ببطء ولكن على الأرجح:

فرنسا: لوبان وميلينشون يتجهان إلى رئاسية 2027

فرنسا: لوبان وميلينشون يتجهان إلى رئاسية 2027

 - باتباع استراتيجيتين مختلفتين، يبدو أن لوبان وميلينشون يتجهان نحو هدف متطابق
- أصبح ميلينشون أكثر الدعائيين إقناعًا وقناعة، على الأقل ظاهريًا، بوحدة اليسار
- كل على طريقته الخاصة، يريد هذان الزعيمان ضرب الحديد وهو ساخن
- سيتعين على حزب الجمهوريين والحزب الاشتراكي النهوض بسرعة قبل الغروب النهائي
- اختارت رئيسة التجمع الوطني تلميع صورتها، راغبة في أن تكون معارضة «بناءة»


 بعد ثلاث محاولات فاشلة في الانتخابات الرئاسية، يستعد ملهم جماعة “فرنسا المتمردة” وزعيمة اليمين المتطرف لترشح رابع.   إن خلافة جان لوك ميلينشون كزعيم لـ “حركة فرنسا المتمردة” ليست مفتوحة، وليست على وشك ان تفتح. واستبدال مارين لوبان كرئيسة صورية للتجمع الوطني ليس على جدول الاعمال أيضًا، وليس على وشك أن يكون. بطريقة خادعة وعابرة، ربما أدت نتيجة الانتخابات الرئاسية إلى الاعتقاد بأنهما انسحبا من الساحة، لكن نتيجة الانتخابات التشريعية التي أعقبت ذلك أعادتهما إلى اللعبة.

    إن زعيم اليسار الراديكالي وزعيمة اليمين المتطرف راسخان بقوة في موقعهما، حتى لو لم يترأسا حزبيهما، رسميًا لأحدهما، وإداريًا للطرف الآخر. لقد خاض الاثنان الرئاسية ثلاث مرات “2012، 2017، 2022” وربما يفكر كل منهما في الشيء نفسه  “دون التعبير عن ذلك حتى الآن” عام 2027: خوض السباق مرة أخرى إذا لم يخالفهما القدر.

  في أبريل 2027، سيبلغ ميلينشون 75 عامًا ولوبان 57 عامًا. وسيكون أبريل 2027 شهر جولتين من الانتخابات الرئاسية المقبلة. في 30 أكتوبر، إذا تم انتخابه رئيسًا للبرازيل، فسيكون لويس إيناسيو لولا دا سيلفا المعروف باسم لولا، النموذج الأيقوني لـ “رئيس” المتمردين الفرنسيين، قد بلغ السابعة والسبعين قبل ثلاثة أيام. وفي ديسمبر 1965، كان الجنرال ديغول يبلغ من العمر 75 عامًا عندما أعيد انتخابه رئيسًا للجمهورية. وهذه هي المراجع التي تتحدث إلى جان لوك ميلينشون.

«دوري جوهري للحركة»
   عندما تم انتخابه عام 2017، كان إيمانويل ماكرون يبلغ من العمر 39 عامًا. وعندما أعيد انتخابه في أبريل الماضي، كان يبلغ من العمر 44 عامًا. في أبريل 2027، لن يكون قد بلغ الخمسين من عمره بعد، لكنه لن يكون قادرًا على الانخراط في سباق الاليزيه الثالث بعد توليه الرئاسة لفترتين متتاليتين، على النحو المنصوص عليه في المادة 6 من الدستور الفرنسي. إن هذه الصورة السياسية القادمة هي التي تشجع لوبان وميلينشون، وكلاهما من أتباع الحملات الطويلة للغاية، على وضع استراتيجيتهما الرئاسية، اعتبارًا من الآن.
   تعرضت زعيمة الجبهة الوطنية -التي تركت رئاسة الحزب اليميني المتطرف إلى جوردان بارديلا -للهزيمة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأخيرة مرتين على يد مؤسس حزب “الجمهورية الى الأمام” الذي أصبح حزب النهضة.

   عام 2017، حصلت على 33 فاصل 90 بالمائة من الأصوات، وعام 2022 حسّنت نتيجتها بشكل ملحوظ بنسبة 41 فاصل 45 بالمائة من الأصوات. وعام 2012، بالنسبة لمشاركتها الأولى، لم تتجاوز الجولة الأولى، وفشلت في المركز الثالث بنسبة 17 فاصل 90 بالمائة من الأصوات -متقدمة على ميلينشون الذي احتل المركز الرابع بنسبة 11 فاصل 10 بالمائة.
   مصدر إلهام جماعة فرنسا المتمردة -”دوري محوري للحركة”، قال ميلينشون بعد الفشل في الانتخابات الأوروبية لعام 2019 (6 فاصل 3 بالمائة من الأصوات) في مسعى للقضاء على أي تلميح لاحتجاج الداخلي -ما انفك يتقدم في الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية منذ أول مشاركة له عام 2012 تحت يافطة حزب اليسار، وبعد خمس سنوات، ممثلاً لـ حركة فرنسا المتمردة، وظل رابعًا دائما، لكنه قريب جدًا من المركز الثالث، فرانسوا فيون، بنسبة 19 فاصل 58 بالمائة من الأصوات المدلى بها. وعام 2022، أنهى منصة التتويج خلف مارين لوبان مستفيدا من 21 فاصل 95 بالمائة من الأصوات.

