محمد بن راشد: راهنا على مواكبة الطفرات التقنية في العالم … واليوم نستضيف العالم في دبي
يُبسِّط السرد والشخصيات والعلاقات والتفاصيل
"فوي فوي فوي".. كوميديا هادفة عن البؤس والقهر
تقديمٌ سينمائيّ مبسّط، والتبسيط غير مُسطّح، فالكوميديا الخفيفة تحصِّن النصّ من استسهالٍ، ما يجعل سرد الحكاية، المحمَّلة بمسائل آنيّة (فقر وقهر، فساد واحتيال، علاقات مخادعة تحجب الإيجابيّ فيها إلى حين)، سَلِساً لا ادّعاء فيه ولا تصنّع.
السلاسة عاملٌ مطلوب لمرافقة أفرادٍ، في مواجهة يومية مع مأزق عيشٍ في انكسارٍ وخيبة وانسداد أفق. هذا كلّه دافعٌ إلى استغلال أي شيءٍ وأي أحدٍ لخلاصٍ مُرتجى. شبابٌ عاجزون عن عملٍ مُريح، وعن علاقات سوية، وعن منفَذٍ لتحقيق هدفٍ أو حلم، والهدف والحلم عاديان، وغير متضمِّنَين متطلّبات عصيّةٍ على التحقّق: حياة سليمة تكون حقّاً طبيعياً لهم، بعيداً عن بؤسٍ وقهرٍ وتسلّطٍ، وعن غيابٍ شبه تام لأبسط مقوّمات عيشٍ عادي.
أما مفردة "فوي" فإسبانيّة، تعني "أنا قادم"، أو "ها أنا قادم"، يُفترض بكلّ لاعب كرة قدم كفيف أنْ يتلفّظ بها عندما تكون الكرة معه، متوجّهاً بها إلى المرمى. قول الكلمة بصوتٍ مسموع يُفرض على اللاعبين المكفوفين جميعاً، كي يعرفوا أنْ لاعباً منهم يركض (ببطء) بالكرة، وحارس المرمى وحده المُبصر بينهم، كالمدرِّب والطبيب والمسؤول عن النادي والملعب. فريقٌ كهذا موجودٌ، وأفراده يتدرّبون يومياً، ويخوضون مباريات يجب الفوز بها للتمكّن من المشاركة بمباراة دولية تُقام في بولندا.
هذه فرصةٌ ربما لن تتكرّر، وعلى حسن (محمد فرّاج) استغلالها للهرب من شقائه اليوميّ، فوظيفته (حارس مرآب) غير كافيةٍ لعيش هانئ، وضغوط والدته (حنان يوسف) قاسية، كقسوة اليوميّ في بيئة شبه مُعدَمة. بعد وقتٍ قليلٍ على قبول المدرِّب السابق عادل (بيومي فؤاد) لتدريب فريق المكفوفين، ينتبه حسن إلى المسألة، ويُقرّر أنْ ينتسب إلى الفريق بأي شكل. "ينجح" في الخطوات الأولى، ويبدأ تدريباته مع أعضاء الفريق، خاصةً أنّه يُخبر المدرِّب أولاً، ثم اللاعبين، بأنّه "لاعب كرة قدم سابق"، له بطولات، لكنّ "مرضاً" يلمُّ به فيُصاب بالعمى. في الوقت نفسه، تُكلَّف الصحافية إنجي (نيلّي كريم) بكتابة تحقيق عن الفريق، فتزور النادي/الملعب لمتابعة التدريبات، وللتحدّث مع الجميع، فينشأ بينها وبين حسن تقاربٌ حسّي خافت، قبل انكشاف حقائق، غير مرتبطةٍ باحتيال حسن وحده، فبعض تلك الحقائق متعلّق بأناسٍ آخرين، يستغلّون واقعاً لتحقيق مكسبٍ مالي وغير مالي، يُنقِذُ من فقرٍ، يريد الجميع خلاصاً منه، ومما يُسبّبه من حالات ومشاعر وأنماط عيش.
"فوي فوي فوي" أوّل روائي طويل لعمر هلال، المشتغل سابقاً في الإعلانات. سلاسةُ النصّ منسحبةٌ على سلاسة اشتغال إخراجي، يُبسِّط السرد والشخصيات والعلاقات والتفاصيل، مُطعّماً إياها كلّها بكوميديا، غير مانعةٍ كشفاً لوقائع يومية، تدفع أفراداً إلى احتيالٍ وفسادٍ وغشّ ونِفاق. رغم هذا، لن تطغى سلبيات تلك الوقائع على النصّ السينمائي برمّته، فالإيجابيّ ماثلٌ هنا وهناك، خاصة في شخصية إنجي، التي يُطلب منها إنجاز تحقيقات/حوارات مع أناسٍ تعتبرهم/تعتبرهنّ "علّةً" و"مُصيبة"، لشدّة الفراغ الذي يعتمل في تفكيرٍ وسلوك، رغم شهرةٍ كبيرةٍ يتمتّعون بها في وسائل تواصل اجتماعي.
الإيجابيّ يتمثّل أيضاً في خاتمةٍ متفائلةٍ، بعد تواطئ قاهِرٍ في احتيال وفساد وغشٍّ ونِفاق، رغم أنّها تبدو كدعوةٍ إلى ممارسة هذا كلّه بحجّة الخلاص من بؤسٍ وفقرٍ وانكسارٍ، والخلاص المنشود حاضرٌ في الهجرة غير الشرعية إلى بلاد أوروبا الواسعة.
فيلمٌ كهذا يُسلّي، مع أنّ فيه جانباً دراماتيكياً، يبلغ ذروته في بكاءٍ، غير موفَّق أدائياً، مع هطول مطرٍ غزير (مشهد عادي للغاية)، لحظة اعتراف حسن لإنجي بذلّ يعيشه يومياً لسببٍ أو أكثر. لكنّ جانباً كهذا غير حاجبٍ طرافةً مبسّطة وسلسة.