تعود في أصولها إلى آلاف السنين

كوفيد -19 يهزّ تقاليد السنة الصينية الجديدة...!

كوفيد -19 يهزّ تقاليد السنة الصينية الجديدة...!

-- أوصت الحكومة الصينيين بعدم السفر، في مناسبة كان يسافر فيها أكثر من ثلاثمائة مليون شخص
-- شـاهد ما يقـرب من 900 مليون صيني ليـلة رأس الســنة الجديـدة على التلفزيـون أو الهاتف الذكي
-- منذ عام 2015، تــم حظــر ممارسة الألعاب النارية من قبــــل الحكومــة الصينية
-- وجد العديد من العرافين في البلاد صعوبة في توضيــح كيف ســتبدو الأشـــهر القـادمــة
-- لا تعــارض الســلطة الشــــيوعية الملحـــدة والمعادية للخرافات كل طقوس السنة الجديدة


    يمكن القول إنه لا توجد سنة جديدة في تاريخ الصين تشبه 12 فبراير الجاري. ويبدو أن العديد من العرافين في البلاد وجدوا صعوبة مؤخرًا في توضيح كيف ستبدو الأشهر القادمة. لا يوجد تاريخ محدد لمهرجان الربيع (تشونجي، باللغة الصينية): فهو يتغير كل عام وفقًا للتقويم القمري-الشمسي التقليدي، المبنيً على دورات القمر والشمس. ومثل كل اثني عشر عامًا، غادر العالم الصيني عام الجرذ ليدخل عام الثور. وإذا كان الجرذ يرمز إلى التجديد، فإن علم التنجيم الصيني يقدم الثور باعتباره منهجيًا وصافيا ويؤدي إلى العمل بحماسة نحو مشاريع مبتكرة.

   ومع ذلك، في بداية عام 2021، كان الشاغل الرئيسي للسلطات الصينية هو منع عودة وباء كوفيد -19. وقبل شهرين، كانت هناك انذارات. في يناير، تم اكتشاف بؤرة للعدوى في منطقة هيبي، جنوب بكين، مما أجبر السلطات على فرض حجر صحي على عشرين مليون نسمة. ثم، في 4 فبراير، تم اكتشاف خمس حالات في البلاد. في 12 فبراير، وصلت العدوى إلى اثني عشر شخصًا جديدًا. وبعض هؤلاء المرضى لم يسافروا مؤخرًا إلى الخارج، الأمر الذي يحير الدوائر الطبية الصينية.

وحتى إذا كانت أعداد المتضررين أقل بكثير من تلك السائدة في الغرب، فإن السلطات الصينية تريد تقييد الاختلاط الواسع للسكان الذي يحدث كل عام في وقت تشونجي.
   أيضًا، بمناسبة العام الجديد 2021 والأسبوع الذي يرافقه، أوصت الحكومة الصينيين بالبقاء في المنزل وعدم السفر. في سنوات أخرى، يسافر أكثر من ثلاثمائة مليون شخص في هذه المناسبة. البعض -عشرات الملايين، أقلية في الصين -يأخذون إجازة مدتها أسبوع في الخارج، وخاصة في الدول الآسيوية. لكن العدد الأكبر عادوا إلى مناطقهم الأصلية والتحقوا بعائلاتهم. وهذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة للعمال النازحين، هؤلاء السكان الريفيين الذين جاؤوا بمفردهم للعمل في المدينة، ويعتبر عيد الربيع مناسبتهم الوحيدة في العام لرؤية أسرهم.

تقليد الألعاب النارية
   عام 2021، السفر غير محظور ولكن لا ينصح به رسميًا. وكمثال على ذلك، أعلن قادة الحزب الشيوعي أنهم لن يتركوا المدينة التي يقيمون فيها. وتم إلغاء العديد من الرحلات الداخلية، وكذلك رحلات القطار، وردّ الحجوزات المسبقة. علاوة على ذلك، لتثبيط المرشحين عن الرحلات إلى المقاطعات البعيدة، ظهرت لافتات كبيرة في المدن: “إذا عدت مريضًا، فأنت تفتقر إلى طاعة الوالدين”، أو حتى: “إذا أصبت والديك بالعدوى، فذلك لأنك فاقد للوعي تمامًا».
    هذه القيود على الحركة، تسببت في استياء سكان الحضر، وخاصة بين العمال المهاجرين. ومن هنا بعض المزايا التي تقدمها بعض البلديات. يمكن أن يكون دفتر خصم على المشتريات في المتاجر الكبرى أو، كما هو الحال في شنغهاي، رعاية طبية مجانية. وفي بعض الحالات، بناءً على أقدمية العامل في المدينة، يُعرض عليه تسوية وضعه الإداري والحصول على تصريح إقامة يتيح له الاستفادة من العديد من المزايا الاجتماعية.    

