كيف باتت أنقرة أقرب إلى عدو أكثر منه إلى صديق لأمريكا؟
لخصت مديرة التواصل في منتدى الشرق الأوسط ماريلين ستيرن أبرز ما قاله المدير التنفيذي في المجلس الأمريكي الهليني للقيادة أندي زمنيدس في ندوة عبر الإنترنت في يناير كانون الثاني الماضي عن تآكل الثقة في تركيا الحليفة للأمريكيين، بالتزامن مع زيادة مصداقية اليونان لدى واشنطن. أصبح تسلط أردوغان المتزايد داخلياً إهانة أكبر للقيم الأمريكية وشرح زمنيدس كيف احتلت اليونان وتركيا مكانة متساوية في التفكير الاستراتيجي الأمريكي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وشكلت الدولتان حاجزين يحميان الجانب الجنوبي الشرقي لأوروبا من الشيوعية والتأثير السوفياتي، فرحب بهما حلف شمال الأطلسي ناتو. ولكن في السنوات الماضية، تعزز التحالف بين اليونان والولايات المتحدة، بينما زاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التحركات التي تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة.
ذكر زمنيدس أن تركيا أعطت الأولوية لمحاربة الأكراد بدل داعش في سوريا وتقويض العقوبات الأمريكية ضد إيران، ومعارضة إسرائيل، ورعاية حماس، والإخوان المسلمين، وشراء منظومة أس-400 الروسية، أمثلةً على التحركات التركية ضد المصالح الأمريكية الإقليمية. وأدى شراء منظومة أس-400 إلى فرض إدارة ترامب عقوبات على أنقرة بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا عبر العقوبات كاتسا، في العام الماضي. وفي الأثناء، أصبح تسلط أردوغان المتزايد داخلياً إهانة أكبر للقيم الأمريكية. وفي 2018، أصدر مجلس العلاقات الخارجية تقريراً وصف تركيا الأردوغانية بأنها لا صديق ولا عدو . لكن اليوم، يرى زمنيدس أن تركيا أصبحت عدواً أكثر منها صديقاً .
وعلى عكس تركيا، أثبتت اليونان استقرارها السياسي وتأييدها للولايات المتحدة. فتوجهها المؤيد لأمريكا لا يخضع لأهواء زعيم سياسي معين، بل هو محور توافق بين جميع الأطياف السياسية الداخلية. حتى تحالف أقصى اليسار المعروف باسم سيريزا، قاد أكثر حكومة موالاة لأمريكا في تاريخ اليونان بين 2015 و2019، حسب زمنيدس. وفي مجال الأمن، تستضيف اليونان قاعدة أطلسية في أقصى الجنوب على جزيرة كريت، وهي حاجز جوهري أمام القوة البحرية الروسية في شرق المتوسط. تشمل الأصول الصلبة لليونان بنية تحتية تؤمن لأوروبا بدائل عن الاعتماد على روسيا في الطاقة. وتتضمن هذه البدائل خط أنابيب عابر للبحر الأدرياتيكي ينقل الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى أوروبا.
وتتضمن أيضاً الرابط الأوروبي الآسيوي أطول خط كهرباء مغمور في العالم ويمتد من اليونان إلى إسرائيل، مروراً بقبرص، وهو قيد البناء حالياً. وسينقل خط أنابيب شرق المتوسط المخطط له إمدادات الغاز البحرية من حوض المشرق إلى أوروبا. وتتضمن البدائل أيضاً الغاز الطبيعي المسال في المنشآت اليونانية.
إن دور اليونان في بناء منتدى غاز شرقي المتوسط، مساهمة مهمة في الاستقرار الإقليمي. وما بدأ بشراكة ثلاثية الأطراف بين اليونان، وقبرص، وإسرائيل، توسع ليشمل مصر، والأردن.
ويذكر زمنيدس أن تركيا دعيت للمشاركة فيه، لكنها اختارت أن تكون مفسداً ومنتهكاً لقواعد المنتدى بالتعدي على موارد الطاقة والغاز الطبيعي في المياه الإقليمية لليونان، وقبرص، وعززت طموحاتها التوسعية. ورداً على ذلك، أقر الكونغرس قانون شراكة أمن وطاقة شرق المتوسط في ديسمبر (كانون الأول) والذي نص على استراتيجية لشرق المتوسط مبنية على ثلاث ديموقراطيات إقليمية هي اليونان، وقبرص، وإسرائيل.
بحاجة للتغير
وللتوترات التركية اليونانية جذور تاريخية عميقة، غذاها في الحقبة الحديثة، اجتياح تركيا واحتلالها شمال قبرص.
وقال زمنيدس إن اليونان لا تريد توتراً مع أنقرة، واستشهد بكلام رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي أيد وجود وضع يفوز فيه الجميع، ورفض منطق تركيا القائم على أن ما لنا هو لنا وما لكم، هو لكم ولنا .
وتحدث زمنيدس عن مساهمات اليونان الحليف لأمريكا التي تجعلها تستحق الدعم العسكري الأمريكي والحصول على مقاتلات أف-35 المتطورة. لكنه شدد على أن الأمر لا يتعلق بالاصطفاف إلى جانب اليونان، وقبرص، وإسرائيل، في مواجهة تركيا. فجميع هذه الدول حريصة على التعاون مع أنقرة.
لكن على الولايات المتحدة أن تقول لتركيا إن القطار سيغادر المحطة دونك، وسنكون على هذا القطار أيضاً. أنت في حاجة للتغير، لا الآخرين .