رئيس الدولة والرئيس الأميركي يبحثان العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتطورات الإقليمية
قادر على لعب الأدوار العديدة المتوقعة منه
لهذا يحب العالم ترامب بما فيهم الذين يكرهونه...!
-- من خلال تقديمه على أنه غير مستقر ومتشعب، سمحت وسائل الإعلام لترامب بلعب دوره كبطل درامي
-- يدافع المؤلف عن أطروحة «ترمبنة» بنيوية للعالم الغربي المعاصر
-- يُظهر ترامب أيضًا داخليًا أقرب إلى الأنانية الشديدة التي توجه أفعاله وعواطفه
-- مثل الممثل، يرتدي الملابس، ويلعب دورًا، ويعطي صورة عنه مختلفة عن الواقع
-- نموذج للحكم والحياة بدل أن يؤدي إلى حل جماعي للنزاعات، يُدخلنا جميعًا في حال من الانقسامات والخلافات
سواء من حيث السياسة التي يقودها أو الشخصية نفسها، يثير دونالد ترامب الانقسام. ومع ذلك، يتفق المؤيدون والمعارضون لترامب على نقطة تميل إلى إسعاد الشخص المعني: يتم الحديث عنه.
وبعيدًا عن القرارات التي كان دونالد ترامب قادرًا على اتخاذها خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض، يظهر رهان في شكل ملاحظة لأوليفييه فورنو: تجري الآن “ترمبنة” عادية للعالم تعدّل التبادلات بشكل دائم في فضاء عام أصبح مسرح حروب الأنا والجدل المفرط والحروب الكلامية. في كتابه، يتساءل عن هذا النموذج للحوكمة والحياة الذي، بدلاً من أن يؤدي إلى حل جماعي للنزاعات، “يُدخلنا جميعًا في حال جماعي من الانقسامات والخلافات” “ص 5”. وبذلك، يدافع المؤلف عن أطروحة “ترمبنة” بنيوية للعالم الغربي المعاصر. لا يُعرض دونالد ترامب هنا كحالة معزولة ومجنونة وغير مستقرة تمامًا، ولكن كرمز -أو اعراض –”الإدمان البطولي” الجنيس حيث تمثل الاستقلالية وتجاوز الذات “والآخرين” الأوامر والتعليمات الرئيسية، مما يؤدي إلى جعل الصراع النموذج الممثل لعصرنا.
وبالتالي، فإن الهدف من الكتاب هو إشكالية البنية السلوكية، المليئة بالمفارقات، والتي يتم الاستيلاء عليها من قبل جهات فاعلة متنوعة جدا، من السياسيين، مثل دونالد ترامب، إلى مؤلفي كتب تنمية الذات، وجميعهم ممثلين جديرين لشخصية البطل المعاصر.
وتتيح قراءة هذا الكتاب، الذي يتكون من ثلاثة أجزاء تتخللها العديد من الأمثلة والرسوم التوضيحية، أن نفهم بشكل أفضل ليس فقط شخصية دونالد ترامب، ولكن أيضًا شروط ظهور سلوكيات مشابهة وهيكلية.
ظاهرة هيكلية
يهدف الجزء الأول من الكتاب إلى التساؤل عن ظاهرة “الترمبنة” العادية للعالم، والتي يتم وضعها بالتوازي مع تلك الخاصة بالبطولة التي تتجلى في الخطاب السياسي والإعلامي كما في أعمال التطوير الذاتي. لأن إحدى خصائص الظاهرة التي وصفها المؤلف، تكمن في حضورها الطاغي: في كل مكان، تطرح مسألة المجد، أو كيف تصبح بطلاً، أو سيد مصيره، إلخ.
مرتكزة على وسائل الإعلام، يصبح “التبطيل” مهيمنا، حسب المؤلف الذي يرى فيه أرضًا خصبة لتطوير “ترامبية” ستبقى حيّة بعد دونالد ترامب، لأنها تحيل إلى طريقتنا الخاصة في الوجود وتمثّل العالم (ومن هنا جاء التمييز) بين “الترامبي” كأحد أتباع دونالد ترامب، و”ترامبفيست”، الذي يجسده العديد من شخصيات “البطل” المعاصر، من ترامب إلى أوباما مرورا بــ جوكر باتمان.
