رئيس الدولة يبحث مع وزير الدفاع السعودي علاقات التعاون وتطورات الأوضاع في المنطقة
صاحب كاريزما وقصة نجاح استثنائية
علي بابا: الحلم الأمريكي للملياردير الصيني جاك ما...!
-- عمل مرشدا سياحيا من أجل تعلم اللغة الإنجليزية خارج المناهج المدرسية
-- ساعدته عائلة مورلي الأسترالية في تأمين نفقاته، وبالتالي تأكيد ذاته
-- في بداية شركة علي بابا، احتشد حوالي عشرين موظفًا في شقته في هانغتشو
-- سمحت له اللغة الإنجليزية بفهم العالم بشكل أفضل، وقياس المسافة الموجودة بين الصين والدول الغربية
-- جاك ما، تجسيد لصين غازية، منفتحة على العالم، بلد يصنع ثروة، ويعيد ترجمة الحلم الأمريكي
تحت أنظار بكين ومفقود منذ أكثر من شهرين، يعتبر مؤسس علي بابا، عملاق التجارة الإلكترونية، 56 عامًا، مفتونا بالولايات المتحدة. قصة صعود جديرة بفلم روائي: في هذا المكان بدأ كل شيء، في قلب شتاء 1999. في شقة لا سحر لها، وظيفية وباردة، بالمعنى الحرفي والمجازي. لا علاقة بدرجات الحرارة المعتدلة لشمس كاليفورنيا التي ولدت تحتها غوغل، في مرآب في مينلو بارك، قبل عام. أن روح الشركة الناشئة “ستارت أب”، هو الذي كان يحفّز جاك ما عندما اختار هذه الإقامة الحديثة في هانغتشو، مسقط رأسه التي تبعد 200 كلم عن شنغاي (الصين) لإطلاق منصته التجارية الالكترونية علي بابا.
وبدعم من زوجته، تشانغ يانغ، وضع كل مدخراته في شقة من ست غرف ذات أثاث متواضع، تحتضن في الوقت نفسه المكاتب وسرير الزوجين. مع موظفيه الأوائل، وعددهم 18، تكدّسوا في هذا الفضاء الذي زادت إعاقته أجهزة الكمبيوتر المهيبة في ذلك الوقت، سيعملون من ثلاث عشرة إلى خمس عشرة ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، وسيعيشون في مجتمع تغذيه طموحات رجل الأعمال هذا البالغ من العمر 34 عامًا، رجل أعمال يتطلع إلى ما هو أبعد من السوق المحلية الصينية، التي نمت من 300 مليون إلى 1.4 مليار مستهلك في عقدين من الزمن.
مخاطبا المتعاونين معه، الذين وعدهم بالتنافس مع وادي السيليكون، لا يحتاج إلى ديكور براق لجذب الأضواء... نحيفًا وقصيرا، وهزيلا تقريبًا، يتمتع جاك ما بكاريزما لا تدين بشيء لجسمه، وبكل شيء لشخصيته.
تجلى هذا في فترة المراهقة عندما قرر، انسجاما مع انفتاح الصين على الرأسمالية، احتضان العالم. بلغ من العمر 14 عامًا، رأى السياح يتدفقون إلى مدينته: بلغ عددهم 728 عام 1978، وأكثر من 40 ألفًا العام التالي. وكل صباح، يركب ابن عاملة ومصور دراجته الهوائية للوصول، في أربعين دقيقة، إلى مكتب الاستقبال في فندق هانغتشو، حيث يقترح جولة في مدينته. لم يكن ذلك يعني أنه يريد كسب المال، بل كان مفتونًا بالولايات المتحدة، ويسعى إلى تعلّم اللغة الإنجليزية خارج الكتب المدرسية.
طيلة تسع سنوات، مطر أو ثلج، تعرّف على لغة شكسبير. ضاق ذرعا بفنون الدفاع عن النفس ومغامرات توم سوير، الذي يستمع إلى محنه على الراديو، يفضل جاك ما الهروب والسفر والعلاقات الاجتماعية على قساوة دروس الفصول الدراسية وصلابتها.
