مساحات النزاع تبقي شقوقاً عميقة
لماذا تتجه العلاقات الأمريكية الصينية نحو عداء أكبر؟
شكّلت زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصين الرحلة الأولى لرئيس الدبلوماسية الأمريكية إلى بكين منذ 2018، ولذلك، عُلّقت عليها آمال كبيرة لخفض التوترات بين الجانبين، وإعادة إحياء قنوات الاتصال على مستوى رفيع، لتحقيق الاستقرار في العلاقة المضطربة.
وعندما وصل بلينكن إلى بكين، لم يكن مستغرباً أن يُحمّل المسؤولون الصينيون الولايات المتحدة مسؤولية تردي العلاقات بين الدولتين، بخسب الأستاذ المشارك للعلوم السياسية في كلية رامابو في نيوجيرسي، دين ب. تشين.
وفي هذا السياق، زعم وزير الخارجية الصيني تشين غانغ أن “العلاقات الصينية-الأمريكية في أدنى مستوياتها” منذ 1979. وأرجع المسؤول الأرفع عن الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني وانغ يي “السبب الجذري” لتردي العلاقات، إلى المفاهيم الخاطئة لواشنطن حيال الصين. ودعا الولايات المتحدة إلى “وقفة تأمل مع نفسها” والتوقف عن تضخيم “التهديد الصيني».
وافترض الرئيس الصيني شي جين بينغ بأن الأسرة الدولية تتوقع من واشنطن وبكين “التعايش بسلام وأن تكون لديهما علاقات صداقة وتعاون”. وطلب الزعيم الصيني من بلينكن “تقديم مزيد من المساهمات لترسيخ الاستقرار في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة».
3 أهداف
ورد بلينكن بأن إدارة بايدن تثمن وجود علاقة مسؤولة بين واشنطن وبكين. وحدد 3 أهداف لرحلته، تستند كلها إلى مبدأ شامل وهو أن “التنافس الحاد يتطلب دبلوماسية مستدامة لضمان عدم تحول هذا التنافس إلى مواجهة أو نزاع».
أولاً، هناك حاجة إلى إعادة فتح خطوط الإتصال بحيث تتمكن القوتان من إدارة علاقاتهما بنجاح وتجنب سوء التفاهمات.
ثانياً، أكد بلينكن على أهمية تعزيز مصالح وقيم الولايات المتحدة، وكذلك بالنسبة إلى حلفائها وشركائها، بما في ذلك “التحدث مباشرة وبصراحة” حول دواعي القلق مع بكين.
ثالثاً، هو يعتقد بأن البلدين في إمكانهما أن “يستكشفا احتمالات التعاون فيما يتعلق بالتحديات العابرة للحدود». ولكن دين تشين يسأل في مقاله بمجلة “ناشيونال إنترست”: ماذا حقق بلينكن من هذه الأهداف خلال زيارته التي استغرقت يومين؟.
إستناداً إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد اجتماعه مع شي جين بينغ وبيان وزارة الخارجية عن الزيارة،حم لم تكن هناك أي اختراقات. وهذه النتيجة كانت متوقعة، لكن ثمة إشارات إيجابية لناحية عودة الاتصالات إلى مسارها، في حين أن الدولتين تقران بضرورة وقف تدهور العلاقات.
مساحات النزاع
وبالنسبة إلى مساحات النزاع، تبقى هناك شقوق عميقة. فعلى رغم أن بكين طمأنت بلينكن إلى أنها “لا تزود ولن تزود روسيا بمساعدة فتاكة” في أوكرانيا، وبأن الوزير أكد بأنه لا يملك دليلاً يناقض ذلك، فإنه لا يزال يشعر بقلق حيال احتمال قيام شركات صينية “بتزويد موسكو بالتكنولوجيا لتعزيز قدراتها العسكرية”. وفي الصين، فإن النفوذ الشامل للحزب الشيوعي يفرض تحدياً في عملية التمييز بين المعاملات التي تجريها الشركات التابعة للدولة وتلك التابعة للقطاع الخاص.
ويبقى مضيق تايوان النقطة الأكثر تعقيداً للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وأكدت بكين أن تايوان “هي جوهر المصالح الأساسية للصين” التي “لا مجال للمجال للمساومة أو للتنازل” فيها. وذكّر بلينكن بكين “بأهمية الحفاظ على السلام والإستقرار عبر مضيق تايوان”. وأكد أن الولايات المتحدة “لا تدعم استقلال الصين” و”تعارض أي تغييرات آحادية الجانب للأمر الواقع من الجانبين».
عداء أكبر
ومن غير الواضح ما إذا كانت الدبلوماسية العالية المستوى قادرة على تغيير مسار العلاقات الأمريكية-الصينية، التي لا تزال تتجه نحو عداء أكبر. لكن على الأقل، يسمح استئناف المحادثات والاتصالات لكل جانب نقل نواياه بشكل أوضح. ومن المحتمل أن تمهد زيارة بلينكن الطريق لاجتماعات على مستويات عالية بين واشنطن وبكين. ويتطلع شي إلى القيام بزيارته الأولى للولايات المتحدة منذ 2017، كي يحضر اجتماع دول آبيك في سان فرانسيسكو، حيث من المتوقع أن يلتقي بايدن. وبينما يصف بايدن شي جين بينع بـ”الديكتاتور” الذي لم يكن يعلم عما يحتويه منطاد التجسس الصيني فوق الأراضي الأمريكية، فإن الرئيس الأمريكي يجادل بأن الحادث سبّب “إحراجاً أكثر من المقصود” بالنسبة لبكين.
علاقات هشة
وبغض النظر عن تفاؤل الرئيس الأمريكي، فإن ثمة حقيقة موضوعية مفادها أن العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين هشة للغاية، ومستوى الثقة المتبادلة بينهما منخفض جداً لدرجة أن أي صراعات جديدة يمكن أن تُغرق انفراجهما الهش في حالة عدم توازن أخرى.
ولا يمكن للقوة والطموحات المتزايدة لجمهورية الصين الشعبية إلا أن تؤدي إلى زيادة القلق من جانب واشنطن. ومن شأن الانتخابات الرئاسية في يناير (كانون الثاني) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2024 في تايوان والولايات المتحدة، على التوالي، إلى شكوك جديدة.
وأظهرت ردود فعل بكين العدائية تجاه رحلة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان في آب (أغسطس) الماضي، وزيارة الرئيس التايواني تساي إنغ وين لأمريكا في أبريل (نيسان) الماضي أن الانتقال السياسي المتوقع في الجزيرة، (بافتراض انتخاب مرشح قومي آخر)، قد يزيد من حدة قناعة شي بأن الوضع يستوجب مزيداً من التصعيد أو حتى غزو.
وبحلول نوفمبر 2024، قد لا تكون منافسة بايدن الشديدة مع جمهورية الصين الشعبية كافية لإرضاء المشاعر المحلية والحزبية المتزايدة المعادية للصين، وضمان إعادة انتخابه.
وخلص الكاتب إلى أن إدارة أمريكية أكثر تشدداً سوف تعرقل الطريقة المؤقتة التي عمل بلينكن بجد لإعادة بنائها.