تجاهل الغرب في غمرة السلام حقيقة أن البشر نزّاعون للحرب
لماذا نزع الأمريكيون لافتات دعم السود ووضعوا محلها أعلام أوكرانيا؟
قالت الإمبراطورة الروسية كاترين الثانية مرة: “الجلد البشري أكثر حساسيّة من الورق». تُرى هل وضع الذين يقرعون طبول الحرب في أوكرانيا هذه الحكمة البسيطة نصب أعينهم؟ تساءل روجر كيمبال محرر وناشر موقع The New Criterion الإلكتروني ورئيس دار نشر Encounter Books، في مقال بموقع “أمريكان غريتنس»American Greatness الأمريكي، مجيباً بقوله: “أشك في أن الشعب الأمريكي بدأ يفعل ذلك».
قبل عامٍ واحد، وبُعيد غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، نزع أمريكيون لافتات كتب فيها “حياة السود مهمة” في حدائق منازلهم ووضعوا محلها علم أوكرانيا على الأعمدة التي نصبوها.
المصلحة الشخصية الاقتصادية
ولفت الكاتب إلى أن هذه الأعلام نُكِّست. لماذا؟ يرجع ذلك نوعاً ما إلى المصلحة الشخصية الاقتصادية. فالناس يدركون أن العقوبات المفروضة على روسيا هي عقوبات ضدنا بالقدر ذاته أيضاً. فعامة الناس يتطلعون إلى أسعار البنزين وزيت التدفئة ويسألون أنفسهم: لماذا ينبغي لي أن أدفع ثمن ما يحدث؟.
وأضاف: بمناسبة دفع الثمن، فأنت لست بحاجة إلى درجة علمية متقدمة في الاقتصاد لتدرك أن هناك صلة بين إرسال مساعدات بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا، وطلب بادين فرض ضرائب أعلى. ويتساءل الناس كيف يصب الدفاع عن أوكرانيا واستفزاز قوة نووية كبرى في صالحنا القومي؟
ديون بقيمة 31
تريليون دولار
ومضى الكاتب يقول: ثمة نقطة ليست غير وثيقة الصلة بالمرة قط، مفادها أن الدين الفيدرالي للولايات المتحدة يساوي حاليّاً 31 تريليون دولار. وحتى إذا لم تكن على دراية بذلك فسيعرف أطفالك وأبناء أطفالك وأبناء أبناء أطفالك حجم تلك العقبة الكبيرة التي وضعها سياسيون غير مسؤولين في طريقهم بطرائق أفجع من أن نتأملها.
وهناك أسئلة عملية أخرى. فقد أطاح بايدن بنسبة كبيرة من احتياطي النفط الإستراتيجي ليخفف قليلاً من وطأة أسعار البنزين المتصاعدة المترتبة على إسرافه الشديد في النفقات. ويتساءل الناس: “أليس هذا خطراً؟ وماذا لو كنا بحاجة إلى النفط لدعم جيشنا؟».
وبمناسبة الجيش، يتساءل الكاتب: ماذا عن كل تلك المعدات التي شحنّاها إلى أوكرانيا والتي لم تقتصر على دبابات أبرامز، وإنما شملت أيضاً صواريخ عالية التقنية وطائرات بلا طيار؟ ما أثر ذلك على مخزوننا؟ تُحذر المنافذ الإخبارية المسؤولة من أن مخزوننا من نظم الدفاع الأرضي الجوي “ستينغر” ومنظومات الدفاع الجوي “هوك”، ونظم صواريخ باتريوت، وراجمة الصواريخ طراز إم 142 هيمارس ونظام إطلاق الصواريخ المتعددة الموجَّهَة استُنفدت على نحو يُنذِر بالخطر.
وذكر الكاتب: كل يوم على مدار الأشهر العشر الماضية، قرأتأن الخناق يضيق على بوتين، وكيف أن جيشه على شفا الانهيار، وأن شعبه على وشك أن يثور عليه. لكن، لم تقع أي من هذه الأحداث إلى الآن. ربما ستحدث قريباً. فقد شهد الجيش الروسي عدة انتكاسات. لكن، كان هذا في مرحلة مبكرة من الحرب.