اللغة الإنجليزية هي “افتح يا سمسم” بالنسبة له، ونافذته المفتوحة على مكان آخر خيالي. “هذه اللغة جلبت لي الكثير، كما يؤكد لدونكان كلارك، أحد كتاب سيرته الذاتية “علي بابا، البيت الذي بناه جاك ما”، لقد سمحت لي بفهم العالم بشكل أفضل، ومقابلة أفضل الرؤساء المديرين العامين والقادة الأجانب، وقياس المسافة الموجودة بين الصين والدول الغربية».
رحلته إلى أستراليا، اكتشاف
كان صغيرا، وكانت إحدى تلك اللقاءات التي أعطت حياته فجأة علوا ووسّعت أفقه. عام 1980، أصبح صديقًا لعائلة مورلي، وهما زوجان أستراليان متقاعدان، يقضيان عطلة في هانغتشو مع أطفالهما الثلاثة. بدأ جاك تبادل المراسلات مع ديفيد، الذي يبلغ من العمر 15 عامًا مثله، ثم مع والده، كين، الذي أخذه تحت جناحه. “إنه يدعوه بابي، يتذكر ديفيد، ويحرص في رسائله على ترك مسافة مزدوجة بين جمله، ويطلب منه تصحيح أخطائه. «
دعته عائلة مورلي إلى أستراليا، إلى منزلها في نيو لامبتون، عام 1985. كانت هذه هي المرة الأولى التي يغامر فيها جاك خارج حدوده. صفعة! “كل ما تعلمته في الصين هو أننا كنا أغنى دولة في العالم... لكن عندما وصلت إلى أستراليا، أدركت أن الأمور مختلفة، وقلت لنفسي أنه يجب أن يكون لدي رأيي الخاص. في وقت لاحق، عندما كان جاك يجد صعوبة في تغطية نفقاته، قرر كين مورلي مساعدته في تمويل دراسته: يكتب له شيكًا كل ستة أشهر. وعندما تزوج جاك، منح الزوجين 22 ألف دولار أسترالي لشراء شقتهما الأولى.
وجد جاك ما لنفسه مرشدًا ومُحسِّنًا، دون أن يحدد وجهتها بعد. نظام التعليم الصيني، لا يرى فيه سوى حثالة المجتمع: إنه لا يناسب القالب. طالب متوسط المستوى في الرياضيات، ورسب مرتين في امتحان دخول الكلية، ما يعادل البكالوريا. فقد تحصل على درجة 1/120 في محاولته الأولى، وبالكاد تمكن من تصويبها في الثانية، وانتزع 19/120 الذي أغلق أبواب أفضل الجامعات أمامه بشكل نهائي. فقط جامعة هانغتشو للمعلمين، التي تعتبر الأسوأ على الإطلاق، قبلته في النهاية. في التاسعة عشرة من عمره، ورغم انتخابه مندوبا للقسم، فقد وُعد بمستقبل قاتم. هز كتفيه وأخذ المسالة بابتسامة... انه يتمتع بثقة كين مورلي، وسيجعل نجمه يسطع ليس فقط في سماء الصين.
معجب بـ «فورست غامب»
جاك ما هو زعيم وليس منظرا أو مهندسا، وبالتأكيد ليس ذاك الموظف الثانوي الذي يدينه المجتمع مسبقا. بينما كان يحاول عبثًا دخول هارفارد -عشر مرات! - التفت إلى الشركات في بلده الأصلي. أودع سيرته الذاتية في حوالي ثلاثين شركة، وكلها رفضته بشكل مهذب. “طلبت العمل في الشرطة، قيل لي: أنت لست جيدًا بما فيه الكفاية، يتذكر جاك ما في الأسبوعية الأمريكية بلومبيرغ بيزنس ويك، عام 2015. لقد قدمت نفسي إلى كنتاكي فرايد تشيكن عندما افتتح هذه الوجبات السريعة في مدينتي. كان هناك 24 مرشحًا، نجح 23 منهم... أنا الوحيد الذي لم يأخذوه”. لا بأس، بما أنه لا أحد يريد توظيفه، فسيحقق ذاته بنفسه.
نحن في عام 1994، والشاب الطموح، الذي على وشك الاحتفال بعيد ميلاده الثلاثين، قد استوعب بشكل جيد خطاب الزعيم دنغ شياو بينغ، الذي ألقاه قبل عامين خلال جولته التفقدية في جنوب الصين. حريصًا على القضاء على الفقر، اشار الأمين العام للحزب الشيوعي حينها لمواطنيه بان: “تحقيق الثراء أمر مجيد».