لا ترشح “إلا في صورة حدث استثنائي»
    لذلك، يمكن أن يعتبر هي وهو، في ضوء تطور الأرقام، أنهما في ديناميكية يمكن أن تصبح مفيدة لهما في النهاية. الأولى، لأنها كانت حاضرة مرتين في الجولة الثانية من جولة الإعادة الرئاسية، والاخر، لأنه اقترب منها بلا شك خلال الاقتراعين الأخيرين. وفي المرة القادمة، لم يعد في طريقهما الشخص الذي تفوق عليهما دائمًا في سباق الإليزيه.
    وباتباع استراتيجيتين مختلفتين، يبدو أن لوبان وميلينشون يتجهان نحو هذا الهدف المتطابق ... على الرغم من أن كليهما قال، بشكل أو بآخر، أن 2022 ستكون مشاركته الأخيرة. في مقابلة مع لو فيغارو في 13 مايو، مقدمة نفسها على أنها “المعارضة الأولى”، أعلنت زعيمة اليمين المتطرف أنها تريد إخراج “نخبة جديدة” بحلول عام 2027، واوضحت أنها لن تترشّح الى هذا الموعد... “الا في صورة حدث استثنائي».
   من جانبه، كان زعيم جماعة المتمردين قد تولى زمام المبادرة في أغسطس 2021 في مقابلة مع دوفين ليبريه، حيث قال إنه “الوحيد الذي لم ينظم مسيرة مهنية”، مضيفًا عن مشاركته الثالثة في الانتخابات الرئاسية لعام 2022: “من الواضح أن هذه هي مشاركتي الأخيرة”. وكان لهذا الالتزام القطعي بالتأكيد قيمة جدال واعد، بل وحاسم، قبل ثمانية أشهر من أم المعارك الانتخابية. على أي حال، ترك الباب مفتوحًا بشكل أقل لمحاولة (اخيرة) من تنازل لوبان المشروط.

من “الاتحاد الشعبي” إلى “اتحاد اليسار»
   بصرف النظر عن حقيقة أنه يجب دائمًا أخذ التصريحات النهائية للقادة السياسيين كما هي، أي في بعض الأحيان عقود سريعة الزوال، فقد تبين أن الوضع السياسي قد تطور قليلاً (بعبارة ملطفة) بعد انتخابات الإليزيه.
   من جهة، غيّر ميلينشون استراتيجيته في ضوء الانتخابات التشريعية، ومن جهة أخرى، نجحت لوبان في تشكيل أول كتلة معارضة في الجمعية الوطنية في نهاية هذه الانتخابات بـ 89 نائباً، باستثناء مجموعة نواب الاتحاد الشعبي والبيئي والاجتماعي الجديد يضم 151 ممثلاً، منها 75 منتخبا لحركة فرنسا المتمردة، ولرئيس الجمهورية أغلبية نسبية فقط.

   في الواقع، غيّر رئيس فرنسا المتمردة استراتيجيته بشكل جذري بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية. مؤيد متحمس لـ “الاتحاد الشعبي” لعدة سنوات، أي الاتحاد حول شخصه، والمعارض بشدة لـ “اتحاد اليسار” الذي قُدّم بانتظام، ولا سيما في منشوراته على مدونته، كتجمّع غير فعّال للتسميات الحزبية، أصبح ميلينشون أكثر الدعاة إقناعًا وقناعة، على الأقل من حيث المظهر، باتحاد اليسار هذا من خلال إنشاء الاتحاد الشعبي والبيئي والاجتماعي الجديد الذي كان هو البادئ في طرحه -لفائدة بيته الخاص طبعا.

   لم يحقق هدفه الأساسي، المتمثل في منح الأغلبية المطلقة لتجمع اليسار هذا، وفتح إمكانية تعيينه في ماتينيون من قبل رئيس الجمهورية المعاد انتخابه حديثًا. كان شعار “انتخبوني رئيساً للوزراء” هو الشعار غير المناسب الذي اختاره. ومع ذلك، فقد تمكن من مضاعفة ما يقرب من 4.5 أعداد المجموعة المتمردة في قصر بوربون، والتي كانت 17 وحدة قوية في الهيئة التشريعية السابقة. لقد تخلى هو نفسه عن الترشح للانتخابات التشريعية من أجل الهيمنة على المشهد السياسي، وعلى أمل أن يصبح رئيسًا للحكومة أو أن يضع نفسه، إذا لزم الأمر، في احتياط الجمهورية للمستقبل.

