فيضانات السودان والفساد.. كيف ضاع نحو تريليون دولار؟
يتعرض السودان لفيضانات هائلة ضربت معظم مناطق البلاد، وتسببت بمقتل نحو 100 مواطن وتشريد أكثر من نصف مليون آخرين، عدا الأضرار المادية الفادحة في البنى التحتية.
وأظهرت الفيضانات التي ضربت معظم مناطق السودان خلال الأيام الماضية، وقتلت نحو 103 مواطنين وشردت أكثر من 600 ألفا، ودمرت عشرات آلاف المساكن، حجم الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية والاقتصاد السوداني بسبب نهب ما يقدر بنحو 750 مليار دولار من موارد البلاد خلال الأعوام الثلاثين من حكم نظام حزب المؤتمر الوطني، الجناح السياسي للإخوان الإرهابي، بقيادة المخلوع عمر البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل 2019.
ويعبر محمد التاج (25 عاما) من سكان “الفتيحاب” بمدينة أم درمان، وهو خريج هندسة، عن الضرر الذي ألحقه فساد نظام البشير بالمجتمع السوداني بالقول “تحطمت البيوت من حولنا لأنها لم تكن مبنية بالمواصفات اللازمة لحمايتها من الفيضانات، ولا توجد بنية تحتية كافية لأن أموال البلد تعرضت للنهب طوال الأعوام الماضية».
لكن ما هو هذا الفساد الذي حرم التاج وغيره من السودانيين من مقومات الحياة الأساسية؟
حجم ضخم
حتى 2019 ظلت منظمة الشفافية الدولية تصنف السودان في المراكز الأربع الأولى كأكثر بلدان العالم فسادا، بعد أن كان يتمتع بسجل جيد قبل استيلاء نظام البشير على السلطة.
وكان الفساد المهول الذي استشرى في البلاد بسبب تحول الحزب الحاكم إلى دولة داخل الدولة هو أحد أبرز محركات الثورة التي أطاحت بالبشير، إذ أفقد البلاد موارد مباشرة قدرها خبراء ومراقبون في تحقيق أجرته “سكاي نيوز عربية” بنحو 750 مليار دولار وغير المباشرة بأكثر من 250 مليار ليصل الحجم الكلي للفساد إلى أكثر من تريليون دولار.
غير أن الخبيرة القانونية إقبال أحمد علي ترى أن الرقم أكبر بكثير من ذلك إذا ما حسبت معه الآثار التراكمية التي ترتبت على الاقتصاد السوداني طوال حقبة المؤتمر الوطني التي امتدت 30 عاما.
وانعكست هذه الآثار الضخمة على حياة سكان السودان البالغ تعدادهم نحو 40 مليون نسمة، يعيش حاليا أكثر من 80 في المئة منهم تحت خط الفقر.
ويشكل الفساد القاسم المشترك في معظم الجرائم الخمس الكبرى التي يحاكم عليها حاليا الرئيس السابق عمر البشير وعدد من عناصر نظامه وأقاربه.
قطاعات واسعة
وبسبب الفساد الذي طال معظم القطاعات الخدمية والإنتاجية أصاب الدمار البنى التحتية في كافة مدن ومناطق البلاد، كما ازادت معدلات الفقر بشكل غير مسبوق واختفت الطبقة الوسطى تقريبا وأصبحت جزءا من تركيبة الطبقة الفقيرة الغالبة في البلاد التي حرمت حتى من بناء المسكن الآمن، وفقا لما تشير اليه الكاتبة الصحفية أمل تبيدي.
وفي ظل تكدس الثروة لدى القلة القليلة التي استفاد جزء كبير منها من سياسة التمكين بسبب ولائهم لنظام البشير، أصبح معظم السودانيين يعيشون في أحياء تفتقد لأنظمة الصرف وفي مساكن تبنى بمواد بسيطة لا تستطيع مقاومة الكوارث الطبيعية.
