نجح في تكوين روابط بين المشاهد وشخصياته بشكل كبير
فيلم "الهوى سلطان" يعيد الرومانسية إلى السينما المصرية
فيلم "الهوى سلطان" يكسر الكثير من قواعد النجاح المضمون ومنها نوعية الفيلم وتصنيف نجومية الأبطال وسياق الأحداث، فهو لا يندرج تحت قائمة أفلام التشويق أو الحركة أو الغموض والشاشة الممتلئة بالنجوم أصحاب النوادر والإيرادات وملهمي الشعبيات والحكايات، بل يعود بكل بساطة لتفاصيل العلاقات الإنسانية التي تجمع أي شخصيتين مقربتين في إطار كبير من الصدق والتعايش والتفاهم.
يبدو أن مقولة "القواعد صنعت لكي تكسر" هي أكثر العبارات التي تصف حال السينما حيث لا حدود ولا مقاييس يمكن أن يراهن بها أحد على ذائقة الجمهور وحبه وانجذابه وتفاعله تجاه عمل معين أو حالة سينمائية.
وجاء فيلم "الهوى سلطان" ليكون مثالاً ويكسر الكثير من قواعد النجاح المضمون ومنها نوعية الفيلم وتصنيف نجومية الأبطال وسياق الأحداث، فهو لا يندرج تحت قائمة أفلام التشويق أو الحركة أو الغموض والشاشة الممتلئة بالنجوم أصحاب النوادر والإيرادات وملهمي الشعبيات والحكايات، فالفيلم يعود بكل بساطة لتفاصيل العلاقات الإنسانية التي تجمع أي شخصيتين مقربتين في إطار كبير من الصدق والتعايش والتفاهم.
قصة الفيلم تجمع بين علي وسارة الصديقين اللذين جمعتهما ذكريات طفولة، وأسرتين وحياتين جمعت بين روحين من دون قصد فعشقا تفاصيل بعضهما، فهما كتوأم ملتصق لا يتفارقان ويتفاهمان في كل شيء، لكنهما في حالة حب عارمة لا تخرج عن نطاق الأشقاء والأصدقاء المقربين.
تحاول سارة أن تحب وترتبط فيساعدها علي في إيجاد رجال مناسبين، من دون وعي منه بأنه ربما يندم على الزج بصديقة عمره نجو رجل آخر، وتفعل سارة نفس الشيء مع صديق العمر أملاً في منحه السعادة من دون أن تفكر في أن وجود امرأة أخرى قد ينزع منها سلامها النفسي المتحقق بوجودهما سوياً، وتتابع الأحداث فتفشل سارة وتحكي لعلي عن خيباتها وتشاركه كذلك إخفاق تجاربه العاطفية المتتالية وعدم العثور على بنت الحلال.
تتوالى الأيام والسنوات، والصديقان لا يفترقان ولا يرتبطان ولا يفلحان في الخروج من دوائر الاقتراب الإنساني القدري التي تجمعهما وتمتعهما، لكنها لا تتيح لهما فرصة التغيير وتكوين الحياة العاطفية والاجتماعية والإنسانية مع آخرين.
يشعر علي في إحدى اللحظات بخطر إعاقة ترابطهما لعلاقتهما بالآخرين وتكوين حياة، ويواجه سارة بأنهما ربما يعطلان بعضهما عن تحقيق طموحات حقيقية، بينما هي ترى الحياة ممتلئة بوجوده ولا ينقصها من سعادتها شيئاً طالما هناك صديق قريب لدرجة توأم الروح.
يحدث الخلاف ويمرا بمفترق طرق ويشرع كل منهما في تكوين حياة بعيدة من الآخر ناقمين على الملاذ الآمن الذي تورطا فيه طوال حياتهما تحت اسم الصداقة والعشرة، ويتمردان ربما يجدا في بعدهما ما يبحثان عنه، فيرتبط علي بليلى الفتاة المثالية التي تجمع بين الحسب والنسب وترتضي به كمشروع حبيب لا بأس به، ويتفاجأ علي وهو يحاول حب ليلى وتكوين حياة معها أنه لا يتفاهم بالقدر الذي يناسبه وغير سعيد كما كان قبلها، ويكتشف أنه يفتقد شقيق الروح الذي يجعله سعيداً من دون مقومات أو مجهود.
تعاني سارة على الجانب الآخر من نفس الأعراض المؤلمة على رغم ارتباطها بفارس الأحلام الطبيب الثري الشاب الذي يغير حياته من أجل حبه الصادق لها، لكنه على جانب آخر لا يفهم تفاصيل حياتها ومعنى صمتها.
تدرك سارة وعلي حجم الورطة التي وضعا نفسيهما فيها بدخول جديدين على منطقة سلامهما العاطفي والإنساني العتيقة على رغم أنهما ظنا أن الغريبين طوقا النجاة اللذين أرسلهما القدر.