جعل جاك ما من هذا واحدا من شعاراته، خاصة أنه في الوقت نفسه ، يكتشف فورست غامب، ويرى نفسه في الشخصية الرئيسية للفيلم، وهو شخص بسيط التفكير وحياته خيالية. ومثله، يكافح جاك ليجد مكانه في المجتمع، لكنه، مثله أيضًا، يثق في قدراته، ويؤمن بسحر اللقاءات... وخاصة، لا يستسلم أبدًا.
أصبح مدرسًا للغة الإنجليزية، يعشقه طلابه الذين أحبوا دروسه غير الأكاديمية، وأسس جاك ما أول مؤسساته في ذلك العام. جمع مدرسين متقاعدين وطلاب شباب، وشرع في الترجمة. هدفه: مساعدة الشركات الصينية في العثور على زبائن في الخارج، إلا أن الرأسمالية في الصين لا تزال في مهدها، وأعمالها لا تنطلق.
لتغطية نفقاته، يوسع نطاق أعماله، ويبيع الزهور والكتب وحتى السجاد البلاستيكي في مزادات. استنجدت به حكومة مقاطعة تونجلو لحل نزاع مع شركة أمريكية لم تحترم التزاماتها حيث تعهدت ببناء طريق سريعة جديدة من هانغتشو إلى تونجلو. يسافر جاك إلى كاليفورنيا، حيث سيبقى شهرا. ولكن، على عين المكان، لم تسر الأمور كما تم التخطيط لها. في غرفة فندق في لاس فيجاس، اكتشف أنه تم خداع سلطات تونغلو، الشركة التي وقعوا معها العقد لا وجود لها.
إذا كان الحظ يبتسم للجريئين، فإن جاك ما يعرف كيف يخلقه. مستفيدًا من رحلته الأمريكية، قام بزيارة الى سياتل، حيث اكتشف الإنترنت. في ذلك الوقت، لم تكن الشبكة العالمية التي نعرفها اليوم: غير رسمية، لا تزال تستخدم من قبل الحكومات وعدد قليل من رجال الأعمال فقط. في الصين، غائبة تماما... الا ان عيون جاك تلمع عندما تضيء الشاشة الزرقاء أمامه. “يمكنك أن تعثر عن كل ما تريد هناك”، هذا ما قاله صديق مطوّر قدم له شرحًا، “هل حقا؟” تساءل جاك مستغربا.
كتب كلمة “بيرة”، اظهرت النتائج المعروضة بيرة أمريكية أو ألمانية ... لكن لم تظهر بيرة صينية. لدغ، فكتب “الصين” في محرك البحث. ردت الآلة: “لا شيء بخصوص الصين”. لذلك، مع هذا الصديق، شرع في إنشاء صفحة إخبارية، بدون صور، تتضمن فقط تفاصيل الاتصال بوكالته للترجمة وأسعار خدماته. بعد ثلاث ساعات، تلقى خمسة رسائل بريد إلكتروني لطلبات من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان. وعلى متن الطائرة عائداً إلى هانغتشو، عاد جاك ما بأجهزة كمبيوتر حديثة وتصوّر: بشراكة مع صديقه من سياتل، يريد إنشاء “صفحات صفراء” صينية.
مستعدا لتعليم الحشود، تحوّل إلى معلم ويب. “الإنترنت ستحدث ثورة في كل جانب من جوانب حياتنا”، كان يقول للجميع، مما أثار الشكوك وسوء الفهم. ربط القول بالفعل، وفي أبريل 1995، بعد التخلي عن تدريس اللغة الإنجليزية والعمل كمترجم، أسس واحدة من أولى شركات 2.0 في بلده: صفحات الصين... لقد كان رائيا ... ولكن سابق لأوانه.
