تقنية جديدة تسهل عمل الأجهزة بكفاءة من خلال توفير لغة تواصل مشتركة
"ماتر" و"واي فاي هالو"... ثورة في مفهوم المنازل الذكية
قطع مفهوم المنازل الذكية شوطاً طويلاً منذ الصعود الهائل لإنترنت الأشياء قبل نحو 15 عاماً، فما بدأ كنظام مجزأ من الأجهزة المرتبطة بمنصات خاصة، تطور إلى ساحة من أجل التكامل السلس والتجارب الملائمة للمستهلك. ولم يعد المستهلكون راضين عن أجهزة المنزل المتصلة التي تعمل بصورة منفصلة أو تتطلب مجموعة متنوعة من التطبيقات والمحاور، بل إنهم يبحثون عن التوافقية والموثوقية والبساطة.
ولمواجهة هذه التحديات، ظهرت في الأعوام القليلة الماضية تقنية "التوافق المفتوح المصدر" المعروفة باسم "ماتر" Matter، وهي مواصفة اتصال عالمية قائمة على بروتوكول الإنترنت، يدعمها تحالف معايير الاتصال (CSA)، لتوحيد أنظمة المنازل الذكية والقضاء على صعوبات توافق الأجهزة.
وبدعم من كبار مزودي منصات المنازل الذكية مثل "أمازون" و"أبل" و"غوغل" و"سامسونغ"، تعيد هذه التقنية الجديدة تعريف كيفية تفاعل الأجهزة المتصلة من خلال توفير لغة تواصل مشتركة، وتعالج بعضاً من أكثر التحديات إلحاحاً في قطاع المنازل الذكية ألا وهي صعوبات التوافق، وعمليات التثبيت المعقدة.
ما هي "ماتر"؟
تمكن هذه التقنية مختلف الأجهزة والأنظمة المنزلية من العمل بكفاءة، من هنا يجب على مصنعي الأجهزة الامتثال لمعيار "ماتر" لضمان توافق أجهزتهم مع خدمات المنزل الذكي، مثل "أليكسا" من شركة "أمازون"، و"سيري" من شركة "أبل"، و"مساعد غوغل" وغيرها، وبالنسبة إلى من ينشئ منزلاً ذكياً تتيح هذه التقنية نظرياً شراء أي جهاز واستخدام المساعد الصوتي أو المنصة التي تفضلها للتحكم به.
على سبيل المثال، يمكنك شراء مصباح ذكي متوافق مع "ماتر" وإعداده مع "أبل هومكيت" أو "مساعد غوغل" أو "أليكسا"، من دون الحاجة إلى القلق حيال التوافق. وحالياً، تدعم بعض الأجهزة بالفعل منصات متعددة (مثل "أليكسا" أو "مساعد غوغل")، ولكن "ماتر" ستوسع نطاق دعم هذه المنصات وتسهل إعداد أجهزتك الجديدة.
يعمل البروتوكول الأول للتقنية على طبقات شبكة "واي فاي"، ويستخدم تقنية Bluetooth Low Energy لإعداد الجهاز. ومع دعمه لكثير من المنصات، يجب عليك اختيار المساعدين الصوتيين والتطبيقات التي ترغب في استخدامها. ولأن "ماتر" تعمل على شبكتك المحلية، يمكنك توقع استجابة أجهزة منزلك الذكي بصورة فضلى، واستمرارها في العمل حتى عند انقطاع الإنترنت.
ما الذي يمكنك فعله؟
الوظائف التي تدعمها هذه التقنية كثيرة، إذ يمكنك تشغيل أو إيقاف الأضواء الذكية وتغيير سطوعها ولونها، وتشغيل أو إيقاف المقابس الذكية، وقفل وفتح الأقفال الذكية، وفتح وإغلاق الستائر الذكية.
ويتيح لك بث التقنية بث المحتوى من تطبيقات الهواتف الذكية المدعومة إلى أجهزة التلفزيون أو الشاشات الذكية، مع أن "أمازون" تبدو الشركة الوحيدة التي تستخدمها حتى الآن. وتسمح تقنية "ماتر 1.3" للعملاء بالاتصال بشاشة واحدة، مما يسمح باستخدامها للألعاب، كذلك فإنها تتيح لأجهزة مثل المكانس الكهربائية الروبوتية والأقفال الذكية وغسالات الأطباق إرسال إشعارات.
وتمكن إدارة الطاقة عبر التقنية الأجهزة من الإبلاغ عن استهلاكها أو إنتاجها للطاقة في الوقت الفعلي وتتبعه بمرور الوقت، وقد يمنحك هذا الأمر فهماً أعمق لاستهلاكك للطاقة، فيما تتيح لك إضافات، مثل شحن السيارات الكهربائية، وطلب شحن سيارتك من "غوغل" لفترة محددة، أو أتمتة الشحن بناءً على ظروف أخرى (الألواح الشمسية أو مستويات البطارية أو الاستخدام الحالي في المنزل أو حتى أسعار الكهرباء).
توسيع فوائد "ماتر"
على رغم تبسيط "ماتر" لإمكان التشغيل البيني، لا تزال مشكلات الاتصال قائمة في بيئات المنازل الذكية اليوم، ومن الحلول لضمان تعزيز إمكانات الأنظمة التي تدعم "ماتر" هي تقنية "واي فاي هالو"، وهو بروتوكول لا سلكي مفتوح ومعتمد من تحالف "واي فاي".
تنص المواصفات العامة لتقنية "واي فاي هالو" على تشغيلها في نطاق ترددات تقل عن واحد غيغاهرتز، وهو ما يمثل تحولاً كبيراً عن إصدارات "واي فاي" التقليدية بترددات 2.4 غيغاهرتز أو 5 غيغاهرتز. ويمكن نطاق التردد المنخفض هذا أجهزة "واي فاي هالو" من الحفاظ على اتصالات قوية لمسافات طويلة قد تصل إلى 16 كيلومتراً، مما يجعلها خياراً مثالياً للمنازل أو العقارات ذات الهياكل المنفصلة. وهكذا يمكن توصيل أجهزة استشعار الحركة التي تراقب مرأباً بعيداً أو سلسلة من مصابيح LED الذكية حول محيط الفناء بسلاسة بشبكة المنزل من دون الحاجة إلى موسعات إضافية أو تكوينات معقدة.
وباختصار، يمكن لتقنية "واي فاي هالو" تعزيز توافق وموثوقية المنزل الذكي من خلال توسيع نطاق الأجهزة التي تدعم "ماتر" عبر مسافات أطول من بروتوكولات المنازل الذكية اللاسلكية الأخرى.
ومن المزايا الرئيسة الأخرى لتقنية "واي فاي هالو" في أنظمة "ماتر" قدرتها على اختراق الحواجز المادية، بما في ذلك الجدران والأرضيات التي قد تعوق الاتصال اللاسلكي. تواجه شبكات "واي فاي" التقليدية أحياناً صعوبات في هذه البيئات، مما يؤدي إلى أداء متقطع وشعور بالإحباط، وتتخطى إشارات "واي فاي هالو" هذه العوائق، فتضمن بذلك عمل أجهزة المنزل الذكي بكفاءة حتى في البيئات الصعبة.
وبينما تعد كفاءة الطاقة عاملاً بالغ الأهمية في المنازل الذكية، يتطلب انتشار الأجهزة التي تعمل بالبطاريات، مثل أجهزة الاستشعار والإقفال والمفاتيح، بروتوكولات لا سلكية تقلل من استهلاك الطاقة من دون التضحية بالأداء، وتطيل تقنية "واي فاي هالو" عمر البطارية وتقلل الحاجة إلى الاستبدال المتكرر، وهذا ما يدعم تطبيقات المنزل الذكي المستدامة ويخفف من أعباء الصيانة.
التحديات والفرص
يمثل التقاء "ماتر" و"واي فاي هالو" نقطة تحول في تكنولوجيا المنازل الذكية، فمن خلال دمج إطار "ماتر" القابل للتشغيل البيني مع اتصال "واي فاي هالو" الطويل المدى والمنخفض الطاقة، يمكن لقطاع المنازل الذكية معالجة أهم نقاط ضعفه ألا وهي الحاجة إلى اتصال موثوق وطويل المدى. يمنح هذا التآزر المستهلكين حرية أكبر في اختيار الأجهزة التي تلبي حاجاتهم مع الاستمتاع بتجربة سلسة وخالية من المتاعب. وحالياً، تتصل معظم أجهزة المنازل الذكية ببروتوكولات "واي فاي" التقليدية، والبلوتوث، وغيرها من بروتوكولات إنترنت الأشياء الراسخة، وهذا ما يجعل اعتماد "ماتر" مع "واي فاي هالو" فرصة جديدة لحل مشكلات اتصال المنازل الذكية.
وبما أن الأمان لا يزال عاملاً أساسياً، تلبي "واي فاي هالو" معايير الصناعة من خلال الاستفادة من تشفير "WPA3"، وهو نفس بروتوكول الأمان المستخدم في شبكات "واي فاي" التقليدية واسعة الانتشار.
وبالنظر إلى المستقبل، قد يحدث دمج "ماتر" و"واي فاي هالو" نقلة نوعية في عالم المنازل الذكية، محولاً التركيز من ميزات الأجهزة الفردية إلى قيمة منظومة متكاملة. ومع اكتساب هاتين التقنيتين زخماً متزايداً، أصبحت رؤية منزل ذكي يتكيف بسلاسة مع سكانه وبيئته أقرب من أي وقت مضى. ومع ترسيخ هذه الرؤية لن يضطر المستهلكون بعد الآن للاختيار بين الراحة والموثوقية والتوافق، إنما سيستمتعون بدمج سلس لهذه الميزات الثلاث، واضعين بذلك معياراً جديداً للحياة الذكية والمتصلة.