أما بالنسبة لأولئك الذين قرروا، رغم كل شيء، ركوب قطار أو طائرة، فيجب عليهم أولاً الخضوع لاختبار كورونا. ثم اجراء آخر في مكان وجهتهم. بعد ذلك، عندما يعودون إلى المدينة، سيتعين عليهم الخضوع لحجر صحي صارم للغاية، وعدم الخروج على الإطلاق طيلة أسبوعين. نتيجة لذلك، منذ 8 فبراير، كان هناك 60 بالمائة من المغادرين أقل. القطارات، التي عادة ما تكون مزدحمة خلال تشونجي، نصف فارغة هذا العام. ففي عام 2019، تم إجراء حوالي ثلاثة مليارات رحلة، وتوقعات عام 2021 هي 1.15 مليار فقط.
   في هذه السنة الجديدة، لم يُستأنف تقليد الألعاب النارية في الصين. حتى عام 2015، كانت تضيء بضجيجها ليلة رأس السنة وطوال الأسبوع التالي. وتزعم الخرافات القديمة أن الضجيج يدفع الوحوش للهروب بعيدًا، وخاصة نيان الرهيب الذي اشتهر بالتهام القطعان والقرويين. ويُظهر رمي رشقات نارية تصم الآذان حجم الثراء. في بكين، أخرج السكان من سياراتهم صناديق تحتوي على أعواد يتردد صداها وتضيء السماء مثل الألعاب النارية الصغيرة.

ضجيج معتدل
   منذ عام 2015، تم حظر ممارسة الألعاب النارية من قبل الحكومة الصينية. فإلى جانب الحوادث التي نتج عنها العديد من الإصابات الخطيرة والوفيات في بعض الأحيان، كان تراكم الدخان في تناقض تام مع سياسة البيئة الصحية. ناهيك عن الضجيج الذي يصم الآذان ويبلغ ذروته عند المرور للعام الجديد. عام 2021، هذا الضجيج معتدل. ان شراء الالعاب النارية غير محظور ولكن استخدامها لا يزال محدودا. وذكرت الصحف، مع ذلك، أن حريقًا كبيرًا دمّر جزئيًا قرية في مقاطعة هيبي.

   في كل الاحوال، في كل مكان في الصين، ليلة رأس السنة الجديدة، هي مناسبة الولائم مع الرافيولي والأسماك وكعك الأرز الدبق. في الأيام التالية، تذهب العائلات إلى المعابد حيث يمكن للجميع التعبير عن أمانيه بحرق باقات البخور. في كل مكان تقريبًا، ولكن بأعداد محدودة هذا العام، يتم تنظيم الاحتفالات، ولا سيما رقصات الأسد حيث، على أصوات الطبول، يقوم راقصون، يغطيهم رأس أسد ضخم وزي بأهداب طويلة صفراء وحمراء، بكل أنواع الألعاب البهلوانية.

   في بكين، في معبد السماء، يعاد عرض وصول الإمبراطور وحاشيته في القرن الثامن عشر من قبل ممثلين يرتدون أزياء تلك الحقبة. وأظهرت أخبار التلفزيون الصيني أيضًا أن الآلاف من سكان ووهان، المركز الأول لفيروس كورونا في الصين، احتفلوا بالعام الجديد وسط المدينة.    لا تعارض السلطة الشيوعية، الملحدة والمعادية للخرافات، كل طقوس السنة الجديدة هذه، بل على العكس من ذلك، يتم تسليط الضوء على الاحتفالات الجماعية التي تمثل الصين العظيمة والموحدة.