قطاعات مختلفة
ومن بين أبرز القطاعات التي طالها الفساد القطاع الزراعي الذي خسر أكثر من 150 مليار دولار كان نصيب مشروع الجزيرة، الأكبر من نوعه في العالم، نحو 100 مليار دولار.
كما شكل التلاعب في الصادرات وجها آخر من أوجه الفساد إذ أشارت تقارير إلى إخفاء عشرات المليارات من أرقام الصادرات خصوصا النفط والذهب.
وطال الفساد أيضا مؤسسات القطاع العام التي بيعت بأقل من قيمها الحقيقية بنحو 220 مليار دولار.
وفقد السودان نحو 300 مليار دولار بعد إدراجه في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي في قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب ميول النظام الأيديولوجية واستضافته لعدد من المتطرفين والمتشدد العرب، والعقوبات التي فرضت عليه لاحقا في العقد الأول من القرن الحالي عقابا على جرائمه التي ارتكبها في حرب دارفور التي اندلعت في العام 2003.
ويشير استاذ الاقتصاد وعضو اللجنة الاقتصادية وأحد أبرز المرشحين لتولي وزارة المالية في التشكيلة الحكومية الجديدة المرتقبة، محمد شيخون، إلى أن الفساد في عهد النظام البائد كان ممنهجا ومحميا بقدر كبير نظرا لسياسة التمكين التي انتهجها النظام.
ووفقا لشيخون فإن التلاعب في أرقام صادرات النفط والذهب كان أحد أوجه الفساد المدمرة التي انعكست بشكل مباشر على الاقتصاد السوداني.
ويرى شيخون أن تقرير منظمة النزاهة الدولية الذي أشار في نهاية مايو الماضي إلى وجود فجوة تقدر بنحو 31 مليار دولار بين سجلات بنك السودان والدول المستوردة يتحدث عن فترة السنوات الست الممتدة ما بين عامي 2012 و2018، في حين أن الفترة التي سبقتها كانت تشهد زخما كبيرا في إنتاج وتصدير النفط مما يعني أن تهريب أموال الصادرات كان أكبر بكثير مما تحدث عنه التقرير.
ويشدد شيخون على ضرورة أن تشهد الفترة المقبلة إجراءات أكثر صرامة تضمن دخول كافة عائدات الصادرات إلى الخزينة العامة.
أمول مهربة
يؤكد الخبير المصرفي والقيادي في قوى الحرية والتغيير، محمد عصمت يحيى، أن عناصر النظام السابق هربوا أكثر من 64 مليار دولار إلى خارج البلاد سواء بشكل مباشر أو عن طريق تصدير سلع أن تعاد عائداتها وخصوصا النفط والذهب. ويشير يحيي إلى أن نافذين في النظام السابق كانوا يتحكمون في صادرات النفط خارج إطار الدولة وهو ما أكده تقرير منظمة النزاهة.
ووفقا للخبير المصرفي والاقتصادي أبوبكر أحمد كرم الله، عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، فإن الفساد الذي ضرب اقتصاد الدولة خلال الأعوام الثلاثين الماضية كان فسادا مؤسسيا بامتياز ولكن للأسف لا تزال جذوره باقية حتى الآن لأن العديد من القيادات والمسؤولين والموظفين الذين كانوا يسهلون عمليات فساد عناصر النظام السابق لا يزالون على رأس عملهم.
ويشير كرم الله إلى أن القطاع المصرفي كان من أكثر القطاعات التي طالها فساد النظام السابق مما أفقده عشرات الملاين من الدولارات وأضر بالتالي بالاقتصاد الوطني والناتج المحلي الإجمالي لعشرات السنين وأعاق المصارف عن أداء دورها.
ويقول كرم الله إن العديد من البنوك كانت تمنح تمويلات ضخمة لنافذين في النظام السابق دون ضمانات كافية ودون مراعاة للمعايير الدولية ومقررات بازل والمخاطر المحتملة للتآكل المستمر في قيمة الجنيه ورؤوس أموال البنوك بسبب الارتفاع المتواصل في معدلات التضخم.
