لإعداد زيارة الرئيس تبون لفرنسا الخريف القادم :

مؤرخون فرنسيون في الجزائر لتهدئة الذاكرة الجريحة

بعد استقبال الوفد الجزائري في باريس، جاء دور المؤرخين الفرنسيين للسفر إلى الجزائر، بهدف التحضير لزيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا الخريف المقبل.
 « وجدنا الاستماع من زملائنا الفرنسيين. لكن الجزائر تظل متمسكة بذاكرتها. » بهدوء يقول محمد الكورسو ويظل إيجابيا. وهو أحد خمسة مؤرخين اختارتهم الرئاسة الجزائرية ليناقشوا مع خمسة من زملائهم الفرنسيين الذاكرة المشتركة بين البلدين. لكن المؤرخ لا ينكر وجود عوائق في عمل هذه اللجنة المشتركة. وللمرة الخامسة خلال عام واحد، التقى المؤرخون العشرة في نهاية مايو هذه المرة في الجزائر العاصمة، في مقر الأرشيف الوطني لعقد «اجتماع محوري» تحضيريًا لزيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس الجزائري إلى فرنسا في الخريف المقبل، في أعقاب الانتخابات التي من غير المستغرب أن تعيد عبد المجيد تبون إلى السلطة.

 الوفد الفرنسي برئاسة المؤرخ المعروف بكتاباته عن الجزائر بنيامين ستورا أراد زيارة الأماكن التي تمثل التاريخ المشترك قبل جلسة العمل الرسمية. 
ذهب إلى المكتبة الوطنية الجزائرية، التي تحتوي على وثائق تتعلق بالفترة الاستعمارية، ثم إلى محكمة الجزائر العاصمة، التي استضافت محاكمات رفيعة المستوى خلال حرب الاستقلال الجزائرية. وهناك صدرت أحكام الإعدام ضد الاستقلاليين الجزائريين. وواصل الفريق زيارته إلى متحف الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة الذي يضم لوحات لرسامين فرنسيين وعالميين مشهورين مثل دي لاكروا ومونيه بالإضافة إلى رسامين جزائريين. ثم توجه إلى حديقة الحامة، و هي إحدى أقدم الحدائق النباتية في العالم والتي تم إنشاؤها عام 1832، بعد عامين فقط من وصول الجيوش الفرنسية إلى الجزائر العاصمة.

ولم تدخل المجموعة في المناقشات الصعبة إلا يوم الجمعة 24 مايو-أيار.
 ومن وجهة النظر الجزائرية، كان التقدم الملحوظ موضع تقدير. واعترفت السلطات الفرنسية بـ»جرائم» معينة، مثل مذبحة المتظاهرين الجزائريين الذين ألقيوا في نهر السين ليلة 17 أكتوبر-تشرين الأول 1961. وأعادت تسمية الأماكن العامة التي كانت تحمل أسماء أحداث أو وقائع مرتبطة بالاستعمار. لكن مسألة فتح الأرشيف واستعادة بعض القطع ما زالت عالقة. وتطالب الجزائر على وجه الخصوص بالسيوف أو بالمصحف الذي كان يملكه الأمير عبد القادر، الذي حارب غزو فرنسا للجزائر في منتصف القرن التاسع عشر. وأصبح الأخير منذ ذلك الحين رمزا للوحدة الوطنية والدفاع عن الوطن.

 «جميع متاحف فرنسا هي في نهاية المطاف نتاج ثروة المستعمرات المختلفة. تجريد فرنسا من هذه الثروة بين عشية وضحاها سيجعلها ضحية، كما يعترف محمد الكورسو. ومن الطبيعي إذن أن تكون كل هذه الأسئلة محل نقاش وجدل ومفاوضات. ومع ذلك، فإن الجزائر ملتزمة بشدة باسترجاع ما تعتبره ملكها غير القابل للتصرف والذي لا جدال فيه. «كما أشارت السلطات الفرنسية إلى الطبيعة «غير القابلة للتصرف» للأشياء التي تم التبرع بها للمتاحف الفرنسية تحت القسم، ولا سيما من قبل أحفاد الجنرالات السابقين في الجيش الاستعماري. ويجادل محمد لحسن الزغيدي، الرئيس المشارك لهذه المجموعة من المؤرخين، بأن “الهبة المزعومة تمت تحت ابتزاز وضغط من السلطات الفرنسية، والبرنوس والسيفُ ملكٌ للأمير عبد القادر، وبالتالي ملك للجزائر”. والأخير يستعد لمفاوضات صعبة على عدة جبهات.

 وقال في مارس الماضي بتيزي وزو  بمنطقة القبايل «إننا نخوض معركة هي معركة استعادة الأرشيف الوطني الذي أنشئت من أجله اللجنة الجزائرية الفرنسية للذاكرة والتاريخ». وقد تم تقديم التنازلات بالفعل: “ترفض السلطات الفرنسية إعادة هذا الأرشيف العسكري إلينا بحجة أنه سيادي، لكننا مازلنا نستعيد أكثر من مليوني وثيقة”، كما قال الباحث. في الوقت الحالي، هذه نسخ وأرشيفات رقمية. الجزائريون يريدون «الأصول». ولا يمكن حل هذه المسألة إلا بالتحكيم السياسي من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون.و هذا شرط لا غنى عنه في الجزائر العاصمة لتطبيع العلاقة بين البلدين