كوفيد -19 فرض عودتها:

لهذا، إعادة فتح الحدود في أوروبا عملية معقّدة...!

لهذا، إعادة فتح الحدود في أوروبا عملية معقّدة...!

  • لم يكن هناك شيء غير قانوني بشكل واضح، لكنه مفتوح للتأويل
  • من الصعب تخيل تخلي الدول الأعضاء عن إدارة حدودها
  • منذ بداية أزمة فيروس كورونا في أوروبا، استعادت الحدود مكانتها

لقد نسيناهم، واعتقدنا أنهم ذهبوا بلا رجعة، ومع ذلك فقــــــد ســـــجلوا عـــــودة قويــــــة هذا العام. منذ بداية أزمــــــة فيــــروس كورونــــــا في أوروبا، عــــادت الحـــــدود كواقع قائم مرة أخرى.
 ومنذئذ، لئن أعيد فتح بعضها، فإن البعض الآخر لا يزال مغلقًا، وأحيانًا أمام جنسيات معينة فقط. وفي غضون أسابيع قليلة، كانت منطقة شنغن، وهي منطقة حرية تنقل للأشخاص داخل الاتحاد الأوروبي، موضع تساؤل.
الآن، للوصول إلى بروكسل من باريس، عليك تقديم اشعار للسلطات البلجيكية.
وفي أمـاكــن أخرى، يجــــد العمـــال العابــــــرون للحدود أنفسهم في مواجهة ضوابط منسية من قبل.
 ولا يزال كل شيء يتم، في بعض الأحيان، دون تنسيق كبير بين الدول وحتى، كما هو الحال في المجر، بدوافع سياسية خفية.
فجأة، لم يعد هذا السؤال يبدو غير منطقي: هل ستتمكن منطقة شنغن، وهي واحدة من أكثر التطورات الملموسة والشعبية في البناء الأوروبي، من العودة إلى وضعها الطبيعي؟
«لقد نسى الناس أن
للدول هذه السلطة»
ما هي منطقة شنغن؟ تم إنشاؤها عام 1985، تشمل اليوم ستة وعشرين دولة (اثنان وعشرون أعضاء في الاتحاد الأوروبي وأربعة آخرون مرتبطون به) وتسمح بحرية التنقل بين حدودها دون الحاجة إلى الخضوع لضوابط الهجرة. في البداية كانت خارج الاتحاد الأوروبي، ثم تم دمج شنغن بقانون المجموعة عام 1999. وبحجمه، يعد هذا البناء فريدًا في العالم.  عمليًا، هذا يعني أنه من الممكن عبور عدة حدود في نفس اليوم، دون الحاجة إلى التقدم للحصول على تأشيرة أو الخضوع للمراقبة، بغض النظر عن الجنسية. وينتج عن اتفاقيات شنغن أيضًا، التزام بالتنسيق والتعاون لمختلف الدول الأوروبية.
هذا نظريا. اما في الممارسة العملية، ورغم الذين ينددون بالدولة الأوروبية العظمى، تحتفظ الدول الأعضاء بالسيطرة على حدودها. هل تريدون مثالا؟ لا حاجة للعودة ابعد من صعود الحواجز في فبراير ومارس الماضيين، الذي حدث في حالة عدم تنظيم كاملة.
«لقد نسي الناس أن الدول تتمتع بهذه السلطة”، يقول رافائيل بوسونغ، الباحث المتخصص في الاتحاد الأوروبي في مؤسسة العلوم الأساسية والسياسية في برلين. وبإمكان المرء أن يتساءل عما إذا كانت هذه القرارات، التي اتُخذت معظم الوقت من جانب واحد، قانونية.
باختصار: نعم. تسمح اتفاقيات شنغن والتوجيهات الأوروبية بشأن حرية التنقل للدول الأعضاء “بإعادة فرض الضوابط والمراقبة مؤقتًا على حدودها الوطنية في حالة تهديد النظام العام أو الأمن، لفترات قابلة للتجديد 30 يومًا”، وكل ذلك لمدة أقصاها ستة أشهر. “لم يكن هناك شيء غير قانوني بشكل واضح، لكنه مفتوح للتأويل. وكلما طال الأمد، يصبح الامر أقل قانونية”، يشرح رافائيل بوسونغ. “يجب تقديم تفسيرا وتعليلا واثبات أن النظام العام مهدد، كما أنها المرة الأولى التي يتم فيها التذرع بأسباب صحية «.
فريديريك بيرود، الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في ستراسبورغ، والمتخصص في القانون الأوروبي، يحد من هذا الأمر: “بالنسبة لي، هذا ليس قانونيًا تمامًا. بالطبع، من الممكن دائمًا إيقاف التدفقات على الحدود لحماية الصحة، لكن في مارس، في كثير من الحالات، لم نحمي الصحة، وقمنا بحماية الرأي العام. عندما أغلقت ألمانيا أبوابها، كان ذلك لأن الشرق الكبير كان في الأحمر. ولمنع العبور وجب فرض الحجر الصحي على سكان الدولة الالمانية بصرامة «.

حلقة مؤلمة
ومع ذلك، فإن لعمليات الإغلاق المفاجئة هذه للحدود عواقب حقيقية. وللسياح على وجه الخصوص، الذين يمكن أن يصبحوا بين عشية وضحاها أشخاصًا غير مرغوب فيهم في منطقة ما. ولكن بشكل خاص للأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الحدود. “أنا اسكن على الحدود. بين ستراسبورغ وكيهل، لم تعد هناك حدود حقيقية. وفي حياة شخص يعيش في ستراسبورغ، من الطبيعي أن يذهب للتسوق في كيهل، ويركب الترام للقيام بذلك، تروي فريديريك بيرود، وكان الأمر صادمًا للغاية لأننا وجدنا أنفسنا أمام حدود محصنة، مع الشرطة واستحالة عبورها، بل أنها فصلت العائلات «.
بعد ستة أشهر من بدء أزمة فيروس كورونا، يبدو أنه تم العثور على بعض مظاهر التنظيم. تنسق الدول الأوروبية بشكل أفضل قليلاً، الا ان كل دولة مسؤولة عن القضايا الصحية، والمعايير تختلف من عاصمة إلى أخرى. مثال ملموس: يمكن للمقيم الفرنسي السفر إلى السويد وألمانيا دون قيود، ولكن لا يمكنه الذهاب إلى الدنمارك. من ناحية أخرى، يمكن للمقيم في السويد الذهاب إلى جاره الإسكندنافي ... بعد قضاء المساء مع الفرنسيين... ثم تخسر منطقة شنغن إحدى مزاياها: المقروئية.

المعايير الموحدة
متى ستكون هناك معايير موضوعية وموحدة للاتحاد الأوروبي؟ قريبا، إذا تمكنت الدول الأوروبية من التوصل إلى اتفاق. لقد قدمت المفوضية الأوروبية في بداية شهر سبتمبر مشروعا يهدف إلى توضيح الموقف. وفي البرنامج، اعتماد معايير وحدود موحدة لإدخال المراقبة على الحدود، ونفس الإجراءات للمسافرين في مناطق الخطر، بالإضافة إلى تعاون أكثر فعالية. ولذلك، فإن السلطة التنفيذية الأوروبية تقترح التفكير من منظور المناطق، وليس الدول.
اذن، حلت المشكلة؟ ليس بعد... لأنه في الاخير، فإن الدول الأعضاء هي التي تتخذ القرارات المتعلقة بالحدود -وكذلك فيما يتعلق بالصحة، ويمكن للمفوضية فقط التوصية والتنسيق. لكل هذا سيكون من الضروري أن توافق الدول السبع والعشرون الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على هذا الموضوع.
ان “المهم في خطة المفوضية، هو الرغبة في تنسيق الإجراءات، تؤكد فريديريك بيرود، لقد أعادت الأزمة الجانب الثنائي من الحدود، مع حدود مغلقة من جانب، ولكن ليس من الجانب الآخر، ويجري العمل على تحسين التعاون «.
إلا أن “معظم الدول الأعضاء تقول إننا بحاجة إلى التنسيق بشكل أفضل وفي نفس الوقت تتمسك أحيانًا بردود الفعل الوطنية القديمة”، يذكّر رافائيل بوسونغ. المجر، على سبيل المثال، التي أغلقت حدودها بين عشية وضحاها قبل أسابيع قليلة امام جميع غير المقيمين بعد زيادة عدد الحالات الإيجابية لـ كوفيد-19. وكأن الفيروس توقف عند الحدود. فريديريك بيرود يرى في ذلك “انتهازية سياسية”. “تحافظ الدول على رد فعلها الذي يتمثل في قول ‘لكي لا تصاب بالأنفلونزا، عليك فقط إغلاق النافذة’، اعتقد العديد من الفرنسيين نفس الشيء في مارس «.
ولأنه بدون رقابة داخلية على سكانها، سواء من خلال الاختبارات أو الحجر الصحي، يبدو أن حظر الوصول إلى الأراضي الوطنية للأوروبيين الآخرين قليل الفعالية. ويجب الاعتراف بأن الإعلان عن إغلاق الحدود أسهل بكثير من وضع سياسة صحية عامة فعالة، انه مذهل وفوري، لكن ليس بدون عواقب.

التطور مطلوب
هل يمكن أن تثير هذه الأحداث تساؤلات حول مستقبل منطقة شنغن؟ “لا أعتقد أن التزام الدول الأعضاء تجاه شنغن بات موضع تشكيك، يقول الباحث الألماني، وإذا توصلنا الى السيطرة على الوباء، فعندئذ سيعود كل شيء الى طبيعته”. خاصة أن المنطقة الأوروبية لحرية الحركة سبق ان شهدت حالات أخرى، كما حدث خلال أزمات الهجرة المختلفة منذ عام 2015، وعرفت كيف تتطور من خلال اعتماد آليات تسمح على وجه الخصوص بوضع رقابة وضوابط مؤقتة.
يبقى جعل هذه العملية برمتها أكثر كفاءة. ان تغيير المعاهدات، الذي من شأنه أن يسمح للاتحاد الأوروبي بتحكم أفضل في حدوده الداخلية، ليس على جدول الأعمال. وفي كل الاحوال، من الصعب تخيل تخلي الدول الأعضاء عن إدارة حدودها. ان التغييرات حتى الطفيفة تتطلب إجماعًا من جميع البلدان، حتى تلك التي ليست جزءً من منطقة شنغن. «أنا من الذين يرون أن غريزة الانكفاء الوطني قد استمرت لفترة طويلة، يعتبر رافائيل بوسونغ، ويجب أن تكون جهود التنسيق إلزامية تقريبًا بين البلدان، ولكن يجب أيضًا إزالة هذه الثغرات في القانون التي تسمح بتجديد الضوابط والمراقبة الحدودية كل ستة أشهر. نحن بحاجة أيضًا إلى تحسين أدوات تنسيق الأزمات”. وكما تلخص فريديريك بيرود، يجب على الاتحاد الأوروبي “أن يلعب دوره كمنسق، ... أن يتم اقرار خطط الأزمة على مستوى الاتحاد، وان يتم التطبيق على مستوى الدول».
وهذا ضروري لكي تكون الكتلة جاهزة لأزمة اخرى، ولكن أيضًا من أجل حرية الحركة، وهي أساس البناء الأوروبي، وعدم التشكيك فيها على المدى الطويل.