يشرح أوليفييه فورنو ابتذال عملية “الترمبنة” والقبول بها من خلال تحديد الرابط الموجود بين سلوك دونالد ترامب و “المجتمعات الليبرالية والديمقراطية والغربية والإعلامية” (ص 22). وعلى عكس الفكرة القائلة بأن ترامب يشكل حالة فردية، يطرح المؤلف حالة “الجميع ترامبفيست” التي تمثل أساسًا هيكلًا، سياسيا -اعلاميا. وهذا الأخير يقوم على أساس ميزان القوى والعنف الخطابي و”الصفقات” التي يجب إعادة التفاوض عليها باستمرار حسب الظروف وفي مناخ حرب.
مرحبًا بكم في “قالب البطل»
في هذه الصورة الجدالية والارادية (التي يُدعى القارئ للاشتراك فيها)، يظهر نمط يطيعه كل “ترامبفيست”، ويطلق عليه المؤلف “قالب البطل”، وهي بنية تم تخيلها وتطويرها بطريقة استقرائية من قبل المؤلف من مجموعة كبيرة تتكون من الكتب المدرسية والأفلام والإعلانات والمحتوى الإعلامي، إلخ.
تكمن فائدة هذا القالب في إظهار أن عملية “التبطيل” تتدخل في معظم مجالات مجتمعاتنا الغربية وتشكل بنية سلوكية يرفضها المؤلف انطلاقا من ثلاثة محاور تحتوي كل منها على أمرين متناقضين: محور الذات، الذي يتطلب أن تكون في نفس الوقت جيدًا جدًا في الأدوار الاجتماعية وفي إظهار القدرة على ان تكون باطنيا، ومحور الانتماء لمجموعة، الذي يتطلب التركيز على مهمة معينة مع امتلاك القدرة على الابتعاد عن الروتين، وأخيراً محور العلائقية، الذي يجمع بين التفوق الذاتي والتعاون.
إلى هذه العناصر التي تم تفصيلها في الجزء الثاني من كتابه، يضيف أوليفييه فورنو، التناقض الذي يأتي ليسيطر على العناصر الأخرى ويحافظ عليها في محاور مستقرة بفضل استفحالها وطابعها المتطرف (كلما كانت المقترحات متناقضة، يكون من الأسهل الاحتفاظ بها. معا، يؤكد المؤلف). ونعتقد أن هذا القالب ملائم من حيث أنه يقدم عناصر لفهم السلوكيات -وتكرارها -والتي قد تبدو متناقضة، ومتفردة، وحتى غير متماسكة (كما توصف غالبًا أفعال وخطابات دونالد ترامب)، ولكنها تحيل في الواقع إلى “بنية ذات أفق مشترك” (ص 42).
هكذا يقدم الكتاب وصفًا لانتظام سلوكيات “الترامبفيست” حيث يتم طرح استقلاليتهم في مقدمة المسرح باستمرار، الى درجة تحديد موقع التغيير ليس في الهيكل نفسه وانما في الأشخاص الذين يشكلونه، في “المديرين المتصرفين” الجيدين وسادة حياتهم (ص 46).
وهكذا فإن الاستقلالية التي وعد بها “القادة الترامبفيست”، شخصيات غير متجانسة مثل جاك أتالي أو مؤلف مقال حول تمارين عن الوعي الكامل، تريد أن تكون شاملة، وموجزة في فكرة واحدة: كل صاحب نجاحه (في الحياة الخاصة، والمهنية، في الحياة العامة أو غير العامة، وما إلى ذلك). ومثل هذا القالب، القائم على أساس كل يبحث عن مصلحته، يدين بنجاحه إلى سياق استطرادي ملائم للتنازع والجدل، بينما يقيّد ميزان القوى الخطاب السياسي والإعلامي بما لا يترك مجالاً كبيرا للحوار.
دونالد ترامب، هذا البطل العادي للعالم المعاصر
يوضح الجزء الثاني من الكتاب، بتناول دونالد ترامب كدراسة حالة، العناصر السبعة لـ “قالب البطل”. وهكذا، يوضح المؤلف إلى أي مدى يقترح دونالد ترامب خطابًا يكون فيه التفوق بمثابة “بديهية حرب” (ص 92) تتسم بعنف الخطاب (برنامجه التلفزيوني المبتدئ، حيث يمكنه “طرد المرشحين”، توضح هذه النقطة تمامًا).
النتيجة؟ روح محاربة لا تميل إلى الحوار رغم أن التعاون يمثل، للمفارقة، عنصرًا في النمط السلوكي لـ “الترامبفيست”. وإذا كان المؤلف يشدّد على حقيقة أنه ليس من البديهي ان نجعل من دونالد ترامب بطلًا للتعاون، فإن هذا الأخير نجح في تطوير علاقة خاصة مع الشعب الأمريكي (جزء منه على الأقل) الذي شكل معه روح فريق (ومتعاون).
كما أن ترامب قادر على لعب الأدوار العديدة المتوقعة منه: “مثل الممثل، يرتدي الملابس، ويلعب دورًا، ويعطي صورة عنه مختلفة عن الواقع” (ص 99). ومع ذلك، يمسك المؤلف بمفارقة جديدة: يُظهر دونالد ترامب أيضًا باطنية تشبه أنانية مدفوعة إلى أقصى الحدود حيث يوجه الانفعال أفعاله. هنا مرة أخرى، تم التأكيد على الرابط المربك بين دونالد ترامب، الذي تشجع باطنية أفكاره أنصاره على تصديقه، وكتب تطوير الذات التي تدعو إلى الثقة بالنفس.
هدف المحور الأخير يتوق إلى التوفيق بين الحاجة إلى امتلاك مهمة، وإطار عمل ننخرط فيه، مع القدرة على الابتعاد عن هذا الأخير. للقيام بذلك، يضع ترامب أهدافًا محددة، والتي يتبعها مهما كان الثمن، والتي يجب أن تقوده إلى النجاح في مجال يتقنه، وهو الأعمال. ومع ذلك، فهو قادر على الخروج من الإطار وإظهار عدم الانضباط الذي يميّزه منذ سنوات عديدة. ومن خلال “الخروج من منطقة رفاهه” (ص 119) واللعب على التناقضات، تمكّن من خلق ديناميكية متناقضة تصوغ صورة شخص يعلي من قيمة الاختلاف (مع الاستبلشمنت على سبيل المثال).
ينهي المؤلف هذا الجزء بالعودة إلى المفارقات التي لا تميز شخصية ترامب فحسب، بل تميز أيضًا “الترامبفيست” الذين تتبع سلوكياتهم “قالب البطل”. ويشير إلى التناقضات العديدة في خطابات ترامب، الذي يحدد خياراته وفق الزمنية، قادرا، على سبيل المثال، على معاملة ألمانيا على أنها “شريك فاشل”، وفي اليوم التالي وصف أنجيلا ميركل بأنها “امرأة رائعة” (ص. 130).
بالنسبة للمؤلف، لا يمكن لمثل هذه الاستراتيجية القائمة على المفارقات والأبطال أن تعمل إلا بمساعدة (طوعية أم لا) من وسائل الإعلام، التي تمر بنفس التناقضات عندما يتعلق الأمر باستحضار دونالد ترامب. فمن خلال تقديمه على أنه غير مستقر ومتشعب، سمحوا له بلعب دوره كبطل درامي. في ترامب و “الترامبفيست”، تجد هذه السلوكيات محركًا في دفع الاستقلالية إلى أقصاها، والتمكين والنرجسية، مع اظهار القدرة على “توفيق كل ميول العالم داخله” (ص 145). قلناها... قصة مفارقات ...
الحوار كمهرب
يختتم أوليفييه فورنو عمله بتقديم اثني عشر اقتراحًا لمواجهة هذه “الترامبية” المحيطة حتى لا تفضي، كما يؤكد، الى الملاحظة التي وضعها حول “الجميع فاسدون” (ص 147).
ويدعو هذا الرسم السلوكي الآخر إلى الشك، والحوار، ووضع الأنا بين قوسين، وإدراج شركاء في البحث عن حل، وتخيل تطور العالم، وتخفيف حبّ الذات، والعمل معًا للأخذ في الاعتبار التفسيرات المختلفة، وتفضيل العلاقة على حساب الاختلافات، والحوار بدلاً من المناظرة على التلفزيون، وإعطاء الكلمة للفاعلين على الميدان، وإنشاء سرديات جديدة بشكل جماعي، وإظهار المزيد من الإبداع في التدخلات العامة. وتعكس هذه المقترحات في رأينا رغبة المؤلف في استعادة أخلاقيات معينة في العلاقات الاجتماعية، سواء كانت عامة أو خاصة، وهذا ضد البطولية المتنامية التي تخلو منها.
يقدم أوليفييه فورنو كتابًا واضحًا وموثقًا جيدًا، يستجوب فيه بالتفصيل الأوامر والتعليمات بأن يتجاوز المرء نفسه، وأن يكون أفضل، وأن يجعل الصراع والانقسامات نموذجًا (خطيرًا) للحكم. إن طريقته في تقديم “الترامبفيسم” كهيكل سلوكي مستقر، تتخلله مفارقات، بينما لا يرى فيه البعض سوى الفوضى، وحتى الجنون، هي طريقة مبتكرة ومميزة، حتى لو ان عرضًا أكثر تفصيلاً للمنهجية، ولا سيما من أجل شرح كيف استنتج “قالب البطل”، كان سيكون موضع ترحيب.
هذا القصور الصغير لا ينتقص بأي شكل من الأشكال من أهمية العمل الذي، من خلال تحليل “الاستقلالية الهيكلية” (ص 84) لمجتمعاتنا، يسمح بالربط في نفس القالب تطوير الذات ودونالد ترامب. في الواقع، أوليفييه فورنو يرسم الروح الحالية، عهد الأنا والأبطال باختصار.
*باحث في الاتصال في جامعة سانت لويس -بروكسيل، وعضو في مركز مركز التعليم المندمج من خلال ريادة الأعمال ومركز كاسبر.
**كتاب أوليفييه فورنو ترمبنة العالم -لماذا يعبد العالم ترامب، بما في ذلك أولئك الذين يكرهونه.
-- يدافع المؤلف عن أطروحة «ترمبنة» بنيوية للعالم الغربي المعاصر
-- يُظهر ترامب أيضًا داخليًا أقرب إلى الأنانية الشديدة التي توجه أفعاله وعواطفه
-- مثل الممثل، يرتدي الملابس، ويلعب دورًا، ويعطي صورة عنه مختلفة عن الواقع
-- نموذج للحكم والحياة بدل أن يؤدي إلى حل جماعي للنزاعات، يُدخلنا جميعًا في حال من الانقسامات والخلافات
سواء من حيث السياسة التي يقودها أو الشخصية نفسها، يثير دونالد ترامب الانقسام. ومع ذلك، يتفق المؤيدون والمعارضون لترامب على نقطة تميل إلى إسعاد الشخص المعني: يتم الحديث عنه.
وبعيدًا عن القرارات التي كان دونالد ترامب قادرًا على اتخاذها خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض، يظهر رهان في شكل ملاحظة لأوليفييه فورنو: تجري الآن “ترمبنة” عادية للعالم تعدّل التبادلات بشكل دائم في فضاء عام أصبح مسرح حروب الأنا والجدل المفرط والحروب الكلامية. في كتابه، يتساءل عن هذا النموذج للحوكمة والحياة الذي، بدلاً من أن يؤدي إلى حل جماعي للنزاعات، “يُدخلنا جميعًا في حال جماعي من الانقسامات والخلافات” “ص 5”. وبذلك، يدافع المؤلف عن أطروحة “ترمبنة” بنيوية للعالم الغربي المعاصر. لا يُعرض دونالد ترامب هنا كحالة معزولة ومجنونة وغير مستقرة تمامًا، ولكن كرمز -أو اعراض –”الإدمان البطولي” الجنيس حيث تمثل الاستقلالية وتجاوز الذات “والآخرين” الأوامر والتعليمات الرئيسية، مما يؤدي إلى جعل الصراع النموذج الممثل لعصرنا.
وبالتالي، فإن الهدف من الكتاب هو إشكالية البنية السلوكية، المليئة بالمفارقات، والتي يتم الاستيلاء عليها من قبل جهات فاعلة متنوعة جدا، من السياسيين، مثل دونالد ترامب، إلى مؤلفي كتب تنمية الذات، وجميعهم ممثلين جديرين لشخصية البطل المعاصر.
وتتيح قراءة هذا الكتاب، الذي يتكون من ثلاثة أجزاء تتخللها العديد من الأمثلة والرسوم التوضيحية، أن نفهم بشكل أفضل ليس فقط شخصية دونالد ترامب، ولكن أيضًا شروط ظهور سلوكيات مشابهة وهيكلية.
ظاهرة هيكلية
يهدف الجزء الأول من الكتاب إلى التساؤل عن ظاهرة “الترمبنة” العادية للعالم، والتي يتم وضعها بالتوازي مع تلك الخاصة بالبطولة التي تتجلى في الخطاب السياسي والإعلامي كما في أعمال التطوير الذاتي. لأن إحدى خصائص الظاهرة التي وصفها المؤلف، تكمن في حضورها الطاغي: في كل مكان، تطرح مسألة المجد، أو كيف تصبح بطلاً، أو سيد مصيره، إلخ.
مرتكزة على وسائل الإعلام، يصبح “التبطيل” مهيمنا، حسب المؤلف الذي يرى فيه أرضًا خصبة لتطوير “ترامبية” ستبقى حيّة بعد دونالد ترامب، لأنها تحيل إلى طريقتنا الخاصة في الوجود وتمثّل العالم (ومن هنا جاء التمييز) بين “الترامبي” كأحد أتباع دونالد ترامب، و”ترامبفيست”، الذي يجسده العديد من شخصيات “البطل” المعاصر، من ترامب إلى أوباما مرورا بــ جوكر باتمان.
يشرح أوليفييه فورنو ابتذال عملية “الترمبنة” والقبول بها من خلال تحديد الرابط الموجود بين سلوك دونالد ترامب و “المجتمعات الليبرالية والديمقراطية والغربية والإعلامية” (ص 22). وعلى عكس الفكرة القائلة بأن ترامب يشكل حالة فردية، يطرح المؤلف حالة “الجميع ترامبفيست” التي تمثل أساسًا هيكلًا، سياسيا -اعلاميا. وهذا الأخير يقوم على أساس ميزان القوى والعنف الخطابي و”الصفقات” التي يجب إعادة التفاوض عليها باستمرار حسب الظروف وفي مناخ حرب.
مرحبًا بكم في “قالب البطل»
في هذه الصورة الجدالية والارادية (التي يُدعى القارئ للاشتراك فيها)، يظهر نمط يطيعه كل “ترامبفيست”، ويطلق عليه المؤلف “قالب البطل”، وهي بنية تم تخيلها وتطويرها بطريقة استقرائية من قبل المؤلف من مجموعة كبيرة تتكون من الكتب المدرسية والأفلام والإعلانات والمحتوى الإعلامي، إلخ.
تكمن فائدة هذا القالب في إظهار أن عملية “التبطيل” تتدخل في معظم مجالات مجتمعاتنا الغربية وتشكل بنية سلوكية يرفضها المؤلف انطلاقا من ثلاثة محاور تحتوي كل منها على أمرين متناقضين: محور الذات، الذي يتطلب أن تكون في نفس الوقت جيدًا جدًا في الأدوار الاجتماعية وفي إظهار القدرة على ان تكون باطنيا، ومحور الانتماء لمجموعة، الذي يتطلب التركيز على مهمة معينة مع امتلاك القدرة على الابتعاد عن الروتين، وأخيراً محور العلائقية، الذي يجمع بين التفوق الذاتي والتعاون.
إلى هذه العناصر التي تم تفصيلها في الجزء الثاني من كتابه، يضيف أوليفييه فورنو، التناقض الذي يأتي ليسيطر على العناصر الأخرى ويحافظ عليها في محاور مستقرة بفضل استفحالها وطابعها المتطرف (كلما كانت المقترحات متناقضة، يكون من الأسهل الاحتفاظ بها. معا، يؤكد المؤلف). ونعتقد أن هذا القالب ملائم من حيث أنه يقدم عناصر لفهم السلوكيات -وتكرارها -والتي قد تبدو متناقضة، ومتفردة، وحتى غير متماسكة (كما توصف غالبًا أفعال وخطابات دونالد ترامب)، ولكنها تحيل في الواقع إلى “بنية ذات أفق مشترك” (ص 42).
هكذا يقدم الكتاب وصفًا لانتظام سلوكيات “الترامبفيست” حيث يتم طرح استقلاليتهم في مقدمة المسرح باستمرار، الى درجة تحديد موقع التغيير ليس في الهيكل نفسه وانما في الأشخاص الذين يشكلونه، في “المديرين المتصرفين” الجيدين وسادة حياتهم (ص 46).
وهكذا فإن الاستقلالية التي وعد بها “القادة الترامبفيست”، شخصيات غير متجانسة مثل جاك أتالي أو مؤلف مقال حول تمارين عن الوعي الكامل، تريد أن تكون شاملة، وموجزة في فكرة واحدة: كل صاحب نجاحه (في الحياة الخاصة، والمهنية، في الحياة العامة أو غير العامة، وما إلى ذلك). ومثل هذا القالب، القائم على أساس كل يبحث عن مصلحته، يدين بنجاحه إلى سياق استطرادي ملائم للتنازع والجدل، بينما يقيّد ميزان القوى الخطاب السياسي والإعلامي بما لا يترك مجالاً كبيرا للحوار.
دونالد ترامب، هذا البطل العادي للعالم المعاصر
يوضح الجزء الثاني من الكتاب، بتناول دونالد ترامب كدراسة حالة، العناصر السبعة لـ “قالب البطل”. وهكذا، يوضح المؤلف إلى أي مدى يقترح دونالد ترامب خطابًا يكون فيه التفوق بمثابة “بديهية حرب” (ص 92) تتسم بعنف الخطاب (برنامجه التلفزيوني المبتدئ، حيث يمكنه “طرد المرشحين”، توضح هذه النقطة تمامًا).
النتيجة؟ روح محاربة لا تميل إلى الحوار رغم أن التعاون يمثل، للمفارقة، عنصرًا في النمط السلوكي لـ “الترامبفيست”. وإذا كان المؤلف يشدّد على حقيقة أنه ليس من البديهي ان نجعل من دونالد ترامب بطلًا للتعاون، فإن هذا الأخير نجح في تطوير علاقة خاصة مع الشعب الأمريكي (جزء منه على الأقل) الذي شكل معه روح فريق (ومتعاون).
كما أن ترامب قادر على لعب الأدوار العديدة المتوقعة منه: “مثل الممثل، يرتدي الملابس، ويلعب دورًا، ويعطي صورة عنه مختلفة عن الواقع” (ص 99). ومع ذلك، يمسك المؤلف بمفارقة جديدة: يُظهر دونالد ترامب أيضًا باطنية تشبه أنانية مدفوعة إلى أقصى الحدود حيث يوجه الانفعال أفعاله. هنا مرة أخرى، تم التأكيد على الرابط المربك بين دونالد ترامب، الذي تشجع باطنية أفكاره أنصاره على تصديقه، وكتب تطوير الذات التي تدعو إلى الثقة بالنفس.
هدف المحور الأخير يتوق إلى التوفيق بين الحاجة إلى امتلاك مهمة، وإطار عمل ننخرط فيه، مع القدرة على الابتعاد عن هذا الأخير. للقيام بذلك، يضع ترامب أهدافًا محددة، والتي يتبعها مهما كان الثمن، والتي يجب أن تقوده إلى النجاح في مجال يتقنه، وهو الأعمال. ومع ذلك، فهو قادر على الخروج من الإطار وإظهار عدم الانضباط الذي يميّزه منذ سنوات عديدة. ومن خلال “الخروج من منطقة رفاهه” (ص 119) واللعب على التناقضات، تمكّن من خلق ديناميكية متناقضة تصوغ صورة شخص يعلي من قيمة الاختلاف (مع الاستبلشمنت على سبيل المثال).