معارضة «بناءة» و «مسؤولة»
   من جانبها، تحمل لوبان أيضًا الحدث الاستثنائي الذي يمكن أن يعيد إلى المسار الصحيح إمكانية الترشح الرئاسي الرابع: أن تكون على رأس مجموعة من 89 نائبًا، وهذا لم يحدث أبدًا لأقصى اليمين في ظل الجمهورية الخامسة -خاصة مع نظام التصويت بالأغلبية الفردية من جولتين. عندما دخلت الجبهة الوطنية البرلمان عام 1986 ب 35 نائبا بقيادة جان ماري لوبان، كان ذلك بفضل نظام التصويت النسبي الذي أراده الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت فرانسوا ميتران. ويمكننا أن نرى المدى الذي وصلت إليه اللوبانية في ستة وثلاثين عامًا!
   راسخة بقوة تحت قبة البرلمان، اختارت رئيسة التجمع الوطني، تلميع صورتها من خلال رغبتها في أن تكون معارضة “بناءة”، وهو مصطلح يسمح للمجموعة اليمينية المتطرفة بالتصويت مع أو ضد المشاريع المقدمة من قبل الحكومة. ويتعارض أسلوب العمل هذا تمامًا مع أسلوب مجموعة فرنسا المتمردة، التي تصوت باستمرار ضد النصوص الحكومية، دون الفوز بشكل منهجي بدعم شركائها في الاتحاد الشعبي والبيئي والاجتماعي الجديد، ولا سيما المجموعة الاشتراكية التي حددت فضاءها الخاص.

   وباختيار هذا النوع من المعارضة التي وصفتها المعنية بالأمر بأنها “مسؤولة”، فإن لوبان تتابع استراتيجيتها المتمثلة في الاستيعاب التدريجي للناخبين اليمينيين الذين لم يتخلوا بعد بشكل نهائي عن حزب الجمهوريين، ولكن قدمت شريحة منه بعض علامات التعب في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية من خلال اعتماد التصويت المفيد لصالح ابنة المؤسس المشارك للجبهة الوطنية. الميزة الثانية لهذا النهج السياسي، هي وضع غطاء على بعض الأساسيات الأقل إشراقًا لحزب اليمين المتطرف والتي تنتعش على فترات منتظمة.

قائمة موحدة للانتخابات الأوروبية
   على العكس من ذلك، يرى ميلينشون أن المعارضة المطلقة أكثر إنتاجية لمسيرته الذاتية. سرق اليسار الراديكالي الذي يقوده الزعامة من الحزب الاشتراكي التي مارسها الاشتراكيون الديمقراطيون على هذا الجانب من الطيف السياسي منذ نهاية السبعينات وحتى بداية العقد الأول من القرن الحالي. المتشدد التروتسكي اللامبرتيست السابق، الذي هو ميلينشون، قد وضع لنفسه هدفًا، منذ رحيله عن الحزب الاشتراكي عام 2008، وهو تقليص حزبه السابق إلى لا شيء.

   ولا شك أن التصويت المفيد الذي حصل عليه خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة يدفعه إلى الاعتقاد بأنه يسير على الطريق الصحيح لتحقيق أهدافه. إن رغبة حزب فرنسا المتمردة وضع قائمة مشتركة مختومة بالاتحاد الشعبي والبيئي والاجتماعي الجديد للانتخابات الأوروبية 2024 هي مثال على ذلك.

   كل على طريقته الخاصة، يريد هذان الزعيمان ضرب الحديد وهو ساخن. ومع ذلك، ليس من المؤكد أن المحاضرات الصيفية القادمة لـ حركة فرنسا المتمردة “من 24 إلى 27 أغسطس” والمؤتمر الثامن عشر لـ التجمع الوطني “5 نوفمبر” سيوفران عناصر ملموسة حول رغبتهما في خوض المعركة مرة أخرى عام 2027 -ربما يكون من السابق لأوانه كشف ذلك.   لكن المؤكد، أنه يتعيّن على حزب الجمهوريين والحزب الاشتراكي الاسراع بجذب انتباه الجمهور من خلال إعادة تأسيس برامجية إذا كانا لا يرغبان في مواصلة تراجعهما المستمر على الساحة الانتخابية واختفائهما التدريجي كقوى سياسية. وهذه، في المحصلة، رغبة لوبان وميلينشون من اجل تحقيق غاياتهما ... في غضون خمس سنوات.