كيف ستترك ميلوني بصمتها في أوروبا بعد الانتخابات؟

كيف ستترك ميلوني بصمتها في أوروبا بعد الانتخابات؟

منذ توليها السلطة قبل 18 شهراً تقريباً، تركت أول زعيمة لإيطاليا وربما الشخصية الأكثر يمينية منذ الحرب العالمية الثانية، جورجيا ميلوني بصمتها على بلادها. وهي الآن تحاول أن تفعل الشيء نفسه في أوروبا. وكتب بيتر كونرادي في صحيفة «ذا صنداي تايمز» أن حزب «إخوة إيطاليا» الذي تتزعمه ميلوني، وهو حزب ذو جذور ما بعد فاشية، سيخرج على ما يبدو منتصراً من انتخابات البرلمان الأوروبي. تتوقع استطلاعات الرأي أن يفوز الحزب بما يتراوح بين 25 و27% من الأصوات، بفارق أربع أو خمس نقاط عن حزب المعارضة الرئيسي، الحزب الديمقراطي، من يسار الوسط. وقال الزميل البارز في جامعة كاتوليكا ديل ساكرو كوري الإيطالية فاليريو ألفونسو برونو: «بذلت ميلوني جهداً كبيراً في الحملة الانتخابية، لكن ليس لأنها مهتمة بديناميات البرلمان الأوروبي». وأضاف «هي تريد إظهار أن حزبها هو الحزب الرائد في إيطاليا وأنها ستبقى رئيسة للوزراء طيلة فترة ولايتها الكاملة من خمسة أعوام».

تغيير موازين القوى
حسب كونرادي، ستساعد النتيجة بلا شك في تغيير ميزان القوى في أوروبا، سيشكل نواب البرلمان الأوروبي بزعامة ميلوني واحدة من أكبر الوحدات بين عدد قياسي من ممثلي الأحزاب المتطرفة، واليمينية المتشددة، التي يتوقع أن تكسب مقاعد. ومن المرجح أن يضغط هؤلاء، وبينهم التجمع الوطني الفرنسي، وحزب الحرية الهولندي، والبديل من أجل ألمانيا، لاتخاذ موقف أكثر صرامة من الهجرة وإضعاف «الصفقة الخضراء» لأوروبا.
كما أنه سيعزز مكانة ميلوني في أوروبا، ما يضعها في موقف قوي بشكل استثنائي لزعيم إيطالي بينما يعاني الائتلاف الثلاثي بزعامة المستشار الألماني أولاف شولتس، ويواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تعثراً بسبب افتقاره إلى أغلبية برلمانية. وقال الزميل البارز في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة في بروكسل جاكوب كيركيغارد: «إنها تسيطر بشكل صارم على السياسة الداخلية الإيطالية، وتتطلع إلى نفوذ إضافي في الاتحاد الأوروبي، حيث كان نفوذ إيطاليا تاريخياً أقل من وزنها». وأضاف «إنها سياسية عظيمة، وقاسية أيضاً، وهي تقدم نفسها شخصاً مستعداً لمواجهة الأحزاب التقليدية في أوروبا».

قريباً إلى المسرح العالمي
سيشهد يوم الأربعاء أيضاً بروز ميلوني على المسرح العالمي عندما تستضيف الرئيس جو بايدن وغيره من قادة مجموعة السبع في قمة في بورغو إغنازيا، المنتجع الفاخر على ساحل بوليا المحبوب لدى المشاهير العالميين. وعلى نحو فريد تقريباً بين قادة الاتحاد الأوروبي، كانت ميلوني أيضاً تتودد بشدة للرئيس السابق دونالد ترامب.
وقالت تيريزا كوراتيلا من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في روما: «إذا فاز بايدن في نوفمبر (تشرين الثاني)، فستكون علاقاتها رائعة، لكن إذا فاز ترامب فستكون رائعة أيضاً». وتابعت «إذا نظرتَ إلى شولتس وماكرون، فالحال ليس كذلك على الإطلاق».
قطعت ميلوني، 47 عاماً، الناشطة السياسية ذات المهارات العالية، شوطاً طويلاً منذ الانتخابات الأوروبية الأخيرة في 2019، عندما حصل حزبها على المركز الخامس المتواضع، مع أقل من 7% من الأصوات. خلال معارضتها في الداخل حينها، كانت من أشد المشككين في الاتحاد الأوروبي. خلال اجتماع مؤتمر العمل السياسي المحافظ في أمريكا في 2019، قالت ميلوني: «أسقطوا هذا الاتحاد الأوروبي!» وحازت على استحسان الجمهور اليميني، ما ساعد في تمهيد الطريق لعلاقتها الجيدة مع ترامب.

قريبة من فون دير لاين
منذ أن أصبحت رئيسة للوزراء، تبنت ميلوني نبرة أكثر تصالحية بكثير وطورت علاقة عمل وثيقة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، رغم  أنهما تنتميان إلى معسكرين سياسيين متنافسين. ويجلس الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني الذي تنتمي إليه فون دير لاين في البرلمان الأوروبي مع حزب الشعب الأوروبي من يمين الوسط، في حين يشكل إخوة إيطاليا جزءاً من حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين المشككين في أوروبا.
كافأت فون دير لاين ميلوني بدعم موقف حكومتها الأكثر صرامة ضد الهجرة والذي تضمن اتفاقاً مثيراً للجدل نقل بموجبه ما يصل إلى 36 ألف مهاجر متوجهين إلى إيطاليا سنوياً نحو ألبانيا. وساعدت أفكار ميلوني في تشديد سياسة الهجرة ضمن الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة، في حين أدت المرأتان أيضاً رحلات إلى مصر، وتونس لإبرام صفقات للحد من أعداد المهاجرين الذين يحاولن الوصول إلى أوروبا. إن هذا الموقف الأكثر ليونة انعكس في الشعار الحميد نسبياً الذي رفعه إخوة إيطاليا لحملة هذه السنة «مع جورجيا، ستغير إيطاليا أوروبا». وهو ما يتناقض بشكل حاد مع شعار حزب الرابطة برئاسة ماتيو سالفيني،  الشريك الأصغر لميلوني في الائتلاف «إيطاليا أكثر، أوروبا أقل».

