غياب الشفافية والأخبار المفبركة تحولت إلى ثقافة

كورونا جزء من المشهد... الكذب أساس مؤسسات النظام الإيراني

كورونا جزء من المشهد... الكذب أساس مؤسسات النظام الإيراني


تطرق بروفسور علم الاجتماع في جامعة باريس 13 سعيد بيفاندي إلى خمس فرضيات تشرح كذب وتناقضات النظام الإيراني حول تفشي فيروس كورونا. وكتب في “راديو فاردا” أن مقاربة النظام لإدارة أزمة كورونا اتسمت بالفوضوية والسرية والأكاذيب.
ونفى المسؤولون الإيرانيون بداية وجود المرض ثم رفضوا فرض الحجر على قم والمزارات الدينية. تبع هذا السلوك نشر أخبار مزيفة فأدى ذلك إلى تفشي الفيروس في أنحاء أخرى من البلاد. بعد كل هذا الغموض والتناقض، يعتقد الإيرانيون أن الحكومة تخفي ما تعلمه عن الوباء وحجمه.

قلة تصدق النظام
بعد ثلاثة أشهر تقريباً على انتشار كورونا، لا يزال الجميع جاهلاً بمصدر الفيروس وما إذا كان صحيحاً أن طلاباً صينيين مسلمين نقلوه إلى الحوزات الدينية وأي دور لعبه المسؤولون ورجال الدين والقوات الأمنية والعسكرية في نشر الفيروس حين كان في مرحلته الأولى. تنشر الحكومة يومياً أرقاماً عن عدد الإصابات والوفيات لكن قلة داخل أو خارج البلاد تصدق هذه الأرقام. حتى منظمة الصحة الدولية شككت بصحتها. وأحياناً، تبدو التناقضات والأرقام المفبركة فاقعة لدرجة أن الحكومة تظهر وكأنها لا تأبه بما إذا كان ما تقوله قابلاً للتصديق.

حتى مؤسساته
 لا تصدق بعضها
ليس الشعب الإيراني وحده الذي لا يصدق أرقام الحكومة. إنّ مؤسسات رسمية مثل مركز الأبحاث البرلماني والكليات الطبية والمستشفيات المنتشرة في المحافظات تنشر غالباً أرقامها الخاصة ذاكرة أن الأرقام الرسمية ليست دقيقة. وتمارس الحكومة الرقابة حتى على المقابر والمستشفيات والمسؤولين الصحيين الإقليميين الذين يحاولون إعطاء إحصاءات دقيقة حول عدد الوفيات. عوضاً عن محاولة تفسير ما هو غامض، تعتقل الحكومة وتسكت الذين يشككون بالحصيلة الرسمية.

فرضيات عدة
وفقاً لفرضية بيفاندي الأولى، أخفت الحكومة الأرقام الفعلية بضعة أسابيع لأسباب سياسية خوفاً من أن يتناقص الإقبال على الانتخابات. تكمن الفرضية الثانية في كون ما يراه الإيرانيون هو رأس جبل الجليد الذي يكشف التوترات ضمن هيكليات الدولة. يشير بيفاندي إلى النزاع بين الحكومة الرسمية التي يرأسها روحاني والحكومات الخفية التي تمثل مراكز القوى الدينية والعسكرية إضافة إلى الإدارة الواسعة التي يرأسها المرشد الأعلى علي خامنئي. ومن بين الأسباب المحتملة لإخفاء أو التقليل من حجم الأزمة هو غياب الكفاءة الحكومية المترافق مع خوف من اضطرابات اجتماعية واقتصادية بعد نهاية الوباء.

أي احتمال هو الصحيح؟
يتابع بيفاندي ذاكراً فرضية رابعة تتعلق بوقوع المسؤولين الإيرانيّين في كذبتهم الأولى وعدم قدرتهم على التراجع عنها، مما يدفعهم للاستمرار في المزيد من الأكاذيب. ومن المحتمل أيضاً أن الحكومة الإيرانية، وكما كان الأمر في العديد من الحالات الأخرى، وقعت ضحية جنون الارتياب الخاص بها. يعتقد النظام أن “الأعداء” قد يستفيدون من الوضع إذا كشفوا الحقيقة عن الوباء. لا يعني ذلك أن واحدة فقط من هذه الفرضيات هي الصحيحة. بإمكان جميع الفرضيات الخمس أو مزيج منها شرح سلوك الحكومة.

سمة النظام الإيراني
إن غياب الشفافية هو سمة من سمات النظام الإيراني. وهذا ليس جديداً. لقد رأى العالم ذلك في العديد من المناسبات كما في تظاهرات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 أو بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية في يناير (كانون الثاني) الماضي. بعد أشهر على الحدثين اللذين خطفا حياة المئات، لم تدلِ الحكومة بالحقيقة. لا أحد يعرف عدد الذين قتلوا في تظاهرات نوفمبر ولماذا تم إطلاق النار عليهم لقتلهم أو ما إذا تم استجواب قتلتهم. ولا أخبار عن تحقيقات تقنية في إسقاط الطائرة الأوكرانية. احتجزت إيران الصندوق الأسود ورفضت إعطاءه إلى أوكرانيا.

ثقافة غياب
الشفافية والاحترام
أضاف بيفاندي أن غياب الشفافية أصبح ثقافة أضرت بثقة الشعب الإيراني بحكومته. يعود السبب جزئياً إلى الحكومة الخفية المسؤولة عن العديد من الســـــيئات لكنــــــها لا تحاسَب عليها.
 لا تأخذ الحكومة شرعيتها من الشعب ولذلك هي لا تظهر أي احترام له أو لرفاهيته.
 هي لا تفهم الحقوق المدنية. لا تدعو الهيكلية السياسية في إيران إلى المحاسبة ولا تشجع عليها. الرجل الأقوى في النظام هو المرشد الأعلى الذي يتخذ كل القرارات المهمة لكنه لا يحاسب عليها.
وفقدت جميع المؤسسات المنتخبة كالرئاسة والبرلمان جميع سلطاتها.

قبح الخداع
نتيجة لغياب الشفافية أصبح الكذب والسرية من صلب بنية البيئة السياسية الإيرانية. ومن أجل أن يبقى المسؤول في الحكومة، عليه غض النظر والتزام الصمت. لا أحد منزعجاً من قبح الخداع. وكتب بيفاندي أن غياب الشفافية والأخبار المفبركة تحولت إلى ثقافة تجعل العقد الأخلاقي بين المجتمع والحكومة يتآكل ويعجل في تآكل الشرعية المؤسسية. لهذا السبب، لا يثق أحد بالحكومة وإعلامها ويبحث الجميع عن مصادر أخرى للمعلومات.