كلفة أجهزة الكمبيوتر حينها تساوي ثروة؛ ليس كل أصحاب الاعمال مجهزين بجهاز كمبيوتر، وأثبتت حزم الاتصالات السلكية واللاسلكية أنها رادعة بنفس القدر، وخصوصا، إن نشر شبكة الإنترنت في الصين متأخر. في نهاية العام، تم ربط 204 أسرة فقط في مقاطعة هانغتشو. قد يكون جاك متحدث جيد، غير ان ذلك لم يمكّنه من إقناع زبائنه بالاستثمار في بناء موقع ويب ... لا يمكنهم الوصول إليه. في نوفمبر 1997، بعد أن أبرم تحالفًا مع شركة اتصالات محلية، كان عليه أن يقرر، حزينا، التنازل لها عن أسهمه.
تذكير من قبل السلطات
العودة إلى المربع الأول. ومن أجل استيعاب فشله وإعادة بناء عافيته المالية، انتقل جاك ما إلى بكين، حيث انضم إلى وزارة التجارة الخارجية لتطوير التبادلات عبر الإنترنت. لكن الشاب يشعر بالملل ويكافح من أجل البقاء في منظمة هرمية للغاية بالنسبة لذوقه. إنه يشعر بالغبن خاصة: ثورة الإنترنت تتقدم وتحدث بدونه.
في الصين، اسم آخر يثير الفضول والإعجاب. جيري يانغ، أمريكي من أصل تايواني، يثير فزع بورصة وول ستريت. تضخمت أسهم شركة ياهو، الشركة الناشئة التي شارك في تأسيسها عام 1995، بنسبة 80 بالمائة في غضون أسابيع. أصبح مليارديرا وهو لم يبلغ 30 عامًا. فهم جاك أن الساعة تدور... “كل شيء كان يتغير بسرعة كبيرة”، يعترف، لقد فهمت أنني إذا بقيت في بكين، في الوظيفة العمومية، فلن أتمكن من تحقيق أحلامي والقيام بأشياء عظيمة. « عندها تذكره الحظ... في رحلة عمل إلى بكين، استنجد جيري يانغ بمهاراته كمرشد سياحي لزيارة المدينة. أخذه جاك ما إلى سور الصين العظيم، ودردش معه حول الإنترنت. يتحدث الرجلان نفس اللغة، وتم إغواء جيري يانغ. اختاره كوكيل مبيعات حصري لشركة ياهو في الصين! استقال جاك من منصبه كموظف كبير، وانتقل إلى هانغتشو.
بالتوازي، وبدعم مالي من “ياهو”، ينطلق في مشروع التجارة الإلكترونية الجديد الذي يهدف إلى تعزيز صادرات الشركات الصينية. ولدت علي بابا في 21 فبراير 1999. ومن ثمّ تكمن أصالتها في استهداف الشركات الصغرى والمتوسطة أكثر من الشركات الكبرى: “85 بالمائة من الأسماك في البحر هي بحجم الروبيان، يوضح جاك، في إشارة مرة أخرى إلى فورست غامب، لا أعرف أي شخص يكسب المال من صيد حيتان البالان، لكنني رأيت الكثيرين يبنون ثرواتهم على الروبيان. «
حنّكته سنوات الإخفاقات والمعارك، يرى جاك ما أخيرًا أن الكواكب تصطف في سمائه. ولئن عرفت علي بابا بداية فوضوية، فإن منصة التجارة الإلكترونية، التي سرعان ما كانت متاحة للخواص، انطلقت بعد انفجار فقاعة المضاربة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. واليوم، تستحوذ على 80 بالمائة من المبيعات في البلاد، ويستمر مؤسسها في دفع حدود إمبراطوريته العالمية: أصبحت علي بابا المدرجة في وول ستريت منذ عام 2014، مزيجًا من أمازون وفيسبوك وبايبال. إن جاك ما، تجسيد لصين غازية، منفتحة على العالم، بلد يصنع ثروة، ويعيد ترجمة الحلم الأمريكي. لكنها تبقى تحت سيطرة الحزب الشيوعي الحاكم بقبضة حديدية.
قاعدة مقدّسة ذكّرته بها السلطات بشدة في ديسمبر الماضي: بعد رفض إدراج الشركة المالية التابعة لعلي بابا، فتحت تحقيقًا في “ممارسات احتكارية مزعومة”. و”نصحوا” جاك ما الذي اختفى شهرين بعدم مغادرة البلاد. صار من بين المغضوب عليهم، فهل سيتمكن الرجل الذي أصبح أعظم ثروة صينية من النهوض مرة أخرى؟ في كل الاحوال، لم يكن لمقولته البليغة صدى قويا مثل صداها اليوم: “كن آخر رجل واقف”، كان دائما يقول.