سر الشعبية
إن شعبية ميلوني مستمرة في الداخل، حيث لا تزال معدلات تأييدها أعلى من 30%، مدفوعة جزئياً بمهارتها في التواصل، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن أيضاً بسبب قوة الاقتصاد الإيطالي الذي نما ببـ4.2% بعد وباء كورونا. وهذا الرقم أكبر بكثير من أرقام النمو في بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا.
لكن هذا الارتفاع كان مدفوعاً بالكامل تقريباً بما يسمى «العلاوة الفائقة»، وهي إعفاء ضريبي سخي على تحسينات المنازل أُدخل في 2020. ساعد ذلك أيضاً في زيادة العجز الحكومي في السنة الماضية، ما أوصل إجمالي الدين العام إلى 140% من الناتج المحلي الإجمالي وهو رقم مثير للقلق.
مقايضة بين ميلوني 
وفون دير لاين؟
إن علاقة ميلوني مع فون دير لاين، ستكون أساسية لما سيحدث بعد ذلك في الاتحاد الأوروبي الذي سيغرق بعد فرز الأصوات في أسابيع من الجدل لاختيار الرؤساء المقبلين للمفوضية الأوروبية، والمجلس، والبرلمان الأوروبيين، بالإضافة إلى المنسق المقبل للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وتريد فون دير لاين، 65 عاماً، ولاية ثانية من خمسة أعوام وتأمل أن تحظى بتأييد زعماء الاتحاد الأوروبي، إما عندما يجتمعون في عشاء «غير رسمي» في بروكسل في 17 يونيو (حزيران)، أو إذا فشل ذلك، في قمة رسمية تستمر يومين تبدأ في 27 يونيو (حزيران). ورغم أن الإجماع ليس مطلوباً، سيكون الدعم الإيطالي مفيداً خاصة إذا ظهر منافس آخر، رغم استبعاد ذلك، بالنسبة إلى ميلوني، يعد الاستمرار مع رئيسة المفوضية الأوروبية أمراً منطقياً في الوقت الذي تريد فيه إيطاليا مواصلة الحصول على شريحة ضخمة  بـ 194.4 مليار يورو من صندوق التعافي الأوروبي لما بعد كوفيد. وستبدأ المرحلة التالية الأقل قابلية للتنبؤ من العملية إما الشهر المقبل أو على الأرجح في سبتمبر (أيلول) عندما يتعين على فون دير لاين الفوز بدعم أغلبية بسيطة من 720 عضواً. وحصلت الألمانية على ولايتها الأولى بعد فوزها بأغلبية تسعة أصوات فقط، عقب دعم كبير من الأحزاب الرئيسية. مع ذلك، ستكون تلك الأحزاب أضعف هذه المرة، لأسباب ليس أقلها الصعود المتوقع لليمين القومي، ما يجعل دعم أعضاء البرلمان الأوروبي الذين ينتمون إلى ميلوني أمراً حاسماً.

شولتس واليسار يهددان
لم تؤكد ميلوني نواياها، لكن فكرة عقد فون دير لاين صفقة مع اليمين المتطرف، مكروهة من قادة اليسار الأوروبي، خاصة إيلّي شلاين التي ترأس الحزب الديمقراطي الإيطالي وهي ليست من محبي ميلوني.
قالت شلاين لكونرادي في الأسبوع الماضي بعد تجمع انتخابي في فلورنسا: «إنه منحدر زلق نحو الجناح اليميني». وتابعت «في السنوات الخمس الماضية، رأينا أورسولا فون دير لاين وحزب الشعب الأوروبي والليبراليين يتجهون نحو اليمين المتطرف واليمين القومي، ونعتقد أن هذا سيناقض تاريخهم لأنهم كانوا دائماً قوى مؤيدة لأوروبا. ثمة خطر أن يعملوا مع القوى القومية التي تريد إضعاف الاتحاد الأوروبي». لهذا السبب، هدد شولتس وأعضاء آخرون من «العائلة الاشتراكية» بسحب دعمهم لفون دير لاين إذا عقدت صفقة مع اليمين المتطرف حسب شلاين. لكن كيركيغارد من صندوق مارشال يشكك في ذلك متسائلاً إذا كان الاشتراكيون مستعدين فعلاً لتلقي اللوم إذا خسرت فون دير لاين ودخل الاتحاد الأوروبي مرحلة شلل لستة أشهر. لكن الدعم العلني لفون دير لاين قد يكلّف ميلوني أيضاً تقويض علاقاتها مع قادة آخرين على يمينها معارضون بشدة لرئيسة المفوضية. قد يعقّد ذلك زيادة نفوذ اليمين في أوروبا عبر توحيد أعضائه لتشكيل «مجموعة خارقة».
من غير المرجح أن تترك ميلوني الأمر يزعجها. هذه هي قوتها المكتشفة حديثاً والتي قد تظهر أنهم يحتاجون إليها أكثر مما تحتاج إليهم.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot