قانون الحوافز الانتخابية في العراق.. مخاوف من «زبائنية» جديدة

قانون الحوافز الانتخابية في العراق.. مخاوف من «زبائنية» جديدة


أحدث مقترح قانون «الحوافز الانتخابية»، الذي طُرح للنقاش في البرلمان العراقي ، موجة من الجدل والغضب بين الأوساط الشعبية، إذ يسعى القانون إلى منح الناخبين المشاركين في الاقتراع امتيازات مالية ومعنوية، في محاولة لتحفيز المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة أواخر عام 2025.
ويشمل المقترح، الذي قدمه النائب عامر عبد الجبار، مجموعة من الامتيازات الموجهة للناخبين المشاركين، حيث ينص على إضافة ستة أشهر إلى مدة خدمة الموظفين المدنيين والعسكريين الذين يشاركون في الانتخابات، إلى جانب منح أولوية في التعيين للناخبين المصوّتين مقارنة بالذين امتنعوا عن المشاركة.
ويتضمن تخصيص امتيازات خاصة للناخبين المصوّتين الذين يستفيدون من خدمات الضمان الاجتماعي، حيث يتم منحهم أولوية في تسهيل معاملاتهم فضلاً عن إعفاءات ضريبية بنسبة 10% للعاملين في القطاع الخاص.
وبدوره، قال النائب عامر عبدالجبار، الذي قدم القانون، إن «المشاركة الحقيقية في الانتخابات العراقية لا تتجاوز 20%، إذ إن 15% منها تمثل جمهور الأحزاب التقليدية، و5% تذهب للمستقلين، بينما تمثل النسبة المتبقية ما يتم تسجيله من عمليات تزوير، ما يعني أن 80% من العراقيين يقاطعون الانتخابات، وهذه النسبة تتألف غالباً من شريحة واعية ومثقفة، لكنها تعاني من إحباط شديد يدفعها لعدم المشاركة».
وأوضح عبدالجبار لـ»إرم نيوز»، أن «العراق بحاجة إلى تغيير جذري في العملية السياسية، لكن هذا التغيير يجب أن يتم بعيداً عن العنف، ولتحقيق ذلك، يجب تحفيز نسبة الـ80% المقاطعة للمشاركة في الانتخابات، لكن ما يمنعهم هو الشعور بعدم جدوى المشاركة الفردية»، مشيرًا إلى أن «الحل يكمن في إحداث صدمة إيجابية وحقيقية تدفع هذه الشريحة إلى التحرك وإعادة الثقة في العملية الديمقراطية». وفي المقابل، لاقى المقترح اعتراضات شديدة من المراقبين، الذين اعتبروا أن منح امتيازات للمصوتين يتناقض مع مبادئ المساواة بين المواطنين، ويؤسس لعملية زبائنية، تقوم على الدفع مقابل الصوت، محذرين من تداعيات مالية محتملة قد تترتب على هذه الامتيازات.
بدوره، رأى المحلل السياسي علي السامرائي، أن «مقترح قانون الحوافز الانتخابية يؤسس لنظام زبائني يسعى لاستمالة الناخبين من خلال تقديم امتيازات مادية ومعنوية، بدلاً من معالجة المشكلات الجوهرية التي تسببت في عزوف المواطنين عن المشاركة الانتخابية»، مشيرًا إلى أن «هذا النهج لا يعكس سوى محاولة لتجاوز الأزمات السياسية بشكل سطحي».
وأوضح السامرائي لـ»إرم نيوز»، أن «معالجة تدني نسب المشاركة الانتخابية لا تتحقق عبر شراء الولاءات، بل تتطلب جهوداً حقيقية من الكتل السياسية لإعادة بناء العلاقة مع المواطنين، وتقديم برامج سياسية واضحة وقابلة للتطبيق، تهدف إلى تحسين الخدمات العامة، ومحاربة الفساد المستشري، وخلق فرص العمل». وفي السنوات الأخيرة، تراجعت معدلات المشاركة في الانتخابات العراقية بشكل ملحوظ، حيث سجلت انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023 نسبة مشاركة لم تتجاوز 41‌%، بينما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية لعام 2021 حوالي 44‌%، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على تنامي حالة الإحباط الشعبي وتراجع الثقة في جدوى العملية السياسية.
وتصاعدت المخاوف من أن يؤدي هذا القانون إلى تعزيز ثقافة المحسوبية والمحاباة في بلد يعاني أصلاً من تفشي هذه الظواهر، حيث يُخشى أن تُستخدم الامتيازات المقترحة لخدمة مجموعات محددة بناءً على الولاءات السياسية أو المناطقية، مما يشكل تهديداً مباشراً لمبدأ المساواة بين المواطنين ويزيد من تعميق الانقسامات داخل المجتمع.
ورأى المختص في الشأن الانتخابي، أحمد العبيدي أن «مقترح قانون الحوافز الانتخابية يحمل العديد من المساوئ الفنية»، مشيرًا إلى أنه «يفتقر إلى آليات واضحة لضمان شفافية التنفيذ وتجنب التلاعب، كما أن عملية توثيق مشاركة الناخبين، واحتساب هذه المكافأة قد يفتح المجال لثغرات تؤدي إلى إضعاف مصداقية العملية الانتخابية».
وأضاف العبيدي لـ»إرم نيوز»، أن هذا القانون يعكس إشكاليات فكرية عميقة، حيث يروج لفكرة شراء الأصوات بدلاً من تعزيز الوعي السياسي وتشجيع المشاركة الطوعية»، معتبرًا أن «مثل هذه التشريعات تُضعف من أسس الديمقراطية وتُكرّس ممارسات سيئة تفقد الانتخابات قيمتها كوسيلة للتغيير».