«نهاية السوفياتية، بداية المشاكل»:

في مولدوفا، الغجر مؤيدون لفلاديمير بوتين...!

في مولدوفا، الغجر مؤيدون لفلاديمير بوتين...!

-- يسكنه الحنين إلى الماضي، الحدود اللغوية عند البارون أقل صرامة من حدود الدول
-- تدعي موسكو الاهتمام بمصير الغجر، لكنها تستخدمهم
-- من المفارقات: في المنفى، ما يقدّم للأوكرانيين يُرفض للغجر
-- بعد تأثرهم بجائحة استمرت عامين، تغير خطاب العديد من الغجر منذ بداية الحرب


   الغجر هم ضحايا الحرب في أوكرانيا أكثر من أي كان. فبالنسبة لهم، العدو في كل مكان ولا ملجأ في أي مكان.    بارون الروما في مولدافيا، يحدق في مملكته المفقودة. على بعد أقل من كيلومتر، على الجانب الآخر من نهر دنيستر، تنتصب أمامه أوكرانيا. “كان والدي ملكها... وروسيا أيضا، كان والدي ملكًا لجميع الغجر في الاتحاد السوفياتي. وكانت سوروكا عاصمتنا. لكن الاتحاد السوفياتي مات، وأنا، أرتورو سيراري، اليوم بارون مولدافيا.

   أرتورو يتحدث بهدوء وبدون مرارة، يتحدث ست لغات، وينتقل من واحدة إلى أخرى دون أن يقلق: فالحدود اللغوية أقل صرامة من حدود الدول. لم ينل الزمن من وجهه، فقط لحية بيضاء طويلة تذكّر بعمره. لئن رأى البارون أشياء كثيرة، فقد حافظ على نفسه. نظرته شديدة، تمتص، ولكن ما يراه يتركه كما هو.
   نبيل طيب، يروي أرتورو قصة شعبه: “كان شعبي غنيًا من قبل ... ثم عام 1991، كانت نهاية السوفياتية، بداية المشاكل، والآن تأتي الحرب. دائما الأسوأ بالنسبة لنا”. من حوله، على تلة سوروكا، تمثل روعة المساكن المتدهورة تدحرج مكانة غجر مولدافيا.

أسقف ذهبية أو فضية، وأعمدة ضخمة وتماثيل: مساكن تتنافس في الفخامة والضخامــــــة، لكن لا شيء انتهى.
 الأقمشة تطير في مهب الريح، والأنابيب تخرج من الخشب الرقائقـــي الــــذي لـم يـــــــدهن ابدا.
كل شيء وكأنّه مسودّة، خراب. كانت السنوات القليلة الماضية صعبة للغاية، وكان الانتهاء من الإنشاءات مستحيلاً.
   وقد أوضحت عائلة من الغجر أيضًا: “إذا تم الانتهاء من بناء أقل من 80 بالمائة من القصر، لسنا ملزمين بدفع ضريبة المسكن. لذلك نحن نعيش في منزل صغير أمامي”.

 في نهاية طريق ممهد بشكل سيئ، تقف نسخة هائلة من مبنى الكابيتول، غير مكتملة... وامامها، صاحبة المبنى تتسوّل لإطعام رضيعها.

المسألة الأوكرانية الشائكة
   قصر البارون هو الأكبر والأكثر إنجازًا من بين جميع القصور الموجودة على التل. نصب من الطوب يتكون من ثلاثة طوابق وسبعين غرفة. وبصفته بارونًا، يعمل أرتورو كقاضٍ لروما مولدوفا.
 يأتوه طلبا للنصيحة، وليحسم بينهم.
يقول البعض، إنه يستطيع اتخاذ قرار حتى بشأن عقد حفل زفاف. تشتهر العدالة المولدوفية، الرسمية، بأنها غير كفؤة، عندما لا تظهر أنها عدائية في الأساس. “وضعنا صعب في كل مكان، الجميع عنصريون، لكن مولدوفا دولة بها العديد من الامم، لذلك ما زالت الأوضاع أفضل”، ينسّب البارون.

   فيما يتعلق بالمسألة الأوكرانية، ينفعل البارون -دون أن يرفع صوته.
“إنه أمر فظيع، فظيع للغاية. الفاشيون الأوكرانيون يهاجمون الغجر.
زيلينسكي غبي، دمية بايدن والأمريكيين، وبوتين ذكي جدا، يقبّل أصابعه وهو يذكر اسم الرئيس الروسي.
   ما يقوله البارون هو أولاً الحنين إلى الاتحاد السوفياتي. كانت الحدود بين الجمهوريات السوفياتية أكثر قابلية للاختراق مما هي عليه اليوم، وكانت ســـوروكا مرتبطة بموسكو.

 غجر مولدافيا وغجر روسيا يشكلان نفس المجتمع.
 قامت السلطات في ذلك الوقت بإضفاء الطابع الرومانسي على “الروح الغجرية”. “لم تكن الشيوعية جيدة، الا ان الاشتراكية كانت ممتازة «.
   تجدر الاشارة أيضًا، الى أن عائلة البارون سيراري قد استفادت جيدًا من الاتحاد السوفياتي، أو بالأحرى من لبرلته: في الثمانينات، في قلب البيريسترويكا، وظفت تعاونية سيراري ما يصل إلى ألف شخص، وفي تلك الأوقات السعيدة، بدأ بناء قصور سوروكا.