-- ساعدته عائلة مورلي الأسترالية في تأمين نفقاته، وبالتالي تأكيد ذاته
-- في بداية شركة علي بابا، احتشد حوالي عشرين موظفًا في شقته في هانغتشو
-- سمحت له اللغة الإنجليزية بفهم العالم بشكل أفضل، وقياس المسافة الموجودة بين الصين والدول الغربية
-- جاك ما، تجسيد لصين غازية، منفتحة على العالم، بلد يصنع ثروة، ويعيد ترجمة الحلم الأمريكي
تحت أنظار بكين ومفقود منذ أكثر من شهرين، يعتبر مؤسس علي بابا، عملاق التجارة الإلكترونية، 56 عامًا، مفتونا بالولايات المتحدة. قصة صعود جديرة بفلم روائي: في هذا المكان بدأ كل شيء، في قلب شتاء 1999. في شقة لا سحر لها، وظيفية وباردة، بالمعنى الحرفي والمجازي. لا علاقة بدرجات الحرارة المعتدلة لشمس كاليفورنيا التي ولدت تحتها غوغل، في مرآب في مينلو بارك، قبل عام. أن روح الشركة الناشئة “ستارت أب”، هو الذي كان يحفّز جاك ما عندما اختار هذه الإقامة الحديثة في هانغتشو، مسقط رأسه التي تبعد 200 كلم عن شنغاي (الصين) لإطلاق منصته التجارية الالكترونية علي بابا.
وبدعم من زوجته، تشانغ يانغ، وضع كل مدخراته في شقة من ست غرف ذات أثاث متواضع، تحتضن في الوقت نفسه المكاتب وسرير الزوجين. مع موظفيه الأوائل، وعددهم 18، تكدّسوا في هذا الفضاء الذي زادت إعاقته أجهزة الكمبيوتر المهيبة في ذلك الوقت، سيعملون من ثلاث عشرة إلى خمس عشرة ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، وسيعيشون في مجتمع تغذيه طموحات رجل الأعمال هذا البالغ من العمر 34 عامًا، رجل أعمال يتطلع إلى ما هو أبعد من السوق المحلية الصينية، التي نمت من 300 مليون إلى 1.4 مليار مستهلك في عقدين من الزمن.
مخاطبا المتعاونين معه، الذين وعدهم بالتنافس مع وادي السيليكون، لا يحتاج إلى ديكور براق لجذب الأضواء... نحيفًا وقصيرا، وهزيلا تقريبًا، يتمتع جاك ما بكاريزما لا تدين بشيء لجسمه، وبكل شيء لشخصيته.
تجلى هذا في فترة المراهقة عندما قرر، انسجاما مع انفتاح الصين على الرأسمالية، احتضان العالم. بلغ من العمر 14 عامًا، رأى السياح يتدفقون إلى مدينته: بلغ عددهم 728 عام 1978، وأكثر من 40 ألفًا العام التالي. وكل صباح، يركب ابن عاملة ومصور دراجته الهوائية للوصول، في أربعين دقيقة، إلى مكتب الاستقبال في فندق هانغتشو، حيث يقترح جولة في مدينته. لم يكن ذلك يعني أنه يريد كسب المال، بل كان مفتونًا بالولايات المتحدة، ويسعى إلى تعلّم اللغة الإنجليزية خارج الكتب المدرسية.
طيلة تسع سنوات، مطر أو ثلج، تعرّف على لغة شكسبير. ضاق ذرعا بفنون الدفاع عن النفس ومغامرات توم سوير، الذي يستمع إلى محنه على الراديو، يفضل جاك ما الهروب والسفر والعلاقات الاجتماعية على قساوة دروس الفصول الدراسية وصلابتها.
اللغة الإنجليزية هي “افتح يا سمسم” بالنسبة له، ونافذته المفتوحة على مكان آخر خيالي. “هذه اللغة جلبت لي الكثير، كما يؤكد لدونكان كلارك، أحد كتاب سيرته الذاتية “علي بابا، البيت الذي بناه جاك ما”، لقد سمحت لي بفهم العالم بشكل أفضل، ومقابلة أفضل الرؤساء المديرين العامين والقادة الأجانب، وقياس المسافة الموجودة بين الصين والدول الغربية».
