كيف توقع هنري كيسنجر قوة وإمكانات الذكاء الاصطناعي؟

كيف توقع هنري كيسنجر قوة وإمكانات الذكاء الاصطناعي؟


عندما نشرَ السياسي المخضرم الراحل هنري كيسنجر – الذي توفي في 29 نوفمبر -تشرين الثاني  الماضي – مقاله تحت عنوان «نهاية التنوير» في يونيو -حزيران 2018، فوجئ كثيرون بأن السياسي الأكبر عُمراً أبدى رأياً في تقنية الذكاء الاصطناعي.
وعندما أتمَّ كيسنجر عامه الخامس والتسعين، بدأ موضوع الذكاء الاصطناعي يتصدر المشهد وعناوين الأخبار، إذ أصدرت شركة OpenAI برنامجها «شات جي بي تي» في أواخر عام 2022.
وفي هذا الإطار، قال نيال فرغسون باحث أول في معهد هوفر حاصل على زمالة عائلة ميلبانك ومؤلف كتاب «كيسنجر، المجلد الأول: 1923-1968: المثالي» (Kissinger, Volume 1: 1923-1968: The Idealist)، في مقاله بموقع صحيفة «نيويورك بوست»: بما أنني كاتب السيرة الذاتية لكيسنغر شخصياً، لم يُفاجئني استحواذ تقنية الذكاء الاصطناعي على اهتمامه وانشغاله بها.
كيسنجر يتصدر المشهد
على أية حال، تصدر كيسنجر المشهد في عام 1957 بكتابه الذي وضَعَه عن تقنية جديدة ستُغير العالم كله. وحظي كتابه «الأسلحة النووية والسياسة الخارجية» (Nuclear Weapons and Foreign Policy) ببحث متعمق واتسم بدقة مدهشة، حتى إنه نال استحسان روبرت أوبنهايمر مدير مشروع «مانهاتن» نفسه.
على النقيض من السمعة التي اكتسبها كيسنغر بصفته داعية حرب، فقد شدَّد طيلة حياته على ضرورة تفادي اشتعال فتيل حرب عالمية ثالثة. وأدرك أن تكنولوجيا الانشطار النووي ستجعل أي حرب عالمية أخرى أكثر تدميراً من سابقتيها. في بداية الكتاب، قدَّر كيسنجر الآثار التدميرية المروعة لقنبلة تزن 10 ميغاطن إذا أُسقطت على نيويورك، ثم استنتج أن هجوماً سوفيتياً شاملاً على أكبر 50 مدينة أمريكية سيودي بحياة ما بين 15 و20 مليون نسمة، وسيصيب ما بين 20 و25 مليون آخرين. وقدَّرَ كيسنجر أيضاً أن ما بين 5 و10 ملايين آخرين سيهلكون بسبب الغبار النووي. ورغم ذلك، فإن النزعة المثالية لكيسنغر في شبابه لم تجعله من دعاة السلام.
ولم يكن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بما إذا كان من الجائز أن نتفادى الحرب كلياً بنزع السلاح، وإنما كان يرتبط بما إذا كان «من الممكن أن نتخيل تطبيقات للقوة أقل كارثيةً من الحرب النووية الحرارية الشاملة».
وقد كان على هذا الأساس أنْ طرحَ كيسنغر عقيدة الحرب النووية المحدودة.
وقد نفرَ كثيرون من فكرة كيسنجر المتعلقة بحرب نووية محدودة النطاق بدت لهم قاسية وعديمة الرحمة.
ورغم ذلك، فقد بادرت كلتا القوتين العظميين إلى صنع أسلحة نووية قتالية أو تكتيكية في ساحة المعركة، إذ اتبعتا بالضبط المنطق نفسه الذي رسمَ كيسنغر خطوطه العريضة.
وفعلاً، ما برحت هذه الأسلحة موجودة حتى يومنا هذا. وقد هددت الحكومة الروسية باستخدامها أكثر من مرة منذ غزوها لأوكرانيا. ومن سوء الحظ أن صانعي القرار في واشنطن يبدو أنهم نسوا الدروس التي لقنهم إياها كيسنغر خلال فترة الحرب الباردة.
لم يتقاعد هنري كيسنغر قط. فلم يكن لرجلٍ مثله أن يتجاهل في خريف حياته تطور تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تعدُّ واحدة من أهم الإنجازات التقنية وانتشارها.
وحقيقة الأمر أن مهمة استيعاب الآثار المترتبة على هذه التكنولوجيا الوليدة استحوذت على شق كبير من سنوات كيسنغر الأخيرة.
