كيف يُفاقم بايدن أزمتي اليمن وأفغانستان

كيف يُفاقم بايدن أزمتي اليمن وأفغانستان


تعليقاً على سلسلة الخطوات الخطأ التي اتخذتها إدارة بايدن مؤخراً في سياستها الخارجية، حذر جون حنا، وهو مستشار شؤون الأمن القومي لنائب الرئيس السابق ديك تشيني، من أن تواجه الإدارة كارثتين كبيرتين على الأقل في الشرق الأوسط الأوسع. الأولى، ترسخُ الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، مع تمتعهم بأسلحة دقيقة وطويلة المدى تطال مصر وإسرائيل والسعودية والإمارات. الثانية، الانهيار الكامل لموقعَي الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان وعودة حركة طالبان التي لا تزال متحالفة مع تنظيم القاعدة إلى الحكم.

حماقة
في مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، أوضح حنا أن الرئيس الأمريكي الحالي لم يتسبب بالظروف الرهيبة في اليمن وأفغانستان، لكن سياسات إدارته منذ تسلمها مهامها جعلت بشكل شبه مؤكد وضعين سيئين أكثر سوءاً. وإذا أخفقت السياسة الأمريكية في هاتين الدولتين فسيتحمل بايدن معظم اللوم. وصف حنا السياسة الأمريكية في اليمن بأنها حماقة. علقت الإدارة سريعاً مبيعات الأسلحة إلى السعودية وأوقفت كل الدعم للعمليات العسكرية الهجومية للسعودية، كما أزالت الحوثيين عن لائحة الإرهاب. ما حصل تالياً يجب ألا يفاجئ أحداً، أقله ليس بالنسبة إلى من أمضوا أكثر من خمس دقائق يحللون هوية الطرف الآخر في النزاع اليمني: عصابة قاتلة من الآيديولوجيين المتطرفين المدعومين من الحرس الثوري والمصممين على احتلال غالبية اليمن في خدمة شعارهم ‘الموت لأمريكا‘، ‘الموت لإسرائيل‘، ‘اللعنة على اليهود‘.

لا يحتاج الأمر لكيسنجر
يضيف حنا أن المرء ليس بحاجة كي يكون هنري كيسنجر لإدراك أن نتيجة القرار الأمريكي ستكون تصعيداً حوثياً خطيراً. إن التسارع في وتيرة هجمات المسيّرات والمقذوفات والصواريخ البالستية ضد البلدات والمطارات والبنى التحتية النفطية السعودية لم يعرف الهدوء. تزامن ذلك مع ازدياد جهود الحوثيين لاحتلال مدينة مأرب الاستراتيجية التي تشكل آخر منطقة تسيطر عليها الحكومة اليمنية الشرعية في شمال وسط البلاد وهي تضم أكبر حقول النفط والغاز في اليمن. إذا نجح الحوثيون بذلك فسيعززون نظاماً ثورياً شبيهاً بحزب الله على امتداد شمال اليمن وعلى تخوم البحر الأحمر وسيراكمون ترسانة أسلحة متزايدة قادرة على تدمير أهداف قيمة جداً داخل كل الدول الحليفة لأمريكا في المنطقة.

تعهدات فارغة
يبدو أن إدارة بايدن فوجئت بالتصعيد الحوثي. وفي أكثر من مناسبة، أعرب مسؤولوها عن قلقهم من أن بوادر نواياهم الحسنة أدت إلى ازدياد الهجمات الحوثية ضد المملكة. أدان الناطقون باسم الإدارة كل اعتداء حوثي وأعربوا عن التزام بلادهم بمساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها. لكن تعهدات الإدارة تبدو غير صادقة. ليس صعباً بالنسبة إلى حنا قراءة بيانات الدعم الأمريكية على أنها جهد لتشتيت الانتباه عن الواقع المؤسف الذي برهن أن الحوثيين وداعميهم الإيرانيين سينظرون إلى خطوات الإدارة لا كبادرة حسن نية بل كإشارة ضعف. أضاف حنا أن المشهد الحالي ليس مشهداً إيجابياً لقوة عظمى تعتمد على التحالفات الدولية في تنافسها المحموم مع الصين وروسيا. بإمكان المسؤولين الأمريكيين الحديث بمقدار ما يشاؤون عن دفاع الولايات المتحدة عن السعودية من الهجمات الحوثية. لكن هذه الكلمات تبدو فارغة بما أن واشنطن قطعت جميع أنواع الدعم بما فيها الذخائر الموجهة بدقة والمعلومات الاستخبارية عن الرياض.

خيانة
ذكر الكاتب أن رفض توفير الأسلحة الضرورية للمملكة كي تدافع عن مدنها وبناها التحتية قد يعجب التجمع التقدمي في الحزب الديموقراطي. لكن بالنسبة إلى السعوديين والعديد من الدول الأخرى التي تربط أمنها بدعم واشنطن، سيكون هذا تخلياً عنها إن لم يكن خيانة. ودعا حنا الإدارة إلى اتخاذ إجراءات تصحيحية قاضية باستئناف تسليم الأسلحة إلى السعودية وحشد جهد دولي صلب لوقف تدفق الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين.

حكم بالإعدام
في أفغانستان، ورث بايدن اتفاقاً من ترامب مع طالبان قضى بسحب جميع القوات الأمريكية من البلاد بحلول 1 مايو (أيار) المقبل. يشكل هذا الاتفاق نظرياً حكماً بالإعدام لحكومة كابول لو تم تنفيذه. واجهت إدارة بايدن خياراً مصيرياً: تنفيذ سياسة ترامب وبالتالي تسريع انتصار طالبان النهائي، أو تأجيل الانسحاب والمخاطرة بتجدد هجمات طلبان ضد القوات الأمريكية. لا يمكن لوم الإدارة الحالية على المعضلة التي أوصلتها إليها الإدارة السابقة لكنها فاقمت المشكلة عبر سوء تعاملها مع الحكومة الأفغانية.
 ففي أوائل مارس (آذار) وجّه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن رسالة إلى الرئيس أشرف غني اتسمت بغياب النزاهة وبالتهديد إذ حمّلت الشريك الأفغاني وزر عدم تحقيق تقدم في المحادثات مع طالبان.

رئيس دولة أم
تلميذ مدرسة؟
لم تذكر الرسالة أن طالبان رفضت أي شكل من أشكال تقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية وأنها استغلت المحادثات مع واشنطن لزيادة الهجمات ضد القوى الأمنية الأفغانية والسيطرة على المزيد من الأراضي. ولم يعترف بلينكن بأن طالبان لم تتخذ خطوة واحدة لتنفيذ تعهدها بقطع تحالفها مع القاعدة. ووصف مراسل صحيفة نيويورك تايمز الرسالة بأنها حملت لغة يستخدمها على الأرجح تلميذ مدرسة جامح لا رئيس دولة.

كبش فداء
إن التخلي عن الحليف الأفغاني لصالح طالبان سيكون صادماً بما يكفي للمصالح الأمريكية لو قرر بايدن مواصلة سياسته. وستفاقم الإدارة الضرر الذي لحق بصدقية واشنطن تجاه حلفائها حول العالم إذا واصلت إهانة شركائها الأفغان على طريق الخروج من البلاد. ودعا حنا الإدارة إلى التوقف فوراً عن استخدام كابول ككبش فداء وإلى تأجيل سحب القوات الأمريكية بالتوازي مع تطوير خطة مستدامة من أجل منع التفكك السريع للحكومة الأفغانية.

آثار مدمرة
في كل من اليمن وأفغانستان، تواجه إدارة بايدن مخاطر كبيرة، إذ لن تحقق القوى المناهضة لأمريكا انتصارات في مناطق تجسد مصالح أمريكية مهمة وحسب، بل سينظر العالم إلى هذه النتائج على أنها من ثمار تخلي بايدن عن شركاء بلاده التاريخيين. وسيكون صعباً التخلص من الآثار المدمرة لهذه السياسة بحسب تنبيه حنا.