في ذكرى الرحلة الأولى للبشر .. على ماذا راهنت الإمارات في بناء قطاع الفضاء؟
تبرز تجربة دولة الإمارات في مجال الفضاء كأحد أبرز قصص النجاح على المستوى العربي والإقليمي بعد تعدد المشاريع الاستثنائية التي أكدت ريادة الإمارات في هذا القطاع، ولكن التجربة تعكس جانباً شديد الأهمية أمعنت الإمارات في إبرازه والرهان عليه. وتتعمد الإمارات استغلال الثورة التي تحدثها في مستوى قطاع الفضاء المحلي في صناعة جيل من رواد الفضاء والطواقم الإدارية والفنية الإماراتية القادرة على مواصلة النجاح في هذا القطاع رغم حداثة عهدها به مقارنة بالدول الرائدة في هذا القطاع. ولا يمكن أن يتم التطرق اليوم لقطاع الفضاء الإماراتي دون أن يتبادر للذهن اسم هزاع المنصوري وسلطان النيادي، وهو ما يسهم في تشكيل صورة ذهنية لدى الأجيال الإماراتية بأهمية هذا القطاع والفرص التي يوفرها لمستقبلهم، وهو ما من شأنه إحداث زخم غير مسبوق في أعداد الراغبين في خوض هذه التجربة خلال السنوات المقبلة. ويحتفي العالم غدا باليوم الدولي للرحلة البشرية الأولى إلى الفضاء الذي أقرته الأمم المتحدة ليكون بمثابة مناسبة سنوية للتأكيد على الإسهام الهام لعلوم وتكنولوجيا الفضاء في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وزيادة رفاه الدول والشعوب وكفالة تحقيق تطلعاتها إلى الحفاظ على استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية.
وتعد المناسبة فرصة سانحة لإبراز الرهان الأكبر لدولة الإمارات في هذا القطاع الحيوي، وهو صناعة جيل قادر على تعزيز ريادة الإمارات الإقليمية في هذا القطاع وحجز مقعد دائم في قائمة كبار صناع قطاع الفضاء حول العالم. واتخذت الإمارات منذ بداية برنامجها الوطني للفضاء قراراً هاماً يقضي بالاعتماد على الشباب الإماراتي والكوادر الوطنية في التخطيط وتنفيذ مهام البرنامج، والتي عملت على تدريبها وتأهيلها بالمعرفة والخبرات اللازمة لإدارة هذا المشروع الوطني الطموح.
وبرهنت الإنجازات الإماراتية في مجال استكشاف الفضاء على إبداع الكوادر الإماراتية، وعكست ما يتمتعون به من إمكانات وخبرات علمية متقدمة، بدأ من الإنجاز التاريخي لرائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري الذي كان اول رائد فضاء عربي يصل إلى محطة الفضاء الدولية، وصولا إلى نجاح مهمة مسبار الأمل الإماراتي ووصوله إلى المريخ بفضل جهود نحو 200 مهندس وباحث من شباب الدولة الذين نفذوا المطلوب منهم في 6 سنوات فقط منذ ولادة الفكرة إلى انطلاق المسبار. وتأتي المناسبة هذا العام تزامنا مع إعلان الإمارات عن اسمي رائدي الفضاء الإماراتيين الجديدين بينهما أول رائدة فضاء عربية.. نورا المطروشي ومحمد الملا لينضما إلى رائدي الفضاء هزاع المنصوري وسلطان النيادي، وليشكلوا معاً فريقاً رباعياً تحت مظلة برنامج الإمارات لرواد الفضاء، بما يدعم طموح الدولة في مجال استكشاف الفضاء.
وكان العالم شهد في 12 أبريل 1961 أول رحلة بشرية فضائية، عندما أنطلق المواطن السوفياتي "يوري غاغرين" إلى الفضاء الخارجي ليفتح بذلك السبيل أمام استكشاف الفضاء، ثم تبعه في عام 1963 مواطنته "فالانتينا تيريشكوفا" لتصبح أول امرأة تحلق في مدار الكرة الأرضية، ثم الأمريكي "نيل آرمسترونغ" الذي كان أول إنسان يطأ بقدمه سطح القمر في 20 يوليو1969، لتتواصل من بعدها الرحلات البشرية إلى الفضاء الخارجي حتى يومنا هذا.
ويجسد إعداد الإمارات لرواد الفضاء رؤية قيادة الدولة بتمكين الشباب من تصميم الخمسين عاماً القادمة، ويعد برنامج الإمارات لرواد الفضاء الذي أطلق عام 2017 محوراً جوهرياً في تحقيق هذه الرؤية الطموحة، إذ يهدف إلى بناء قاعدة معرفية وطنية من شباب وشابات الإمارات تعتمد عليهم الدولة لقيادة مشروعاتها المستقبلية المتقدمة في مجال الفضاء.
وبلغ عدد المتقدمين للدفعة الأولى من البرنامج 4022 شخصاً، وبلغ عمر أصغر متقدم 17 عاماً، والأكبر 67 عاماً، ووصل عدد تخصصات المتقدمين إلى 38 تخصصاً وتم ترشيح 95 شخصاً، تم اختيار 39 منهم ، ووصلوا إلى 18 مترشحاً ثم 9، وصولاً للإعلان عن أسماء هزاع المنصوري وسلطان النيادي، اللذين أصبحا أول رائدي فضاء إماراتيين.
وفي الدفعة الثانية من البرنامج التي اطلقت في عام 2019 بلغ عدد المتقدمين 4305 أشخاص، وخضع المتقدمون لمراحل تقييم وتصفيات عدة وفقاً للبروتوكولات المعمول بها عالمياً، حيث بلغ عدد المتأهلين من المرحلة الأولى 2099 مرشحاً، ومن ثم خضع المتأهلون للمرحلة الثانية التي تم في نهايتها اختيار أفضل 1000 متقدم خضعوا لمزيد من الاختبارات ضمن المرحلة الثالثة وتم اختيار أفضل 122 متقدماً، وفي المرحلة الرابعة من التقييمات، تم اختيار 61 مرشحاً للتأهل للمرحلة التالية والتي تضمنت فحوصات طبية أولية وفحوصات متقدمة، ليتم اختيار 30 مرشحاً انتقلوا بعدها إلى المرحلة الأخيرة التي أسفرت عن اختيار رائدي الفضاء الجديدين نورا المطروشي ومحمد الملا.
ولم تقتصر جهود الامارات في إعداد الكوادر البشرية في مجال علوم الفضاء على الإطار المحلي بل تعدته إلى الإطار العربي وذلك من خلال إطلاق برنامج "نوابغ الفضاء العرب" الذي أول برنامج تخصصي من نوعه في العالم العربي لتمكين كوادر مؤهلة تساعد المنطقة العربية على تسجيل حضور مستحق لها في مجال علوم وأبحاث واستكشاف الفضاء، والاستفادة من نتائجه لتعزيز التنمية في البلاد العربية وتطوير صناعات متقدمة في مجالات الفضاء والتكنولوجيا المستدامة.
ويخلق البرنامج فرصاً مستقبلية واعدة تعزز اقتصادات المعرفة والابتكار والصناعات الإبداعية في المنطقة، وقد وصل عدد المتقدمين إلى البرنامج بعد أسبوعين فقط على إطلاقه إلى نحو 37 ألفاً من الشباب العربي من الشغوفين بعلوم الفضاء وذوي الكفاءات العلمية والمبدعين والمبتكرين والمخترعين والباحثين، من مختلف الدول العربية.