يضمُّ كتاب كيسنغر الأخير «التكوين» Genesis الذي شاركَ في تأليفه اثنان من علماء التكنولوجيا البارزين، ألا وهما كريغ موندي وإريك شيمدت الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، تحذيراً شديداً من مخاطر سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي.
وكتب المؤلفون في الكتاب الذي نُشرَ في وقت سابق من الشهر الجاري ما مفاده: «إذا كان مراد كل مجتمع بشري أن يرقى بموقفه الأحادي الجانب إلى أقصى حد ممكن، فإن الظروف ستكون مهيأة لمباراة نفسية قاتلة من القوات العسكرية المتنافسة وأجهزة الاستخبارات، مباراة لم نشهد لها مثيلاً من قبل قط».
قد ينكر «المتفائلون بالتقنية» في وادي السيليكون هذا التصريح بوصفه محض ترويج لرؤية متشائمة. غير أن الإشكالية المحورية للتقدم التقني تجلَّت في حياة هنري كيسنغر. لقد رُصِدَ الانشطار النووي أول مرة في برلين على يد كيميائيين ألمانيين، هما أوتو هان وفريتز ستراسمان، في عام 1938. وكانت إمكانية حدوث تفاعل نووي متسلسل من بنات أفكار الفيزيائي المجري ليو زيلارد.
ورغم ذلك، استغرق الأمر القائمين على مشروع «مانهاتن» أقل من 4 سنوات لبناء أول قنبلة ذرية، في حين لم تُفتتَح أول محطة للطاقة النووية حتى عام 1951. واليوم، يوجد نحو 12500 رأس نووي في العالم أجمع. وهذا العدد مُرشَّح للزيادة بوتيرة سريعة بالتزامن مع تعزيز الصين لترسانتها النووية. وفي المقابل، هناك 436 مفاعلاً نووياً قيد التشغيل حالياً.
ويختلف الذكاء الاصطناعي اختلافاً شاسعاً عن الانشطار النووي. لكن، من الخطأ الفادح أن نفترض أننا سنستخدم هذه التكنولوجيا الجديدة لأغراض إنتاجية أكثر من استخدامها لأغرضٍ تدميرية محتملة.
لا يُقر كثيرون – ربما عدا إيلون ماسك – بأن أكبر تهديد ستواجهه إدارة دونالد ترامب لا يكمن في الصواريخ الروسية (أو الكورية الشمالية)، ولا يكمن حتى في الإرهابيين المدعومين من إيران، وإنما يتمثل في أن العلماء الصينيين يعكفون حالياً على إجراء تجارب ذكاء اصطناعي متهورة، كأبحاث «اكتساب الوظيفة» التي أجروها على فيروسات كورونا قبل خمس سنوات.
وعلى النقيض مما حدث في خمسينات القرن العشرين، هناك أكثر من سباق تسلح واحد جارٍ على قدمٍ وساق حالياً، وربما كان أخطرها على الإطلاق سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي.
إن بيت هيغسيث، مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع، محق في معارضته لانتشار برامج التنوع والشمول والمساواة في القوات المسلحة الأمريكية. غير أن هذه ليست بالقضية التي ينبغي أن يساوره القلق بشأنها.
فالذكاء الاصطناعي، برأي الكاتب، أكثر إثارةً للرعب بمراحل من برامج التنوع والشمول والمساواة. وينتظر جيلنا أن ينشأ بين ظهرانيه عَلَم مثل كيسنغر يتمتع بما يكفي من الذكاء والفطنة لاستيعاب تبعات هذه التكنولوجيا الجديدة على سياستنا الخارجية.

 

 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot

https://news.asosiasi-emiten.or.id/
https://www.deriheru-navigation.com/
https://stai-barru.ac.id/play/scatter-hitam/
https://blogceta.zaragoza.unam.mx/wp-content/-/buntut77/
https://blogceta.zaragoza.unam.mx/wp-content/app/
https://inlic.org/ojs/scatter-hitam/
scatter hitam
https://www.prosiding.pasca.uniska-kediri.ac.id/tools/sv388/
jurnalprodi.idu.ac.id/public/scatterhitam-1
jurnal.insida.ac.id/tools/sv388
scatter hitam
mahjong scatter hitam
sabung ayam
depo 5k
depo 5000
scatterhitam