منصور بن زايد: الإمارات تراهن على أبنائها الشباب في مواصلة مسيرة البناء والتقدم
جوهر المشكلة في المنطق الأساسي لتخفيف العقوبات
ما الذي يعيق الحفاظ على الاتفاق النووي المقبل؟
رأى نائب رئيس قسم البحوث في مجموعة أوراسيا هنري روم أن الإبقاء على الاتفاق النووي المقبل سيكون أصعب من خوض المفاوضات التي يفترض أن ينجز بعد أيام أو أسابيع قليلة. وكتب في مجلة “فورين أفيرز” أن الصيغة الأكثر احتمالاً للاتفاق ستوفر مكاسب اقتصادية بارزة لإيران على المدى القريب بعد السماح لها ببيع النفط بحرية وبإعادة التواصل مع النظام المالي العالمي. بالمقابل، ستقيد طهران إنتاج اليورانيوم المخصب واختبار أجهزة الطرد المركزي وستقبل بتفتيش دولي معزز. لكن الاتفاق سيعاني أيضاً من أوجه القصور نفسها التي عانى منها الاتفاق السابق قبل ستة أعوام، والتي من المرجح أن تتفاقم بفعل تشدد المواقف داخل الولايات المتحدة وإيران.
وعود بمكاسب كثيرة
إن الشكوك حول طول أمد الاتفاق قد تقنع الأعمال بالبقاء بعيدة من إيران بما يقلل اهتمام الأخيرة بالحفاظ على ديمومته ويخفض أكلاف أي انسحاب أمريكي لاحق منه. سيترك هذا الأمر الاتفاق غير مستقر في السنوات المقبلة مقوضاً إمكانيته في أن يخدم كأساس صلب لأي مفاوضات تالية أو لتطوير أفضل للعلاقات الأمريكية-الإيرانية. إذا تم تطبيق الاتفاق بنجاح فسيحقق فوائد اقتصادية حقيقية لطهران. ستكون إيران قادرة على بيع النفط بحرية وبأسعار أعلى وإعادة الأرباح إلى خزائنها. وسيؤمن ذلك وحده عائدات إضافية بمليارات الدولارات شهرياً لإيران. وستكون طهران قادرة أيضاً على الوصول إلى المزيد من احتياطاتها بالعملات الأجنبية البالغة تقريباً 100 مليار دولار والمحتجزة في الخارج. كذلك، ستصبح بنوك إيران قادرة على عودة الاتصال مجدداً بالنظام المالي العالمي. ستتوسع تجارتها، ومن المحتمل أن تؤسس بعض الشركات الآسيوية والأوروبية حضوراً لها في البلاد. من شأن هذه التطورات أن تؤدي إلى دفع النمو وتقليل الضغط التضخمي وتحسن حياة ملايين الإيرانيين. لكن تأثير الاتفاق النووي الأساسي قصة تحذيرية.
بين الوعود الواقع
رأى القادة والمواطنون الإيرانيون عدم وجود تطابق بين الوعد الذي قدمه الاتفاق والفوائد الاقتصادية الحقيقية التي منحها. بعد تنفيذ الاتفاق الأساسي، كانت انطلاقة اندماج الاقتصاد الإيراني متقطعة حيث عانى في بناء الروابط المالية مع العالم الخارجي. نظرت شركات وبنوك أوروبية بارزة بشكل حذر تجاه إمكانية استدامة الاتفاق ومتطلبات الامتثال والسمعة من أجل العمل في إيران وسط العقوبات الأمريكية وبيئة الأعمال التجارية الصعبة. أدى نشاط إيران الإقليمي المزعزع للاستقرار إلى حذر إضافي، وكذلك فعلت مشاكل إيران الهيكلية كسوء الإدارة والفساد والدور الواسع للحرس الثوري. كانت البنوك الأوروبية بالتحديد مدركة لهذه المخاوف.
واتهم المسؤولون الإيرانيون واشنطن برفع العقوبات على الورق لا عبر الممارسة. بعد أشهر على تنفيذ الاتفاق في 2016، قال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي إن إيران لن تشهد على الإطلاق رفعاً للعقوبات، بينما أضاف رئيس البنك المركزي: “اسمحوا لي... بأن أعطيكم لمحة عما حدث منذ ثلاثة أشهر، تاريخ تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة: لا شيء تقريباً”. غذت هذه التجربة مطالب إيران الحديثة لـ”التحقق” من رفع العقوبات، وهي فترة من الزمن تسمح بالتأكد من زادياد النشاط الاقتصادي بشكل فعلي قبل تنازل إيران عن نفوذها النووي.
التحديات المستقبلية
أضاف روم أن تنفيذ الاتفاق المقبل سيواجه تحديات أكثر من تلك التي واجهها سلفه. يكمن جوهر المشكلة في المنطق الأساسي لتخفيف العقوبات. بإمكان الولايات المتحدة وأوروبا التشجيع على الانخراط الاقتصادي مع إيران لكنهما لا تستطيعان ضمان حصولها على المنافع الاقتصادية بمجرد رفع القيود. إن الآلاف من الشركات والبنوك تتخذ قراراتها الخاصة بشأن الفوائد والمخاطر كما أن هنالك حدوداً لإمكانية تخفيف الحكومات من مخاوف المستثمرين وأصحاب المصلحة ومجالس الإدارات. يوضح خروج الشركات الحالي من روسيا بعد اجتياحها أوكرانيا، ومنها شركات لم تتأثر مباشرة بالعقوبات الأمريكية والأوروبية، كيف يتخذ اللاعبون في القطاع الخاص قراراتهم بما يتجاوز الاعتبارات القانونية البحتة.
الجمهوريون بالمرصاد...
ظلال داكنة
إن عمر الاتفاق حتى على المدى القريب والمتوسط أكثر ريبة مما كان عليه في 2015. كان انسحاب الولايات المتحدة متصوراً حينها لكن قلة اعتبرته محتملاً أو وشيكاً. لقد وعد كبار الجمهوريين بالانسحاب من الاتفاق بمجرد استعادتهم البيت الأبيض، بشكل محتمل في 2025. إن ثلاثة أعوام هي فترة طويلة لإيران كي تبني آلتها الحربية وتزرع الاستقرار في الداخل، لكنها قصيرة للغاية كي تقيس الأعمال انخراطها المستدام في إيران. لكن روم يرى أن المخاطر قد تبرز قبل 2025.
إذا فاز الجمهوريون بمجلسي الكونغرس في نوفمبر المقبل كما يرجح حالياً فسيهدفون إلى عرقلة الاتفاق بمقدار ما أمكن. قد يتضمن ذلك تشريعاً جديداً لإعادة فرض العقوبات المرتبطة بالإرهاب أو انتهاك حقوق الإنسان التي تم رفعها بموجب الاتفاق الجديد. إن دعم إيران للمجموعات الإرهابية التي تهدد الولايات المتحدة وشركاءها وإنفاقها مليارات الدولارات على جيشها بعد رفع العقوبات سيؤمنان نقاطاً جاهزة للجدل لدى الجمهوريين وبعض الديموقراطيين. لا يزال الرئيس بايدن يتمتع بحق النقض لكن ضغط الكونغرس سيكون تذكيراً دائماً بطبيعة التزام واشنطن المحفوفة بالمخاطر.
سيزداد ضغط الكونغرس حدة مع اقتراب خريف 2023 حين سيتطلب الاتفاق سعي الولايات المتحدة لإلغاء تشريع يفرض عقوبات على إيران. بالمقابل، ستصادق طهران على البروتوكول الإضافي لنظام التفتيش الذي يوسع سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة برنامج إيران النووي. حتى لو احتفظ الديموقراطيون بمجلس واحد أو بكلا مجلسي السلطة التشريعية، من شبه المؤكد ألا يلتزم الكونغرس بهذا البند. بشكل متزامن، ستنتهي قيود مجلس الأمن على تطوير إيران تكنولوجيا الصواريخ البالستية. بالرغم من أن هذه المحطات قد لا تعرض الاتفاق بشكل آلي للخطر، ستفرض على الأقل ظلالاً داكنة على مستقبله.
الفارق بين روحاني ورئيسي
إن التغيرات في المسرح السياسي الإيراني خلال السنوات الست الماضية ستجعل التنفيذ أصعب. في 2016، ناصر الرئيس حسن روحاني الاتفاق النووي كنقطة تحول في علاقات إيران مع العالم، خصوصاً مع الولايات المتحدة وحلفائها. بعد أسابيع فقط على تطبيق الاتفاق، سافر روحاني إلى أوروبا للتوقيع على عقود بقيمة مليارات الدولارات. وخاض معارك ضارية في الداخل لتنفيذ الاتفاق وواجه خلافات مع الحرس الثوري بسبب انخراط شركات أجنبية في قطاعات مثل الطاقة والبناء. ودفع باتجاه إصدار تشريعات لإصلاح القواعد الناظمة للمصارف مع اعتراض صارم من المتشددين. ونجح روحاني بشكل جزئي فقط في مسعاه، وإيران اليوم على اللائحة السوداء لمجموعة العمل المالي التي تكافح تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. والاختلافات بين روحاني والرئيس الحالي ابراهيم رئيسي فاقعة. يركز رئيسي في سياسته الخارجية على تحسين العلاقات مع جيران إيران وروسيا والصين لا مع الأمريكيين والأوروبيين. من الصعب تخيل رئيسي وهو يسافر إلى أوروبا ساعياً إلى الحصول على عقود أو تخيل مدراء تنفيذيين يرحبون برئيس لعب دوراً جوهرياً في تنفيذ إعدامات جماعية بحق سجناء سياسيين في 1988. ومن غير المرجح أن يتخذ رئيسي الخطوات الضرورية لجذب الاستثمار الحيوي لصالح الداخل الإيراني. منذ انتخابه، تحدث رئيسي باستخفاف عن الإصلاحات المطلوبة لرفع إيران عن القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي.
وبالنظر إلى دور الحرس الثوري الكبير في حكومته، من غير المحتمل أن ينحي رئيسي تلك المجموعة جانباً لإفساح المجال أمام استثمارات الأجانب. من المرجح أن يصر على مفهوم خامنئي عن اقتصاد المقاومة فيحول الموارد الناتجة عن رفع العقوبات إلى تعزيز إمكانات إيران لتحمل العقوبات المستقبلية لا إلى اندماج أكبر بالاقتصاد العالمي. مع ذلك، سينسب رئيسي الفضل لنفسه بالحصول على اتفاق أفضل من اتفاق سلفه. لكن من المرجح ألا يفرح طويلاً خصوصاً إذا تبين أن المنافع أقل مما توقعه إيرانيون كثر. وسيستخدم رئيسي نقاط ضعف الاتفاق كحجة لإثارة الاستياء ضد واشنطن.
ماذا عن روسيا والصين؟
يرى الكاتب أن الشركات الأوروبية والآسيوية ستكون الأكثر حساسية تجاه الرياح السياسية والاقتصادية المعاكسة. قد تراهن إيران على أن الشركات والبنوك في الصين وروسيا ستشكل شريكاً أفضل لها بالرغم من عدم وضوح ما إذا كانت هاتان الدولتان ستعززان الاقتصاد الإيراني. أدى غزو موسكو لأوكرانيا إلى تدهور الاقتصاد الإيراني وليس ثمة سبب وجيه للاعتقاد بأن الشركات الروسية ستتمتع بالسيولة للاستثمار في إيران. قد تكون الشركات الصينية أقل حذراً من العودة إلى إيران بفعل اتفاق الشراكة الممتد على مدى 25 عاماً بالرغم من أن الإعلام الأمريكي يبالغ بشكل دائم بأهميته. لكن الشركات الصينية غير محصنة أمام المشاكل الهيكلية للاقتصاد الإيراني أو خطر التعرض للعقوبات الأمريكية حتى ولو بدت الصين أكثر دعماً للاتفاق من حكومات أخرى. وختم روم بالإشارة إلى أن مفاوضات إحياء الاتفاق كانت صعبة لكن الإبقاء على حياته سيكون أكثر صعوبة.