في ظِل التراجع الاستراتيجيّ للولايات المتحدة في الشرق الأوسط

علاقات تعاون صينية عربية أعمق مكسب للجانبين

علاقات تعاون صينية عربية أعمق مكسب للجانبين


في ظِل التراجع الاستراتيجيّ للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وانشغال روسيا بالصراع في أوكرانيا، أدت الصين دوراً متنامياً في المنطقة. وبما أن الدول العربية تُعلق أهمية على علاقاتها مع الصين، فمن المُقرر أن تصبح المنطقة منصةً أهم للدبلوماسية الصينية.
وفي هذا الإطار، قال ما شياو لين، البروفيسور في جامعة تشجيانغ الصينية للدراسات الدولية ومدير معهد دراسات حوض البحر الأبيض المتوسط، في صحيفة “تشاينا ديلي” إن للصين مصلحة مباشِرة في السياسات الجغرافية بالشرق الأوسط، حيث توجد غالبية الدول العربية، لأنها تَصِل بين خمسة ممرات مائية بالغة الأهمية، وكانت ساحة معركة للاستراتيجيين العسكريين على مدار التاريخ، وعملت جسراً بين الصين وأوروبا على طريق الحرير القديم.
وبفضل موقعها الجغرافي العظيم، لا بد أن تكون المنطقة العربية منطقة عازلة بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا.

الثالوث العظيم
وأضاف الكاتب “الحضارة العربية في الشرق الأوسط والكونفوشية في الصين، والمسيحية الغربية التي تمثلها أوروبا، والولايات المتحدة تُسمى معاً الثالوث العظيم لحضارات العالم.  وامتزجت هذه الحضارات ببعضها، لكنها أيضاً اصطدمت، خلال التبادلات بينها، بينما تطورت معاً وأثْرَت في بعضها. وفي سياق عملية دامت أكثر من 1000 عام، اعتنقت 10 جماعات عرقية في الصين الإسلام، فأضافت بذلك عنصراً متنوعاً آخرَ للأمة الصينية وحضارتها.
 ويدلل ذلك على أن شعوب الحضارات المختلفة يمكن أن تعيش معاً في سلام ووئام وتحل خلافاتها بالحوار».

دول الشرق الأوسط والصين
وتابع الكاتب “انطلاقاً من أن دول الشرق الأوسط جزء بالغ الأهمية من العالم النامي وحركة عدم الانحيار، فإنها أدّت دوراً  مهما في تطوير المساعي الدبلوماسية للصين وعلاقاتها متعددة الأطراف. وأتاح للصين الجديدة إنهاء المقاطعة الدبلوماسية الغربية والحصار الغربي والعودة إلى الأمم المتحدة وأداء دورها في ساحة السياسة الدولية نوعاً ما بفضل تَفَهم دول الشرق الأوسط ودعمها للصين».
وفي السنوات الأخيرة، “توصلَت الصين والدول العربية إلى العديد من التوافقات حول قضايا مثل حقوق الإنسان، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، وبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب. وعندما يتعلق الأمر بالمصالح الجوهرية للصين، بغض النظر عن الاختلافات بين دول الشرق الأوسط، فإن الجهات الأربع الرئيسية، وهي الدول العربية، وتركيا، وإسرائيل، وإيران، لطالما استوعبت موقف الصين ودعمته، ما يجعل المنطقة قاعدة الصين الأساسية على الساحة الدولية».

وفي ظل الموارد المحدودة والقوى العاملة القاصرة نسبياً والتنمية الاقتصادية غير المتوازنة، فإن المنطقة العربية مُكملَة اقتصاديّاً للصين. والمشاريع الهندسية الأولية للصين في الخارج وتصدير العمالة منذ بداية الإصلاح والانفتاح كلها جعلت المنطقة العربية سوقاً أساسية.  وساعدت هذه التبادلات على زيادة عائدات الصين من النقد الأجنبي، وجعلتها أكثر دراية بالقواعد الدولية وعززت علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأخرى.
وزاد حجم التجارة الإقليمية بين الصين والدول العربية بنحو 80 ضعفاً، من أقل من 3 مليارات دولار في 1990 إلى نحو 300 مليار دولار في 2021، وأصبحت الصين أكبر شريكٍ تجاري للمنطقة.

وسرّعَت مبادرة “الحزام والطريق” الأنشطة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية في الاتجاهين. على سبيل المثال، تساعد الصين التصنيع في مصر، والتنويع الاقتصادي في السعودية، في حين تعمل على تحسين مستوى التنمية الإجمالي في الشرق الأوسط.
ومنذ أن أصبحت الصين مستورداً صافياً للنفط في 1993، تضاعفت وارداتها من الطاقة كل 10 سنوات، و60% منها من الشرق الأوسط.
وفي 2021، بلغ إجمالي واردات الصين من النفط 51.298 مليون طناً مترياً، تُمثل منطقة الشرق الأوسط 51.25% منها، باستثناء إيران، التي كانت تمثل في فترة من الفترات نسبة عالية من واردات الصين من الطاقة، لكنها اضطرت إلى خفض صادرات النفط بشكل كبير بسبب العقوبات الأمريكية.

  حروب المنطقة
في بدايــــة حرب الخليج في 1990، عملـت الصيــــن وســـــــــيطاً لإقناع حكومــــــــــة صدام حســــــين بإنهــــــــاء احتلالها للكويت.
وفي 2002، عينــــــــَت الصين أول مبعوث خاص لها في الشـــــــرق الأوســــــــط للتوســـــــط بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
 وفي 2003 قبل حرب العراق، دعَت إلى حلٍ سلمي، لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين جنحوا رغم ذلك إلى الحلول العسكرية.

وعندما اندلعت الأزمة الليبية في 2011، قَبِلَت الصين قرار جامعة الدول العربية ولم تستخدم حق النقض ضد قرار مجلس الأمن رقم 1973، وطلبت من الحكومة والمعارضة الليبيتين تسوية نزاعاتهما بالحوار.
لكن الصين، إلى جانب روسيا، استخدمت حق النقض في مجلس الأمن في كثير من الأحيان في الأزمة السورية، لإحباط محاولات الغرب الإطاحة بالحكومة السورية الشرعية. وأشادت معظم الدول في الشرق الأوسط، بما فيها الحكومة السورية والمعارضة، بجهود الصين.
 كما أدت الصين دور الوسيط في الصراع بين السودان، وجنوب السودان، وهو أمر لم تفعله القوى الكبرى الأخرى.

الصين
ومكافحة الإرهاب
وأوضح الكاتب أن الصين تعارض التطرف والعنف والإرهاب، ولم تشارك إلا في عمليات مُبررَة لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، ما يعكس احترامها للتعددية الثقافية والقيم التي تتمســــك بها الحضارات الأخرى.
ومع ذلك، يقول الكاتب، لا تزال دبلوماسية الصين في الشرق الأوسط في مهدها. فهي متخلفة إلى حد كبير عن الولايات المتحدة في القوة الشاملة، وروسيا في القدرات الدبلوماسية والعسكرية.
كما أن قوتها الناعمة وموقعها الجغرافي غير قادرين على منافسة القوة الناعمة والموقع الجغرافي للدول الأوروبية، خاصة المملكة المتحدة وفرنسا.