   بعد الحنين إلى الماضي، تميزت بقية خطاب البارون بأساسيات الدعاية الروسية: “زيلينسكي يهودي ونازي! معا! هل تدرك!”.
انتهى الأمر بالبارون الى الحذر والتزام الصمت، والرفض أيضًا -ولكن بأدب شديد دائمًا: “وداعـــــــا، مع كل تحياتي، مسرور ...»
أوكرانيا، أرض معادية
   لم يرغب البارون في الإدلاء بشهادته، ولا حتى الاتصال بأحد ضحايا الجرائم التي ينسبها إلى الجيش الأوكراني.
ومع ذلك، فمن الصحيح أن اضطهاد الغجر في أوكرانيا له تاريخ طويل.

في مطلع عام 2000، تقرير صادر عن منظمـة الأمن والتعــــــاون في أوروبا، ذكر أوكرانيا من بين البـــــلدان التي يكـــون فيها الغجر أكثر عرضة للعنف.
   ويبدو أن هذه الأعمال قد زادت في السنوات الأخيرة.
 في 20 أبريل 2018، الذكرى السنوية لميلاد أدولف هتلر، نظمت مجموعة سي14 -وهي جماعة أوكرانية يمينية متطرفة -غارة على معسكر للغجر في كييف، هجوم بحجم مذبحة: طعن سبعة عشر غجريا ومات أحدهم متأثرًا بجراحه.
    أدت الحرب وزوبعة العنف إلى تفاقم الوضع.

 في 21 مارس، نُشرت على فيسبوك صورة للعديد من أفراد طائفة الروما مقيدين بأعمدة ورُشّت وجوههم بمطهر زيليونكا، الذي يستمرّ لونه الأخضر أسابيع حتى يختفي. اتّهم الغجر “بالنهب”؛ ومرتكبو هذه الافعال هم أعضاء جماعة “الصيادون”. تعمل منذ عام 2018 في لفيف، غرب أوكرانيا، تؤكد حركة الصيادين على فيسبوك أنها تريد “تطهير لفيف من اللصوص والظلم».
    بالإضافة إلى العمليات الاجرامية، فإن التمييز هو مؤسسي وعلى جميع المستويات. سواء تعلق الأمر بتوزيع المواد الغذائية أو عبور الحدود، فإن الغجر يمرّون بعد الأوكرانيين. وحتى في المنفى، تستمر العنصرية. بالنسبة للاجئين في كيشيناو، عاصمة مولدوفا، فقد طُلب فصل الصالات الرياضية: واحدة للأوكرانيين وواحدة للروما.
   وفي جمهورية التشيك، كان على عائلات الغجر المنفيين مواصلة هروبهم أبعد، وانتهى الأمر بالسكان الى مهاجمتهم. إذا لم يكن هذا النوع من الاضطهاد جديدا حقا على الروما، فهو يرتبط الآن بازدواجية لا تطاق: ما نقدمه للأوكرانيين، لماذا نرفضه للغجر؟

وهم الفاشية
   تتضخم هذه الأصداء المؤلمة بشكل أكبر حيث يتحدث الروما في سوروكا بشكل أساسي اللغة الروسية، ونادرًا ما يتحدثون الرومانية، وهي اللغة الرئيسية لمولدافيا. لذلك يشاهدون تلفزيون موسكو هنا.
 وبعد تأثرهم بجائحة استمرت عامين، تغير خطاب العديد من الغجر منذ بداية الحرب.
   ينظف فلاد قصرًا ليس بعيدًا عن قصر البارون.
 الشاب، الاسمر وممتلئ الجسم، يعيش في تيتانيك -كتلة من المباني مزدحمة بأفقر الغجر في سوروكا.
 يتأكد من أن صاحب القصر لا يراقبه ويقترب من البوابة ليخبرنا بما لم يعد يستطيع تحمّل كتمانه. “أوكرانيا هي قوى الشر، وبوتين يريد فقط السلام، يريد منع الحرب النووية ونهايــــــة العالم... هــــــــل تعلـــــــــم أن الأمريكيين ابتكـــــروا كوفيــــد في مختبــــــــرات أوكرانيا؟».

   إنّ تهمة بوتين بـ “النازية الأوكرانية”، وجدت صداها عند الغجر. ظهر فجأة ما لم يتم تناوله من قبل: “يريد الفاشيون البدء من جديد! يريد الفاشيون البدء من جديد! “ يكرر فلاد دون أن يضع اسمًا على ماذا... وتمسك يداه بالبوابة بقوة حتى ازرقّت.
   ومع ذلك، فإن روسيا ليست ملاذ سلام للغجر. أشار الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان عام 2008 إلى عمليات طرد منهجية وقع ضحيتها الغجر. عام 2014، أُجبرت الجمعية الوحيدة التي تمنح مساعدة قانونية إلى الروما الروس على الإغلاق لأنها اعتُبرت “عميلًا أجنبيًا”. وأعقب مقتل غجري عام 2019 فرار ألف منهم من منطقة شيمودانوفكا ...

    عندما تدعي موسكو أنها تهتم بمصير الغجر، فإنها تستخدمهم. ولئن تم نشر صورة الغجر المقيّدين في أعمدة مدينة لفيف على نطاق واسع من قبل وسائل الإعلام الموالية لروسيا، فقد تم تغيير المجموعة العرقية ومكان الضحايا.
ويُقرأ التعليق الآن “شابات روسيات يستخدمن كدروع بشرية في ماريوبول».
   ان اعلام فلاد بكل هذا لا فائدة منه. انه يبقى على الجانب الآخر من البوابة، ووجهه كما لو كان خلف القضبان.
 امامه، تنتهي أوكرانيا حيث يتدفق نهر دنيستر بهدوء. لا يؤمن الشاب بإمكانية الخير بل بإمكانية وجود شر أبعد بكثير، وليس الان. قطعة صغيرة من الأفق أهون الشرور.