يعاني تراجعاً كبيراً في الأموال التي تصله من طهران

كورونا والانهيار الاقتصادي يضيّقان الخناق على حزب الله

كورونا والانهيار الاقتصادي يضيّقان الخناق على حزب الله


فتك فيروس كورونا بالبشر دون تمييز وأدى في بعض المناطق إلى تعاون بين أطراف متناحرة، وتتمثل إحدى نتائجه في الشرق الأوسط، في خلو الساحات العامة في عدد من عواصم المنطقة من تظاهرات حاشدة خرجت طوال أشهر.
ورغم ذلك، يرى جوناثان سباير، مدير مركز الشرق الأوسط للتحرير والتحليلات، وباحث لدى منتدى الشرق الأوسط، أن الفيروس وفر دعماً لبعض الأنظمة الاستبدادية في بعض دول الشرق الأوسط، وخاصة إيران والعراق ولبنان التي شهدت في بداية 2020، احتجاجات واسعة النطاق ضد سوء الإدارة والفساد. وفرقت قوة غاشمة الاحتجاجات في إيران، فيما وضع الفيروس لها نهاية فورية في كل من العراق ولبنان.
ولكن، وحسب سباير، استعادت الاحتجاجات زخمها في لبنان، وهناك مؤشرات قوية أن السياسات التي وضعت كنتيجة للفيروس باتت تفاقم اليوم الغضب الشعبي، عوض احتوائه.

أزمة عميقة
وحسب كاتب المقال، وصل الفيروس إلى لبنان في وقت يواجه فيه أزمة عميقة في ظل دولة فاشلة واقتصاد منهار. فقد وصل حجم الدين العام إلى 170% من الناتج الإجمالي العام لسنة 2019. ولأول مرة في تاريخه، تخلف لبنان، في مارس- آذار 2020 عن سداد ديونه. وعلقت الحكومة، في ذلك الشهر، دفع 1.2 مليار دولار، مستحقة في 9 مارس.
ومع تراجع قيمة العملة اللبنانية، سعت المصارف لحماية نفسها، وتجنب تزاحم على سحب الودائع، عبر تقييد سحوبات الدولار وسواها من العملات الأجنبية. وقد رفع ذلك من حجم العبء على اللبنانيين، وأثار غضبهم.
وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 50% من قيمتها خلال الأشهر الستة الأخيرة. ورفضت الحكومة إضفاء الطابع الرسمي على ضوابط العملة التي فرضتها البنوك.
 ونتيجة لذلك، تمكن الأثرياء من اللبنانيين والنافذون من الوصول إلى أموالهم وتحويلها. وأعلن رئيس الوزراء حسان دياب الأسبوع الماضي، أنه في شهري يناير وفبراير” كانون الثاني وشباط”، تم تحويل 5.7 مليارات دولار خارج المصارف اللبنانية.
هيمنة
ويعتقد الكاتب أن الهيمنة الحالية لحزب الله المدعوم من إيران مع حلفائه على النظام السياسي اللبناني ساهم كذلك في تدهور الوضع. ومنذ انتخابات مايو” أيار” 2018، سيطر حزب الله وحلفاؤه علانية على المجلس النيابي والفروع التنفيذية في الحكومة. ويعد حزب الله قوة مهيمنة في كتلة تتكون من 74 مقعداً من أصل 128 مقعداً في البرلمان اللبناني، و19 من 30 حقيبة وزارية. ويسيطر الحزب مباشرة على وزارة الصحة العامة، ويعتقد أن وزير الصحة، محمد حسن، هو الطبيب السابق للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
ووفقاً للكاتب، أدت سيطرة حزب الله- إيران المتزايدة على لبنان لتراجع حاد في الاستثمارات الأجنبية خلال العقد الأخير. وكانت السعودية والإمارات من الشركاء الرئيسيين للبنان، لكنهما خفضتا بقوة استثماراتهما فيه خلال السنوات الأخيرة. ولم يعد يجد لبنان الخاضع لسيطرة حزب الله من ينقذه من انهيار اقتصادي وعجز عن سداد الديون، كما فعل حكام الخليج سابقاً. كما لم يعد لدى أسياد طهران المقيدين بالعقوبات فائضاً من المال.

تخفيض حاد
وفي حقيقة الأمر، يعاني حزب الله نفسه تراجعاً كبيراً في الأموال التي تصله من طهران. وأدت العقوبات الأمريكية والحاجة الماسة للاستجابة لأزمة كوفيد- 19 لاضطرار طهران إلى  خفض كبير في تمويلها له.
واستجاب لبنان في وقت مبكر لأزمة كوفيد-19. وأغلق البرلمان في 8 مارس( آذار)، وكذلك المدارس والجامعات ومراكز التسوق والمؤسسات العامة. وفرض حظر تجول شديد في ساعات الليل، وتنصح السلطات اللبنانيين مواطنيها بملازمة بيوتهم أثناء النهار.
ولكن مزيجاً من قيود فرضتها البنوك بشدة على حياة اللبنانيين، وأزمة اقتصادية موجودة من قبل، وعزلة دولية جراء هيمنة إيران- حزب الله على البلاد، وتدهور مستويات المعيشة نتيجة جهود صارمة لاحتواء كوفيد-19، أدت لعودة الاحتجاجات الشعبية في الأيام الأخيرة.

وضع متأرجح
وخرجت أكبر الاحتجاجات في طرابلس، مدينة فقيرة في شمال البلاد غالبية سكانها من السنة. وشهدت أيضاً مدن بيروت وصيدا والنبطية وعكار والبقاع تظاهرات. وكان متوقعاً أن تكون البنوك محط غضب المحتجين الذين أحرقوا ونهبوا عدداً من المصارف.
ويرى الكاتب أن الاحتجاجات الحالية تختلف عن تلك التي سبقت الوباء في طبيعتها العنيفة الأكثر صدامية. فقد اتسمت الاحتجاجات السابقة بتجنب الصدامات مع ممثلي الدولة، على خلاف ما كانت عليه في العراق وإيران. ولكن تغير اليوم الحال، وهو ما عبرت عنه سيدة بيروتية بقولها إن “عناصر الجيش ليسوا إخوة لنا. إنهم يطلقون النار علينا لحماية السياسيين».
وفي الوقت الحالي، يبقى الوضع متأرجحاً، ولكن لا يبدو أن الاحتجاجات ستختفي قريباً. وفيما يحتمل الاتفاق على إصلاحات مؤقتة، من الصعب معرفة كيفية معالجة المشاكل العميقة في لبنان دون إجراء إصلاح شامل للنظام الذي ستقاومه أقوى القوى فيه.