ينهي المؤلف هذا الجزء بالعودة إلى المفارقات التي لا تميز شخصية ترامب فحسب، بل تميز أيضًا “الترامبفيست” الذين تتبع سلوكياتهم “قالب البطل”. ويشير إلى التناقضات العديدة في خطابات ترامب، الذي يحدد خياراته وفق الزمنية، قادرا، على سبيل المثال، على معاملة ألمانيا على أنها “شريك فاشل”، وفي اليوم التالي وصف أنجيلا ميركل بأنها “امرأة رائعة” (ص. 130).
بالنسبة للمؤلف، لا يمكن لمثل هذه الاستراتيجية القائمة على المفارقات والأبطال أن تعمل إلا بمساعدة (طوعية أم لا) من وسائل الإعلام، التي تمر بنفس التناقضات عندما يتعلق الأمر باستحضار دونالد ترامب. فمن خلال تقديمه على أنه غير مستقر ومتشعب، سمحوا له بلعب دوره كبطل درامي. في ترامب و “الترامبفيست”، تجد هذه السلوكيات محركًا في دفع الاستقلالية إلى أقصاها، والتمكين والنرجسية، مع اظهار القدرة على “توفيق كل ميول العالم داخله” (ص 145). قلناها... قصة مفارقات ...
الحوار كمهرب
يختتم أوليفييه فورنو عمله بتقديم اثني عشر اقتراحًا لمواجهة هذه “الترامبية” المحيطة حتى لا تفضي، كما يؤكد، الى الملاحظة التي وضعها حول “الجميع فاسدون” (ص 147).
ويدعو هذا الرسم السلوكي الآخر إلى الشك، والحوار، ووضع الأنا بين قوسين، وإدراج شركاء في البحث عن حل، وتخيل تطور العالم، وتخفيف حبّ الذات، والعمل معًا للأخذ في الاعتبار التفسيرات المختلفة، وتفضيل العلاقة على حساب الاختلافات، والحوار بدلاً من المناظرة على التلفزيون، وإعطاء الكلمة للفاعلين على الميدان، وإنشاء سرديات جديدة بشكل جماعي، وإظهار المزيد من الإبداع في التدخلات العامة. وتعكس هذه المقترحات في رأينا رغبة المؤلف في استعادة أخلاقيات معينة في العلاقات الاجتماعية، سواء كانت عامة أو خاصة، وهذا ضد البطولية المتنامية التي تخلو منها.
يقدم أوليفييه فورنو كتابًا واضحًا وموثقًا جيدًا، يستجوب فيه بالتفصيل الأوامر والتعليمات بأن يتجاوز المرء نفسه، وأن يكون أفضل، وأن يجعل الصراع والانقسامات نموذجًا (خطيرًا) للحكم. إن طريقته في تقديم “الترامبفيسم” كهيكل سلوكي مستقر، تتخلله مفارقات، بينما لا يرى فيه البعض سوى الفوضى، وحتى الجنون، هي طريقة مبتكرة ومميزة، حتى لو ان عرضًا أكثر تفصيلاً للمنهجية، ولا سيما من أجل شرح كيف استنتج “قالب البطل”، كان سيكون موضع ترحيب.
هذا القصور الصغير لا ينتقص بأي شكل من الأشكال من أهمية العمل الذي، من خلال تحليل “الاستقلالية الهيكلية” (ص 84) لمجتمعاتنا، يسمح بالربط في نفس القالب تطوير الذات ودونالد ترامب. في الواقع، أوليفييه فورنو يرسم الروح الحالية، عهد الأنا والأبطال باختصار.
*باحث في الاتصال في جامعة سانت لويس -بروكسيل، وعضو في مركز مركز التعليم المندمج من خلال ريادة الأعمال ومركز كاسبر.
**كتاب أوليفييه فورنو ترمبنة العالم -لماذا يعبد العالم ترامب، بما في ذلك أولئك الذين يكرهونه.