قانون «منع زواج المهاجرين غير النظاميين» يشعل البرلمان الفرنسي

قانون «منع زواج المهاجرين غير  النظاميين» يشعل البرلمان الفرنسي


قال خبراء في الشأن السياسي الفرنسي إن اليمين المتشدد في فرنسا، بقيادة النائب إريك سيوتي، يسعى إلى فرض أجندته داخل الجمعية الوطنية من خلال مقترحات قانونية مثيرة للجدل، أبرزها منع زواج الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية. يأتي ذلك، في سياق محاولة إحداث تقارب برلماني غير مسبوق بين أجنحة اليمين المختلفة، واختبار مدى استعداد أحزاب الوسط القريبة من الرئيس ماكرون لمجاراة هذا التوجه، خاصة مع حساسية ملف الهجرة.

أجندة برلمانية مشحونة
وضمن ما يعرف بـ»النوافذ التشريعية الخاصة»، استغل حزب «اتحاد اليمين للجمهورية» بقيادة إريك سيوتي هذه الفرصة لعرض سلسلة مقترحات أمام البرلمان يوم الخميس، في محاولة لخلق إجماع يميني يمتد من الجمهوريين إلى حزب «أفق» وكتلة «النهضة» المؤيدة للرئيس ماكرون.
ومن أبرز هذه المقترحات، قانون يهدف إلى منع زواج الأجانب ممن هم في وضعية غير نظامية، في خطوة تستهدف حسب مروّجيها «مكافحة الزواج الأبيض أو الزواج القسري». 
وتم إعداد النص مسبقًا في مجلس الشيوخ، ثم أعيد تقديمه تحت مظلة «اتحاد اليمين للجمهورية»، ما أثار توترًا داخل أوساط الكتلة الموالية لماكرون، التي وجدت نفسها محرجة سياسيًا، بحسب صحيفة «لوفيغارو».

أنصار ماكرون في مأزق
وفي نقاش داخلي كشف عنه نواب من كتلة «معًا من أجل الجمهورية»، أعرب بعض البرلمانيين عن انزعاجهم من كون المبادرة جاءت من معسكر سيوتي، رغم أن الرئيس ماكرون نفسه وعد خلال مناظرة تلفزيونية مع السياسي اليميني روبير مينار، بالتشريع في هذا المجال، بعد قضية أثارها رئيس بلدية بيزييه، الذي رفض تزويج جزائري خاضع لأمر ترحيل. وقال النائب عن كتلة «النهضة»، لودوفيك منديس: «كلنا ضد زواج الأجانب الخاضعين لأوامر الترحيل، لكن المشكلة أن النص الحالي يحتوي على مادة أولى غير دستورية. نحتاج إلى إعادة صياغة دقيقة لتجنب رقابة المجلس الدستوري». لكن أي تعديل على النص سيعني إعادة إرساله إلى مجلس الشيوخ، ما قد يؤدي إلى تعطيل المسار التشريعي وإجهاض فرص تمريره في الدورة الحالية، وهو ما يرفضه حزب سيوتي، الساعي إلى تحقيق نصر رمزي واضح.

 استثمار الفجوات القانونية
وفي هذا الصدد، قال الخبير السياسي المتخصص في سياسات الهجرة واليمين الجمهوري، باتريس دارمون، إن سيوتي يستغل بذكاء ما يعتبره «ثغرة تشريعية» لتوسيع نفوذه. وأضاف دارمون، لـ»إرم نيوز»، أن «هذا النوع من المقترحات، وإن لم يُكتب له النجاح الآن، يشكل جزءًا من استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى جر الوسط السياسي نحو مواقف أكثر تطرفًا في ملف الهجرة، تحت غطاء مكافحة الانتهاكات القانونية». بدورها، ترى الباحثة في القانون الدستوري، إليزابيث تورنيه، أن النص يعاني هشاشة قانونية واضحة، حيث «صيغة المادة الأولى  التي تحظر الزواج لمن هم في وضع غير قانوني، تصطدم بمبادئ أساسية في الدستور الفرنسي والاتفاقيات الدولية». وأكدت تورنيه، أن «محاولة تمرير هذه الصيغة دون مراجعة ستكون مخاطرة قانونية وسياسية».

اختبار للتماسك السياسي
كما رأت تورنيه أن الخطوة البرلمانية التي يقودها إريك سيوتي ليست مجرد مبادرة تشريعية، بل هي اختبار فعلي للتماسك السياسي في فرنسا، ولمدى قدرة الوسط الحاكم على الاحتفاظ بمسافته من خطاب اليمين المتشدد. 
 وحذرت من أنه إذا نجح اليمين في فرض أجندته التشريعية أو على الأقل دفع خصومه نحو تبني بعض مواقفه، فإن المشهد السياسي الفرنسي سيكون مقبلًا على مزيد من الاستقطاب، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2027.

اليسار يرد بغضب
وفي الجهة المقابلة، شنت النائبة عن حزب «فرنسا الأبية»، كلير لوجين، هجومًا لاذعًا على مقترحات سيوتي، ووصفتها بأنها «نسخة متطرفة من اليمين، لا تخجل في الذهاب أبعد حتى من التجمع الوطني». وأضافت أنه «من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيتفاعل البرلمان مع هذه النصوص، لأنها ستكشف لنا إلى أي مدى باتت الحدود بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف غير واضحة»

قضايا أخرى 
على جدول اليمين
وإلى جانب ملف الزواج، طرح حزب سيوتي مقترحات أخرى تتعلق بإجبار السجناء على المساهمة في تكاليف سجنهم، وفرض حد أدنى من العقوبات على الجرائم المرتكبة ضد عناصر الأمن. وهذه النصوص ذات طابع شعبي في أوساط الناخبين المحافظين، لكنها تصطدم بمعارضة شديدة من اليسار، الذي يرى فيها «شعبوية عقابية».