كيف تُناقض سياسة بايدن هدفه في إيران؟
على طريق عودتها للانخراط مع إيران، تعرب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن استعدادها لتقويض سياسة “الضغط الأقصى” واستعدادها لتقديم جميع التنازلات السياسية والاقتصادية لإعادة طهران إلى الاتفاق النووي.
تتراوح هذه التنازلات بين التخلي عن تنفيذ العقوبات المفروضة واحتمال وقف تجميد مليار دولار من الأموال الإيرانية في بادرة حسن نية إنسانية تجاه طهران.
وأعلن مسؤولون أمريكيون أنهم مستعدون للتخلي عن إجراءات عقابية أخرى، لا تتوافق مع الاتفاق النووي، مثل تلك التي تتعلق بانتهاكات طهران الفظيعة لحقوق الإنسان، ودعمها للإرهاب. لماذا كل هذه التنازلات السريعة؟ يستبعد نائب رئيس المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية إيلان بيرمان، أن يكون السبب الوحيد للتنازلات مجرد توق الإدارة للعودة إلى اتفاق نووي ساعد معظم المسؤولين الحاليين فيها في التفاوض عليه حين كانوا في إدارة أوباما.
أما السبب الآخر الذي يتوسع فيه بيرمان بمجلة “نيوزويك” فهو رغبة واشنطن في التأثير على السياسات الإيرانية الداخلية. غير أن الإدارة الحالية تسيء فهم تلك السياسات، وبشكل عميق.
وحين يتوجه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع في الشهر المقبل لانتخاب خلف للرئيس الحالي حسن روحاني، سيشاركون في تنافس سياسي مزور حيث هُمش حاملو البدائل الحقيقية لعقيدة النظام الرسمية. فمؤسسات رجال الدين غير الخاضعة للمساءلة داخل النظام تتفوق على المؤسسات العلمانية، وتتمتع بحق النقض للقرارات السياسية التي يرونها مناقضة للنظرة الثورية الدينية. يحتفظ مجلس صيانة الدستور بصلاحية رفض قبول ترشح طامحين سياسيين يعتبرهم غير متماهين مع آيديولوجيا النظام. قبل انتخابات 2017 الرئاسية، وافق المجلس على 6 فقط من أصل 1636 مرشحاً. وفي 2013، وافق على 8 من أصل 700 تقريباً، حسب الكاتب. اليوم، يبدو أن المسار نفسه بدأ يتبلور. سيقرر مجلس صيانة الدستور لائحة المرشحين الرسميين في وقت لاحق من الشهر الجاري.
وتبرز أدلة على أن نظام رجال الدين يؤكد امتيازاته الآيديولوجية. على سبيل المثال، فرض المجلس قيوداً جديدة على سن الترشح إلى الرئاسة، وهي خطوة تخلص رجل الدين المحافظ الذي يفضله خامئي بوضوح، إبراهيم رئيسي، من بعض المنافسين الأقوياء. وهنا تكمن المشكلة حسب بيرمان. وافترض الأمريكيون طويلاً أن إيران عالقة في تنافس وجودي بين الإصلاحيين والمتشددين. غذت هذه القناعة أملاً عنيداً بإمكانية فوز المعتدلين وتحويل إيران إلى بلد أقل عدوانية مع الغرب، عند تقديم ما يكفي من الحوافز.
دفع هذا المنطق الرئيس الأسبق باراك أوباما إلى الانفتاح على إيران. ويبدو أن هذا المنطق هو القوة الدافعة لإدارة بايدن لتعاود الانخراط مع آيات الله.
لكن هذا الصراع الداخلي هو مجرد وهم، فمؤسسات النظام الدينية حامية لأروقة السلطة، وضامنة لبقاء أي فائز بالرئاسة موالياً بطريقة حاسمة لنظرة خامنئي السياسية المتطرفة.
وأضاف بيرمان أن هذا الواقع يدركه الشعب الإيراني تماماً، حتى لو لم تكن النخب السياسية الأمريكية تدركه. وأخيراً، أجرى مركز غامان للأبحاث ومركزه هولندا استطلاع رأي وجد أن 78% من المستطلعين، لا يخططون للاقتراع في الانتخابات المقبلة.
وقال عدد موازٍ إن إيران تحتاج إلى تغيير جوهري في النظام، أو على الأقل إلى “التحول بعيداً عن الجمهورية الإسلامية».
وتبين هذه الإحصاءات أن الصراع السياسي الحقيقي في إيران ليس داخل النظام نفسه، بل بين النخبة الدينية والشعب الإيراني الأسير، والذي تحاول بشكل يائس السيطرة عليه.
وذكر بيرمان أن دعم الشعب الإيراني في مواجهة النظام هو السبيل الوحيد لمساعدة البلاد على سلوك مسار أكثر اعتدالاً وتعددية. وكتب في الختام “للأسف، في الوقت الحالي، تبدو إدارة بايدن مصممة على العكس تماماً».