفنزويلا، برز تحول استراتيجي أكثر عمقاً وخطورة، جرى بصمت ومن دون إطلاق نار. ففي عام 2025، لم يكن الحدث الأمني الأبرز للولايات المتحدة حرباً تقليدية، بل مواجهة اقتصادية مفتوحة مع الصين، انتهت بكشف حدود القوة الأميركية وصعود أدوات ردع جديدة في يد بكين.
وفي هذا الإطار، قال التقرير والصحفي الأمريكي جوشوا كيتينغ، إن عام 2025 قد يسجل بوصفه اللحظة التي حاولت فيها الولايات المتحدة إعلان حرب اقتصادية على الصين، لكن الصين لم تكتفِ بالصمود، بل ردت بفعالية، ما أسفر عن تحوّل محتمل في ميزان القوة بين أكبر اقتصادين في العالم.
وأضاف كيتينغ، في تقرير تحليلي مطوّل بموقع «فوكس الأمريكي، أن هذا التحول جرى في وقت كانت فيه الأنظار العالمية منشغلة بوقف إطلاق النار في غزة، ومحاولات فاشلة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وتصاعد التوتر في فنزويلا، بينما كانت المعركة الأهم تُدار في ميادين التجارة وسلاسل التوريد والتكنولوجيا.

شرارة المواجهة
أوضح التقرير أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق جون بايدن أطلقت، في أسابيعها الأخيرة، أوسع حزمة قيود على تجارة أشباه الموصلات المستخدمة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، ورغم شمولها جميع دول العالم نظرياً، فإن هدفها الفعلي كان حرمان الصين من الرقائق الأكثر تقدماً.
وأضاف أن هذا التوجه عكس إجماعاً نادراً بين الحزبين في واشنطن على أن سباق الذكاء الاصطناعي سيكون محدداً أساسياً لموازين القوة في القرن الحادي والعشرين، وأن التخلف فيه أمام الصين يشكل تهديداً استراتيجياً مباشراً.

من الاستمرارية 
إلى التصعيد
تابع التقرير أن التنافس مع الصين شكّل نقطة التقاء بين إدارتي دونالد ترامب الأولى وبايدن، ما جعل التصعيد يبدو محتوماً مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وأضاف أن الإدارة الجديدة فرضت، خلال شهرها الأول، رسوماً جمركية بنسبة 10% على الصين بذريعة فشلها في مكافحة تهريب الفنتانيل، قبل أن تُضاعَف لاحقاً. وبحلول أبريل -نيسان، ارتفعت الرسوم إلى 145%، في خطوة وصفها ترامب بأنها استجابة لحالة طوارئ وطنية سببها ممارسات تجارية صينية غير عادلة.
وأشار التقرير إلى أن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت وصف هذه الرسوم عملياً بأنها حظر اقتصادي.

التراجع الأمريكي
 بلا تنازلات صينية
أوضح التقرير أنه مع نهاية عام 2025، تغيّر المشهد جذرياً. فقد تخلت الولايات المتحدة عن أعلى رسومها الجمركية بعد أسابيع فقط، من دون أن تحصل على تنازلات صينية جوهرية، قبل أن تُخفَّض الرسوم إلى 20% عقب لقاء وصفه ترامب بأنه «10 من 10» مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في أكتوبر -تشرين الأول.
وأضاف أن واشنطن ذهبت أبعد من ذلك في ديسمبر -كانون الأول، عندما وافق ترامب على بيع رقائق إنفيديا المتقدمة من طراز H200 إلى الصين، رغم اعتراضات داخل الكونغرس، معلناً أن الرئيس شي استجاب بإيجابية كبيرة.

لحظة التحول
 في ميزان القوة
قال التقرير إن كثيرين قد ينظرون إلى أحداث 2025 بوصفها نقطة انعطاف تاريخية في ميزان القوة بين البلدين، وهو ما أكده إيدي فيشمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، الذي رأى أن العام الماضي غيّر التوازن بشكل جذري، وجعل واشنطن أكثر تردداً في اتخـــاذ خطوات عدائية تجاه بكين.
وأضاف فيشمان أن الولايات المتحدة لطالما اعتمدت على نقاط اختناق في الاقتصاد العالمي، مثل هيمنة الدولار أو التحكم في تقنيات الرقائق المتقدمة، لكن الصين أثبتت أنها قادرة على الرد بالمثل.

الضربة
 الصينية القاضية
أوضح التقرير أن أخطر رد صيني لم يكن عبر الرسوم الجمركية المضادة، بل من خلال تعليق تصدير المعادن النادرة والمغناطيسات، وهي مواد حيوية لصناعات السيارات والإلكترونيات والدفاع الأميركية، تنتج الصين نحو 90 % منها عالمياً.
وأضاف أن هذا القرار أثار حالة ذعر في أوساط الصناعة الأمريكية، بعدما تبيّن أن المخزونات لا تكفي سوى أسابيع، ما دفع إدارة ترامب إلى تخفيف لهجتها سريعاً.
ونقل التقرير عن السيناتور الأمريكي مارك وورنر، وصفه الخطوة الصينية بأنها لحظة صدمة حقيقية، مشيراً إلى أن واشنطن أدركت فجأة حجم اعتمادها الاستراتيجي على الصين.
الصين تتعلم 
وترد بالمنهج الأمريكي
تابع معد التقرير أن اللافت في الاستراتيجية الصينية هو أنها استنسخت أدوات الضغط الأميركية نفسها، من قوائم الكيانـــــــات غير الموثوقة إلى أنظمة التراخيص التي تشبه القيود الأمريكية على تصدير الرقائق. 
وأضــــــاف أن بكين بــــدأت، منــــذ إدارة ترامب الأولـــــــى، بنــــاء منظومة قانونية واقتصادية لمواجهــــــة ما تعـــــــده إكراهـاً اقتصاديــــــاً أمريكياً، وأن عــــــــــام 2025 كان أول اختبار حقيقي لهذه الأدوات.
إلى أين تتجه 
حروب التجارة؟
أوضــــــح التقريــــــــر أن الصين وافقت على تعليق قيود المعادن النادرة لمدة عام عقب لقاء ترامب-شي، لكنها لم تُلغِها، ما يجعل استخدامها مستقبلاً احتمالاً قائماً. وأضاف أن هذا الواقع يبعث برســـــــالة إلى العالم، مفادها بأن مواجهة الصين اقتصادياً أصبحت أكثر كلفة، ما حذرت منه يون صن، مديرة برنامـج الصين في مركز ستيمسون، التي رأت أن الدول الأخرى ستفكر ملياً قبل تحدي بكين.
حرب بلا مدافع 
خلص معد التقرير كيتينغ إلى أن عام 2025 كشف حقيقة جديدة في النظام الدولي مفادها أن الحروب الاقتصادية لم تعد أحادية الاتجاه، وأن الصين باتت تمتلك قدرة أعلى على تحمّل التصعيد مقارنة بالولايات المتحدة. وأكد أن الرد الأمريكي بمحاولات تنويع مصادر المعادن النادرة سيستغرق سنوات، وربما أكثر من عقد، بينما ستواصل بكين بدورها تقليص اعتمادها على التكنولوجيا الغربية. وفي المحصلة، يرى التقرير أن أخطر ما أظهره هذا العام ليس اندلاع حرب تجارية، بل أن الصين قد تكون أكثر استعداداً من واشنطن لخوضها حتى النهاية.