رحلته إلى أستراليا، اكتشاف
كان صغيرا، وكانت إحدى تلك اللقاءات التي أعطت حياته فجأة علوا ووسّعت أفقه. عام 1980، أصبح صديقًا لعائلة مورلي، وهما زوجان أستراليان متقاعدان، يقضيان عطلة في هانغتشو مع أطفالهما الثلاثة. بدأ جاك تبادل المراسلات مع ديفيد، الذي يبلغ من العمر 15 عامًا مثله، ثم مع والده، كين، الذي أخذه تحت جناحه. “إنه يدعوه بابي، يتذكر ديفيد، ويحرص في رسائله على ترك مسافة مزدوجة بين جمله، ويطلب منه تصحيح أخطائه. «
دعته عائلة مورلي إلى أستراليا، إلى منزلها في نيو لامبتون، عام 1985. كانت هذه هي المرة الأولى التي يغامر فيها جاك خارج حدوده. صفعة! “كل ما تعلمته في الصين هو أننا كنا أغنى دولة في العالم... لكن عندما وصلت إلى أستراليا، أدركت أن الأمور مختلفة، وقلت لنفسي أنه يجب أن يكون لدي رأيي الخاص. في وقت لاحق، عندما كان جاك يجد صعوبة في تغطية نفقاته، قرر كين مورلي مساعدته في تمويل دراسته: يكتب له شيكًا كل ستة أشهر. وعندما تزوج جاك، منح الزوجين 22 ألف دولار أسترالي لشراء شقتهما الأولى.
وجد جاك ما لنفسه مرشدًا ومُحسِّنًا، دون أن يحدد وجهتها بعد. نظام التعليم الصيني، لا يرى فيه سوى حثالة المجتمع: إنه لا يناسب القالب. طالب متوسط المستوى في الرياضيات، ورسب مرتين في امتحان دخول الكلية، ما يعادل البكالوريا. فقد تحصل على درجة 1/120 في محاولته الأولى، وبالكاد تمكن من تصويبها في الثانية، وانتزع 19/120 الذي أغلق أبواب أفضل الجامعات أمامه بشكل نهائي. فقط جامعة هانغتشو للمعلمين، التي تعتبر الأسوأ على الإطلاق، قبلته في النهاية. في التاسعة عشرة من عمره، ورغم انتخابه مندوبا للقسم، فقد وُعد بمستقبل قاتم. هز كتفيه وأخذ المسالة بابتسامة... انه يتمتع بثقة كين مورلي، وسيجعل نجمه يسطع ليس فقط في سماء الصين.
معجب بـ «فورست غامب»
جاك ما هو زعيم وليس منظرا أو مهندسا، وبالتأكيد ليس ذاك الموظف الثانوي الذي يدينه المجتمع مسبقا. بينما كان يحاول عبثًا دخول هارفارد -عشر مرات! - التفت إلى الشركات في بلده الأصلي. أودع سيرته الذاتية في حوالي ثلاثين شركة، وكلها رفضته بشكل مهذب. “طلبت العمل في الشرطة، قيل لي: أنت لست جيدًا بما فيه الكفاية، يتذكر جاك ما في الأسبوعية الأمريكية بلومبيرغ بيزنس ويك، عام 2015. لقد قدمت نفسي إلى كنتاكي فرايد تشيكن عندما افتتح هذه الوجبات السريعة في مدينتي. كان هناك 24 مرشحًا، نجح 23 منهم... أنا الوحيد الذي لم يأخذوه”. لا بأس، بما أنه لا أحد يريد توظيفه، فسيحقق ذاته بنفسه.
نحن في عام 1994، والشاب الطموح، الذي على وشك الاحتفال بعيد ميلاده الثلاثين، قد استوعب بشكل جيد خطاب الزعيم دنغ شياو بينغ، الذي ألقاه قبل عامين خلال جولته التفقدية في جنوب الصين. حريصًا على القضاء على الفقر، اشار الأمين العام للحزب الشيوعي حينها لمواطنيه بان: “تحقيق الثراء أمر مجيد».