ويذكر كرم الله جانبا آخر من جوانب الفساد في القطاع المصرفي وهو ذلك المتعلق بالتلاعب في النقد الأجنبي والذي مكن مافيا السوق من تحقيق أرباح طائلة.
وأظهرت الفيضانات التي ضربت معظم مناطق السودان خلال الأيام الماضية، وقتلت نحو 103 مواطنين وشردت أكثر من 600 ألفا، ودمرت عشرات آلاف المساكن، حجم الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية والاقتصاد السوداني بسبب نهب ما يقدر بنحو 750 مليار دولار من موارد البلاد خلال الأعوام الثلاثين من حكم نظام حزب المؤتمر الوطني، الجناح السياسي للإخوان الإرهابي، بقيادة المخلوع عمر البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية في أبريل 2019.
ويعبر محمد التاج (25 عاما) من سكان “الفتيحاب” بمدينة أم درمان، وهو خريج هندسة، عن الضرر الذي ألحقه فساد نظام البشير بالمجتمع السوداني بالقول “تحطمت البيوت من حولنا لأنها لم تكن مبنية بالمواصفات اللازمة لحمايتها من الفيضانات، ولا توجد بنية تحتية كافية لأن أموال البلد تعرضت للنهب طوال الأعوام الماضية».
لكن ما هو هذا الفساد الذي حرم التاج وغيره من السودانيين من مقومات الحياة الأساسية؟
حجم ضخم
حتى 2019 ظلت منظمة الشفافية الدولية تصنف السودان في المراكز الأربع الأولى كأكثر بلدان العالم فسادا، بعد أن كان يتمتع بسجل جيد قبل استيلاء نظام البشير على السلطة.
وكان الفساد المهول الذي استشرى في البلاد بسبب تحول الحزب الحاكم إلى دولة داخل الدولة هو أحد أبرز محركات الثورة التي أطاحت بالبشير، إذ أفقد البلاد موارد مباشرة قدرها خبراء ومراقبون في تحقيق أجرته “سكاي نيوز عربية” بنحو 750 مليار دولار وغير المباشرة بأكثر من 250 مليار ليصل الحجم الكلي للفساد إلى أكثر من تريليون دولار.
غير أن الخبيرة القانونية إقبال أحمد علي ترى أن الرقم أكبر بكثير من ذلك إذا ما حسبت معه الآثار التراكمية التي ترتبت على الاقتصاد السوداني طوال حقبة المؤتمر الوطني التي امتدت 30 عاما.
وانعكست هذه الآثار الضخمة على حياة سكان السودان البالغ تعدادهم نحو 40 مليون نسمة، يعيش حاليا أكثر من 80 في المئة منهم تحت خط الفقر.
ويشكل الفساد القاسم المشترك في معظم الجرائم الخمس الكبرى التي يحاكم عليها حاليا الرئيس السابق عمر البشير وعدد من عناصر نظامه وأقاربه.
قطاعات واسعة
وبسبب الفساد الذي طال معظم القطاعات الخدمية والإنتاجية أصاب الدمار البنى التحتية في كافة مدن ومناطق البلاد، كما ازادت معدلات الفقر بشكل غير مسبوق واختفت الطبقة الوسطى تقريبا وأصبحت جزءا من تركيبة الطبقة الفقيرة الغالبة في البلاد التي حرمت حتى من بناء المسكن الآمن، وفقا لما تشير اليه الكاتبة الصحفية أمل تبيدي.
وفي ظل تكدس الثروة لدى القلة القليلة التي استفاد جزء كبير منها من سياسة التمكين بسبب ولائهم لنظام البشير، أصبح معظم السودانيين يعيشون في أحياء تفتقد لأنظمة الصرف وفي مساكن تبنى بمواد بسيطة لا تستطيع مقاومة الكوارث الطبيعية.
قطاعات مختلفة
ومن بين أبرز القطاعات التي طالها الفساد القطاع الزراعي الذي خسر أكثر من 150 مليار دولار كان نصيب مشروع الجزيرة، الأكبر من نوعه في العالم، نحو 100 مليار دولار.
كما شكل التلاعب في الصادرات وجها آخر من أوجه الفساد إذ أشارت تقارير إلى إخفاء عشرات المليارات من أرقام الصادرات خصوصا النفط والذهب.
وطال الفساد أيضا مؤسسات القطاع العام التي بيعت بأقل من قيمها الحقيقية بنحو 220 مليار دولار.
وفقد السودان نحو 300 مليار دولار بعد إدراجه في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي في قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب ميول النظام الأيديولوجية واستضافته لعدد من المتطرفين والمتشدد العرب، والعقوبات التي فرضت عليه لاحقا في العقد الأول من القرن الحالي عقابا على جرائمه التي ارتكبها في حرب دارفور التي اندلعت في العام 2003.
ويشير استاذ الاقتصاد وعضو اللجنة الاقتصادية وأحد أبرز المرشحين لتولي وزارة المالية في التشكيلة الحكومية الجديدة المرتقبة، محمد شيخون، إلى أن الفساد في عهد النظام البائد كان ممنهجا ومحميا بقدر كبير نظرا لسياسة التمكين التي انتهجها النظام.
ووفقا لشيخون فإن التلاعب في أرقام صادرات النفط والذهب كان أحد أوجه الفساد المدمرة التي انعكست بشكل مباشر على الاقتصاد السوداني.
ويرى شيخون أن تقرير منظمة النزاهة الدولية الذي أشار في نهاية مايو الماضي إلى وجود فجوة تقدر بنحو 31 مليار دولار بين سجلات بنك السودان والدول المستوردة يتحدث عن فترة السنوات الست الممتدة ما بين عامي 2012 و2018، في حين أن الفترة التي سبقتها كانت تشهد زخما كبيرا في إنتاج وتصدير النفط مما يعني أن تهريب أموال الصادرات كان أكبر بكثير مما تحدث عنه التقرير.
ويشدد شيخون على ضرورة أن تشهد الفترة المقبلة إجراءات أكثر صرامة تضمن دخول كافة عائدات الصادرات إلى الخزينة العامة.
أمول مهربة
يؤكد الخبير المصرفي والقيادي في قوى الحرية والتغيير، محمد عصمت يحيى، أن عناصر النظام السابق هربوا أكثر من 64 مليار دولار إلى خارج البلاد سواء بشكل مباشر أو عن طريق تصدير سلع أن تعاد عائداتها وخصوصا النفط والذهب. ويشير يحيي إلى أن نافذين في النظام السابق كانوا يتحكمون في صادرات النفط خارج إطار الدولة وهو ما أكده تقرير منظمة النزاهة.
ووفقا للخبير المصرفي والاقتصادي أبوبكر أحمد كرم الله، عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، فإن الفساد الذي ضرب اقتصاد الدولة خلال الأعوام الثلاثين الماضية كان فسادا مؤسسيا بامتياز ولكن للأسف لا تزال جذوره باقية حتى الآن لأن العديد من القيادات والمسؤولين والموظفين الذين كانوا يسهلون عمليات فساد عناصر النظام السابق لا يزالون على رأس عملهم.
ويشير كرم الله إلى أن القطاع المصرفي كان من أكثر القطاعات التي طالها فساد النظام السابق مما أفقده عشرات الملاين من الدولارات وأضر بالتالي بالاقتصاد الوطني والناتج المحلي الإجمالي لعشرات السنين وأعاق المصارف عن أداء دورها.
ويقول كرم الله إن العديد من البنوك كانت تمنح تمويلات ضخمة لنافذين في النظام السابق دون ضمانات كافية ودون مراعاة للمعايير الدولية ومقررات بازل والمخاطر المحتملة للتآكل المستمر في قيمة الجنيه ورؤوس أموال البنوك بسبب الارتفاع المتواصل في معدلات التضخم.
ويذكر كرم الله جانبا آخر من جوانب الفساد في القطاع المصرفي وهو ذلك المتعلق بالتلاعب في النقد الأجنبي والذي مكن مافيا السوق من تحقيق أرباح طائلة.