يستسلم الصديقان ويدركان أن السعادة الحقيقية ليست بالضرورة مرتبطة بشخص كامل الأوصاف والإمكانيات لكنها حتماً توجد فقط مع شخص تستطيع أن تفهمه وتسعد معه وتتحدث بلا حرج أو توقف، فهذا هو الشريك المثالي.
نجح الفيلم في تكوين روابط بين المشاهد وشخصياته بشكل كبير جداً فحدثت حالة توحد بين مشاعر الأبطال وتفاصيلهم الدقيقة التي قد تبدو أصغر من أن يهتم بها جمهور السينما، وكانت التفاصيل والمشاعر الدافئة ورغبات الحب والتعلق الكروت الرابحة في رهان أبطال وصناع فيلم "الهوى سلطان".
ولأن شخصية سارة بطلة العمل كانت المحور الأساسي ومعها علي شريكها في الرحلة العاطفية الدافئة كان من المحتم أن تلعب الدور ممثلة تستطيع وزن المشاهد بمشاعر غير سطحية وغير مبالغة وببراعة وبساطة من دون تصدير هبات مبالغة أو متدنية من العاطفة، وقامت منة شلبي بهذه المهمة لتحطم رقماً قياسياً من البراعة بطريقة السهل الممتنع، واستطاعت أن تضيف للشخصية المزيد من الحب والدفء والعمق والبساطة حتى انتهت برحلة الفيلم إلى بر الأمان مع ممثل وزن الأمور أمامها بعفوية وقوة وهو أحمد داوود فكان العمل نسيجاً متناغماً ومؤثراً.
هبة يسري كاتبة ومخرجة الفيلم تعتبر "الهوى سلطان" مشروع عمرها حيث استغرقت نحو 12 عاماً في كتابته، وتميزت بأنها استطاعت بتفاصيلها الصغيرة الحميمة التعبير عن حكايات بسيطة حقيقية قد تحدث لملايين الشباب والفتيات الذين يكتشفون أن ما بينهم ليس مجرد صداقة وأن الحب قد يكون مخبأً في إحدى جوانب القلب، وربما عبرت يسري بأحاسيس المرأة التي تعتمد التفاصيل والهمسات والأغنيات والصمت والهمس كمقومات لحب كبير غامض ودفين.
مزجت هبة يسري بين أنغام أغنيات بهاء سلطان لتصنع لوناً مميزاً للعمل وكأنه مطرب الحب الذي يجمع صديقين في حالة عشق من دون درايتهما، فخرج الفيلم بشكل مختلف، فهناك مطرب غير موجود على الشاشة يشارك في تفاصيل حياة سارة وعلي ويجمع بينهما ويتردد اسمه من وقت لآخر، وهذا التعاطي كان مسلياً وجاذباً ومغرياً لمحبي الطرب من مشاهدي السينما.
الفيلم استطاع تحقيق طفرة في الإيرادات على رغم بعده عن المواسم الغنية بالجنيهات مثل الصيف والأعياد، وتجاوزت إيراداته اليومية نحو 50 ألف دولار، وهو رقم كبير بالنسبة لنوعية الفيلم والموسم المعروض فيه، وربما فتحت الإيرادات الكبيرة للعمل الباب أمام عدة تساؤلات من أهمها هل يمكن أن تفتح الأفلام الرومانسية مجالاً جديداً للإيرادات بعد تصدر أفلام الحركة والنجوم الرجال وأفلام الكوميديا المباشرة؟ وهل يمكن أن تعود سينما مخرجاتها من النساء لتصدر المشهد أو المنافسة مع المخرجين الرجال بموضوعاتهم ذات الرواج الجماهيري؟
كلها أسئلة وضعها خبراء السينما في حساباتهم وربما شجعت البعض على اتخاذ خطوات نحو مشروعات فنية رومانسية وإنسانية مؤجلة منذ سنوات لارتعاشها من ردود أفعال الجمهور وفزاعة شباك التذاكر.
وحتى إن كان "الهوى سلطان" حالة خاصة فقد أعاد الاتزان نحو الكثير من الأمور وأهمها أن ذائقة الجمهور لا تتجه نحو أنواع بعينها بل تنحاز نحو أي عمل جيد، وأن ليست هناك مقاييس يمكن بها الحكم على النجاح والفشل والانجذاب إلا الجودة بغض النظر عن الأدوات والأبطال والمقومات والتوقيت.
وأهم ما أثبته العمل أن الحب والمشاعر الإنسانية هي اللغة العالمية الأولى والعامل الوحيد الذي لا يقدم ولا يزول ولا يتغير ولا يتلف مع الزمن، وستظل عابرة للأجيال والأوقات والمراحل والنقلات مهما استحدثت الأفلام وتغير الجمهور ونوعيات الموضوعات والاهتمامات.