جعل جاك ما من هذا واحدا من شعاراته، خاصة أنه في الوقت نفسه ، يكتشف فورست غامب، ويرى نفسه في الشخصية الرئيسية للفيلم، وهو شخص بسيط التفكير وحياته خيالية. ومثله، يكافح جاك ليجد مكانه في المجتمع، لكنه، مثله أيضًا، يثق في قدراته، ويؤمن بسحر اللقاءات... وخاصة، لا يستسلم أبدًا.
أصبح مدرسًا للغة الإنجليزية، يعشقه طلابه الذين أحبوا دروسه غير الأكاديمية، وأسس جاك ما أول مؤسساته في ذلك العام. جمع مدرسين متقاعدين وطلاب شباب، وشرع في الترجمة. هدفه: مساعدة الشركات الصينية في العثور على زبائن في الخارج، إلا أن الرأسمالية في الصين لا تزال في مهدها، وأعمالها لا تنطلق.
لتغطية نفقاته، يوسع نطاق أعماله، ويبيع الزهور والكتب وحتى السجاد البلاستيكي في مزادات. استنجدت به حكومة مقاطعة تونجلو لحل نزاع مع شركة أمريكية لم تحترم التزاماتها حيث تعهدت ببناء طريق سريعة جديدة من هانغتشو إلى تونجلو. يسافر جاك إلى كاليفورنيا، حيث سيبقى شهرا. ولكن، على عين المكان، لم تسر الأمور كما تم التخطيط لها. في غرفة فندق في لاس فيجاس، اكتشف أنه تم خداع سلطات تونغلو، الشركة التي وقعوا معها العقد لا وجود لها.
إذا كان الحظ يبتسم للجريئين، فإن جاك ما يعرف كيف يخلقه. مستفيدًا من رحلته الأمريكية، قام بزيارة الى سياتل، حيث اكتشف الإنترنت. في ذلك الوقت، لم تكن الشبكة العالمية التي نعرفها اليوم: غير رسمية، لا تزال تستخدم من قبل الحكومات وعدد قليل من رجال الأعمال فقط. في الصين، غائبة تماما... الا ان عيون جاك تلمع عندما تضيء الشاشة الزرقاء أمامه. “يمكنك أن تعثر عن كل ما تريد هناك”، هذا ما قاله صديق مطوّر قدم له شرحًا، “هل حقا؟” تساءل جاك مستغربا.
كتب كلمة “بيرة”، اظهرت النتائج المعروضة بيرة أمريكية أو ألمانية ... لكن لم تظهر بيرة صينية. لدغ، فكتب “الصين” في محرك البحث. ردت الآلة: “لا شيء بخصوص الصين”. لذلك، مع هذا الصديق، شرع في إنشاء صفحة إخبارية، بدون صور، تتضمن فقط تفاصيل الاتصال بوكالته للترجمة وأسعار خدماته. بعد ثلاث ساعات، تلقى خمسة رسائل بريد إلكتروني لطلبات من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان. وعلى متن الطائرة عائداً إلى هانغتشو، عاد جاك ما بأجهزة كمبيوتر حديثة وتصوّر: بشراكة مع صديقه من سياتل، يريد إنشاء “صفحات صفراء” صينية.
مستعدا لتعليم الحشود، تحوّل إلى معلم ويب. “الإنترنت ستحدث ثورة في كل جانب من جوانب حياتنا”، كان يقول للجميع، مما أثار الشكوك وسوء الفهم. ربط القول بالفعل، وفي أبريل 1995، بعد التخلي عن تدريس اللغة الإنجليزية والعمل كمترجم، أسس واحدة من أولى شركات 2.0 في بلده: صفحات الصين... لقد كان رائيا ... ولكن سابق لأوانه.
كلفة أجهزة الكمبيوتر حينها تساوي ثروة؛ ليس كل أصحاب الاعمال مجهزين بجهاز كمبيوتر، وأثبتت حزم الاتصالات السلكية واللاسلكية أنها رادعة بنفس القدر، وخصوصا، إن نشر شبكة الإنترنت في الصين متأخر. في نهاية العام، تم ربط 204 أسرة فقط في مقاطعة هانغتشو. قد يكون جاك متحدث جيد، غير ان ذلك لم يمكّنه من إقناع زبائنه بالاستثمار في بناء موقع ويب ... لا يمكنهم الوصول إليه. في نوفمبر 1997، بعد أن أبرم تحالفًا مع شركة اتصالات محلية، كان عليه أن يقرر، حزينا، التنازل لها عن أسهمه.