الجانب الإنساني للموقف
وأضاف: لقد تعلمت روسيا أو على الأقل تعلمت نوعاً ما من هزائهما. فهي الآن تشن سلسلة من هجمات القصف المدفعي، وتدمر البنى التحتية المدنية والعكسرية على حدٍ سواء. ويسوقنا ذلك إلى الجانب الإنساني للموقف. فقد بلغ عدد القتلى الأوكرانيين مؤخراً نحو 140 ألف قتيل. مَن يدري كم عدد الجرحى والمشوهين؟ وكل هذه الأعداد من شعب يبلغ إجمالي عدد سكانه 40 مليون نسمة. مَن المستفيد إذن؟ يتساءل الكاتب قبل أن يستطرد: ليس نحن بالتأكيد ولا أوكرانيا ولا روسيا. ولكن، ماذا عن الصين؟ فهي تحصل على كميات كبيرة من النفط بأسعار مُخفَّضَة من الرفيق فلاديمير، كميات كان يمكن أن تُستخدم في تدفئة برلين لولا الحرب. وهي تراقب الأوضاع أيضاً بينما ننفق أصولاً عسكرية باهظة الثمن في ساحة الحرب بعيداً عن أرض وطننا.
تشير تصريحات المراقبين في الصين أمثال جوردون تشانغ إلى أن الصين تعد العدة للحرب هي الأخرى. والدلائل “لا تخطئها العين”. فقد كان هذا هو السياق الفرعي الذي لم يكن خفيّاً للغاية لمغامرة الأسبوع الماضي المتمثلة في منطاد المراقبة الصيني، الذي سُمح له بأن يجوب سماء الولايات المتحدة كلها قبل إسقاطه.
وسائل إعلام كاذبة
ويلفت الكاتب إلى “أننا لن نعرف أيّاً من هذه المعلومات من وسائل الإعلام الكاذبة الخبيثة التي تتحرى الكذب لتعزيز رواية النظام الحاكم. فقد بثّت أخباراً كاذبة عن ترامب وروسيا، وعن ترامب ودعوته إلى الرئيس الأوكراني عام 2020، وعن أصول جائحة كورونا، وعن النحو الأمثل للتعامل مع الجائحة والتعافي من الفيروس. وتحرت الكذب بشأن انتخابات عام 2020 وذاك الشخص أسود البشرة الذي مات بسبب جرعة زائدة من الفنتانيل في مينيابوليس أثناء مقاومته للاعتقال.
بعد أن تفكك الاتحاد السوفيتي، أجبر الغرب أوكرانيا على التخلي عن ترسانتها النووية التي كانت مُصنفة الخامسة على مستوى العالم آنذاك، لقاء ضمان أمني. وقد تخلت أوكرانيا عن أسلحتها النووية. فكيف نفعها ذاك الضمان الأمني؟
تبعات لا نهاية لها
والآن، بحسب تعليق المعلق العسكري أوستن باي، تدرس دول عديدة بدايةً من كوريا الجنوبية وانتهاءً باليابان، في الخفاء أو في العلن، فكرة حيازة أسلحة نووية. فقد شاهدت ما حدث لأوكرانيا، وبوسعها أن تسمع وترى ما تفعله الصين. إن الضمانات الأمنية التي يصدرها أنتوني بلينكن وأمثاله لا بأس بها. ولكن، كما قالت الإمبراطورة كاترين الثانية “جلد البشر أرق من الورق».
وقال وينستون تشرشل ذات مرة: «التلاقي والتباحث وجهاً لوجه أفضل من الحرب». وفي الوقت عينه، أدركَ تشرشل أن «قصة الجنس البشري تضرب بجذورها في الحرب». وهذه حقيقة مؤسفة تجاهلناها نحن في الغرب، وسنتحمل تبعاتها وحدنا.