  يصاحب شي جين بينغ، رئيس الجمهورية والأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، العام الجديد بمخاطبة السكان. في 4 فبراير، أثناء زيارة تفقدية لمقاطعة قويتشو، جنوب غرب البلاد، قدم تقييمًا إيجابيًا للعام الماضي: “كان عام 2020 استثنائيًا... كانت هناك عاصفة عنيفة وحاربناها بشجاعة ونجاح».
      ثم في 10 فبراير، في بكين، خلال حفل استقبال في قصر الشعب، احتفل الرئيس شي جين بينغ بعيد الربيع وقدم تحياته إلى الصينيين في خطاب متلفز. واشار إلى أن “الصين هي من أوائل الدول في العالم التي سيطرت على وباء كوفيد -19 وتحقق نموًا اقتصاديًا إيجابيًا”. الأمر الذي دفعه إلى التأكيد: “لقد أثبتت الحقائق مرة أخرى أن النظام الاشتراكي على الطراز الصيني يمتلك حيوية وإبداعًا لا يضاهيان. وطالما أن الحزب والصينيين يتجمّعان بإحكام حول اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، فلا توجد صعوبة لا يمكن قهرها «.

   ولا ينسى الأمين العام للحزب، أن يذكّر بالأعياد التي سيتم الاحتفال بها عام 2021: “بعد القيام برحلة مجيدة على مدى 100 عام، أصبح الحزب الشيوعي الصيني أكبر حزب ماركسي في العالم، وهو في السلطة منذ أكثر من سبعن عامًا في أكبر دولة اشتراكية في العالم “. ويختم، بالمنطق نفسه ، أن “الحزب سيبقى لا يقهر طالما أنه في طليعة العصر، وأنه سيقود عملية التغلب على الصعوبات والتحديات، ويتجذر بين الناس.»

900 مليون مشاهد
   في 11 فبراير، ليلة رأس السنة، تم بث برنامج فريد من نوعه على حوالي 1500 قناة تلفزيونية. ويمكن للصينيين مشاهدة نجوم الأغنية، والعديد من السكاتشات، وكمّ من الرقصات الكلاسيكية أو تلك التي تمثّل الأقليات العرقية المختلفة في أعماق البلاد.
   طيلة سنوات، كانت المغنية الشهيرة بينغ ليوان تأتي لهذا البرنامج لأداء بعض الأغاني الوطنية. وتوقفت تمامًا عن الأداء عام 2013 عندما أصبح زوجها، الذي ليس سوى شي جين بينغ، أمينًا عامًا للحزب الشيوعي الصيني.    على المستوى التقني، جدّد التلفزيون الصيني إلى حد كبير هذا العام في أمسية عيد الربيع. فقد تم استخدام تقنية الواقع الافتراضي والواقع المعزز. وفي المجموع، شاهد ما يقرب من 900 مليون صيني ليلة رأس السنة الجديدة على التلفزيون أو الهاتف الذكي، وهو عدد يزيد قليلاً عن الرقم المعتاد لهذا النوع من الحفلات.

   ضاعفت الصحف الصينية المقالات التي تصف “العام الجديد على عين المكان”، هذا العام 2021 بالذات حيث تقلص حجم سفر الصينيين. ويرى بعض الاقتصاديين في ذلك ميزة: لن يضطر الاقتصاد إلى الانتظار عدة أسابيع حتى يعود العمال. لكن آخرين قلقون. هذا العام، الاستهلاك في أدنى مستوياته، بينما في فترة العام الجديد عادة ما يكون الإنتاج منخفضًا في حين يبلغ الاستهلاك أعلى مستوياته. وهذا العام، تم إهداء الكحول أو الأغذية أو المنتجات الفاخرة أقل بكثير من المعتاد، ناهيك عن أرقام السياحة. ويبدو أنه تم الحفاظ على تقليد “المظاريف الحمراء” فقط حيث يتم إهداء النقود. ولكن، بما أنه لم يتم لمّ شمل العائلات، أرسلت هدايا السنة الجديدة هذه عن طريق الهاتف الذكي.

   ستستمر فترة الدخول إلى عام الثور حتى مهرجان الفوانيس في 26 فبراير. وسيكون قلق صانعي القرار الصينيين بعد ذلك هو الحفاظ على معدل نمو يبلغ حوالي 6 بالمائة، وهو الرقم الذي كان اقتصاد البلاد في طريق العودة إليه في يناير. في الصين، يشترك عالم السياسة والصناعة في تحديد وتحقيق هذا الهدف. في انتظار 31 يناير 2022، حيث يظهر العالم الصيني مخالبه بدخوله عام النمر .