تذكير من قبل السلطات
العودة إلى المربع الأول. ومن أجل استيعاب فشله وإعادة بناء عافيته المالية، انتقل جاك ما إلى بكين، حيث انضم إلى وزارة التجارة الخارجية لتطوير التبادلات عبر الإنترنت. لكن الشاب يشعر بالملل ويكافح من أجل البقاء في منظمة هرمية للغاية بالنسبة لذوقه. إنه يشعر بالغبن خاصة: ثورة الإنترنت تتقدم وتحدث بدونه.
في الصين، اسم آخر يثير الفضول والإعجاب. جيري يانغ، أمريكي من أصل تايواني، يثير فزع بورصة وول ستريت. تضخمت أسهم شركة ياهو، الشركة الناشئة التي شارك في تأسيسها عام 1995، بنسبة 80 بالمائة في غضون أسابيع. أصبح مليارديرا وهو لم يبلغ 30 عامًا. فهم جاك أن الساعة تدور... “كل شيء كان يتغير بسرعة كبيرة”، يعترف، لقد فهمت أنني إذا بقيت في بكين، في الوظيفة العمومية، فلن أتمكن من تحقيق أحلامي والقيام بأشياء عظيمة. « عندها تذكره الحظ... في رحلة عمل إلى بكين، استنجد جيري يانغ بمهاراته كمرشد سياحي لزيارة المدينة. أخذه جاك ما إلى سور الصين العظيم، ودردش معه حول الإنترنت. يتحدث الرجلان نفس اللغة، وتم إغواء جيري يانغ. اختاره كوكيل مبيعات حصري لشركة ياهو في الصين! استقال جاك من منصبه كموظف كبير، وانتقل إلى هانغتشو.
بالتوازي، وبدعم مالي من “ياهو”، ينطلق في مشروع التجارة الإلكترونية الجديد الذي يهدف إلى تعزيز صادرات الشركات الصينية. ولدت علي بابا في 21 فبراير 1999. ومن ثمّ تكمن أصالتها في استهداف الشركات الصغرى والمتوسطة أكثر من الشركات الكبرى: “85 بالمائة من الأسماك في البحر هي بحجم الروبيان، يوضح جاك، في إشارة مرة أخرى إلى فورست غامب، لا أعرف أي شخص يكسب المال من صيد حيتان البالان، لكنني رأيت الكثيرين يبنون ثرواتهم على الروبيان. «
حنّكته سنوات الإخفاقات والمعارك، يرى جاك ما أخيرًا أن الكواكب تصطف في سمائه. ولئن عرفت علي بابا بداية فوضوية، فإن منصة التجارة الإلكترونية، التي سرعان ما كانت متاحة للخواص، انطلقت بعد انفجار فقاعة المضاربة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. واليوم، تستحوذ على 80 بالمائة من المبيعات في البلاد، ويستمر مؤسسها في دفع حدود إمبراطوريته العالمية: أصبحت علي بابا المدرجة في وول ستريت منذ عام 2014، مزيجًا من أمازون وفيسبوك وبايبال. إن جاك ما، تجسيد لصين غازية، منفتحة على العالم، بلد يصنع ثروة، ويعيد ترجمة الحلم الأمريكي. لكنها تبقى تحت سيطرة الحزب الشيوعي الحاكم بقبضة حديدية.
قاعدة مقدّسة ذكّرته بها السلطات بشدة في ديسمبر الماضي: بعد رفض إدراج الشركة المالية التابعة لعلي بابا، فتحت تحقيقًا في “ممارسات احتكارية مزعومة”. و”نصحوا” جاك ما الذي اختفى شهرين بعدم مغادرة البلاد. صار من بين المغضوب عليهم، فهل سيتمكن الرجل الذي أصبح أعظم ثروة صينية من النهوض مرة أخرى؟ في كل الاحوال، لم يكن لمقولته البليغة صدى قويا مثل صداها اليوم: “كن آخر رجل واقف”، كان دائما يقول.