لوس أنجليس 1932.. ألعاب في عصر هوليوود والعظمة الأميركية

لوس أنجليس 1932.. ألعاب في عصر هوليوود والعظمة الأميركية

حطّت الألعاب الأولمبية رحالها عام 1932 في مدينة لوس أنجليس في كاليفورنيا "بلاد السعادة والمستقبل وقبلة أنظار الكثيرين"، "موطن صناعة السينما وعالم الشهرة والأضواء والنجوم"، "مكان الطبقة الميسورة وسهولة تحقيق الأحلام" عابرة للمرة الثانية منذ إعادة إحيائها المحيط الأطلسي.
كانت المدينة "غير متّفقة" والأزمة الاقتصادية منذ انهيار بورصة نيويورك أواخر العشرينيات، فجسّدت عالمًا آخر وفتحت آفاقًا جديدة واعتبرت المكان المناسب لتمجيد الرياضة والاحتفال بعظمتها، على الطريقة الاميركية طبعاً.
وإذا كانت اللجنة الأولمبية الدولية شمّرت عن ساعديها لضمان مشاركة جيّدة من الدول البعيدة التي وجدت صعوبة في إيفاد بعثاتها نظرًا لارتفاع التكاليف بالدرجة الأولى، فأسهمت في نفقات النقل والإعاشة، فإن اللجنة المنظّمة أرست عددًا من الأسس الجديدة لطقوس الألعاب وحسن سيرها إداريًا وفنيًا.
فقد شيّدت الاستاد العملاق التي يتسع لـ105 آلاف متفرج، وبنت القرية الاولمبية على بعد نحو 20 كلم من المدينة وفق مقاييس غير معهودة وأساليب جديدة في تشييد البيوت الجاهزة. وتألفت كل شقة فيها من غرفتين وحمام وشرفة صغيرة، وخصّصت لإقامة اللاعبين، بينما أسكنت اللاعبات في الفنادق، واعتمدت للمرة الأولى منصّة بارتفاعات مختلفة لتتويج الفائزين، وعزف النشيد الوطني تكريمًا.
وظهرت ثورة صورة النهاية (فوتوفينيش)، وباتت الوسيلة الفاصلة في تحديد الفائزين في مسابقات السرعة. وكانت من أفكار الساعاتي غوستافوس كيربي الذي استفاد من عمله التقني في هوليوود ليحقق اختراعه، فضلاً عن بدء اعتماد التوقيت الآلي وإقامة المنشآت الكبيرة.
كان همّ الاميركيين تجسيد تفوّقهم السينمائي وتقدّمهم الصناعي فعبّروا عن ذلك "بتقديم ألعاب عظيمة غير مسبوقة"، لذا شهدت لوس انجليس خطة تحديث شاملة وشيّد الاستاد مكان ميدان سباق الخيل.
وحرّك تنظيم الألعاب العجلة الاقتصادية في الجوار بفضل الإعمار والتأهيل والتبادل التجاري والحركة السياحية، ما أطفأ قليلاً من أزمة البطالة. ودعم رجال الأمن الخيالة "كاوبوي" وبعضهم تحدّى الرياضيين في مسابقات صغيرة ودية.
بلغت حصيلة الولايات المتحدة في صدارة الترتيب 41 ذهبية وحلت ايطاليا ثانية (12)، وفرنسا ثالثة (10).
فرض الأميركيون نظامهم على الجميع إعدادًا وإخراجًا إذا صحّ التعبير، حتى أن بعض المدرّبين المواكبين لرياضييهم من خلف المحيط، رفضوا في البداية فكرة الاختلاط في القرية الاولمبية خشية أن يفسد ذلك خططهم ويكشف أسرارهم الفنية.
ولا عجب أيضًا من ذكر أن بعض الأرقام القياسية المسجّلة من قبل الأوروبيين تحديدًا لم "تحظ باحترام" المضيفين، وشكّكوا في صحتها، فتجاهلتها الصحافة في تحليلاتها واستعراضها لموازين القوى والتوقعات بشأن المسابقات والأسماء المرشحة لألقابها.
وفرضت السيدات وجودهن في "العالم الجديد". كانت أفضلهن صبية في سن الثامنة عشرة قادمة من تكساس تدعى ميلدريد ديدريكسون، وتنادى "بايب" وهي أحرزت لقب سباق 80 م حواجز وسجّلت رقمًا عالميًا مقداره 11.7 ثانية. ونافست الألمانيتين إيلين براومولر وتيلي فلايشر في رمى الرمح، وتفوقت عليهما في المحاولة الأخيرة برمية عالمية مقدارها 43.68 م.
وأحدثت ساعات التوقيت الميكانيكية التي أطلق على مقاساتها باللغة الفنية اسم "التوقيت الكهربائي" ثورة في مفهوم الأرقام المسجلة، فها هو الرقم العالمي لسباق الجري 100 م يتحطّم سريعًا ويتدحرج من 10.8 إلى 10.3 ثوان، وبطله الجديد الاميركي أيدي تولان، النموذج الذي حصد أيضًا سباق 200 م. وتمكن ومواطنه رالف متكالف من تحقيق الزمن عينه في سباق 100 م، غير أن صورة خط النهاية حسمت الموقف في مصلحة تولان.
سباقات السرعة التي أطلقت "الهيمنة الاميركية السوداء" نظرًا لكثرة المواهب والأسماء في العدو، حتى أن فريق البدل 4 مرات 100 م الذي سجل رقمًا عالميًا جديدًا مقداره 40 ثانية لم يضم تولان أو متكالف.
وفي سباق 10 آلاف متر، غاب الاحتكار الفنلندي للمرة الأولى منذ 1912، وتوج البولندي يانوش كوسوتشينسكي بطلاً.
ولأن المسابقات كانت تجرى على إيقاع "أشرطة هوليوود"، لم يغب نجومها عن المدرجات أمثال غاري كوبر وتشارلي تشابلن وهارولد لويد الذي شتت خصوره تركيز حكام وسباق 3000 م موانع ومراقبيه، فوقع العداؤون في الإرباك وركضوا لفة إضافية (460 م)، ودفع الثمن الأميركي جوماك كلوسكي إذ حل ثالثًا، علمًا انه كان متصدرًا حتى النهاية الأساسية للسباق... في المقابل توج الفنلندي فولماري ايزو هولو.
أما "البطولة اليابانية" فكان مسرحها سباقات الحوض، والحصيلة خمس ذهبيات، وبروز يوشييوكي تسوروتا بطل 200 م صدرًا في أمستردام 1928، إذ احتفظ باللقب وأسهم بحصد بلاده سباق البدل 4 مرات 200 م.
ولفت اليابانيون الأنظار لان نجومهم من صغار السن أمثال كومو كيتامورا (14 عامًا) بطل 1500 م، وياسوجي ميازاكي (16 عامًا) بطل 100 م حرة، وماساجي كيويكاوا بطل 100 م ظهرا، كانوا "خارقين".
وأدرك اليابانيون أهمية التفوق الرياضي واقترانه في عكس مدى القوة الاقتصادية والتأثير السياسي فنسجوا على منوال الاميركيين منذ ان قامت فرقهم الجامعية بزيارات للولايات المتحدة عام 1925. ونقلوا عنهم العناية والرعاية بهذا القطاع فأنشأوا وحدات رياضية نموذجية في ست جامعات للاعداد على مستوى عال.
أفلت لقب 400 م حرة فقط من بين سباقات السرعة من قبضة السباحين اليابانيين وحفظ من خلاله الأميركيون ماء الوجه، بفضل بوستر كرابه الذي تفوّق على الفرنسي جان تاريس حامل الرقم القياسي العالمي بنحو عشر من الثانية.
يتذكر تاريس في فيلم وثائقي أعد من مسيرته ان "اجتيازنا المحيط استغرق خمسة أيام ونصف اليوم، لم يكن هناك على متن السفينة حوض لأتدرب فيه، لذا اكتفيت بالتمارين السويدية والجري الخفيف. وقتلت البعثة وقت السفر بتنظيم اللاعبين مباريات في الملاكمة والمصارعة والمبارزة. وعند الوصول إلى نيويورك فضلت التوجه إلى الحوض المتوافر للتدريب على حضور الاستقبال الذي نظّمته السفارة الفرنسية، وكان ممثلها خلاله الشاعر بول كلوديل.
ويتابع تاريس "استغرقت الرحلة إلى لوس انجليس خمسة أيام بقطار خاص كان يتوقف بناء على طلبنا. وأقيمت لنا حفلات استقبال في المحطات من قبل فرق اميركية كانت تعزف النشيد الفرنسي... وبهرتنا لوس انجليس منذ ان وطأت أقدامنا أرضها.. انها ساحرة ومغرياتها كثيرات.. وكثر منا استمتعوا بها ولم يدعوا الفرصة تفوتهم وإن كان على حساب تحقيق إنجازات استعدوا لها طويلا".
ومن خلال ألعاب لوس أنجليس، تفتحت العيون أكثر على أن الرياضة باتت صناعة يكرّس لها الوقت والجهد والمعدات وتستثمر فيها الأموال، ودرجت موضة تخصيص مدّرب لكل رياضي لمزيد من التحضير المناسب.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot