عمار بن حميد يطلع على مراحل تنفيذ الخطة التطويرية لجهاز الرقابة المالية بعجمان
نفوذ يتلاشى وصورة تهتز
ما حدود قوة فرنسا في أفريقيا بعهد ماكرون؟
يعود الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من جولة إفريقية جديدة، لكن نتائجها تعكس أكثر من أي وقت مضى تقلّص الهوامش المتاحة له خارجيًا وداخليًا، وانكماش الدور الفرنسي في القارة السمراء رغم محاولات باريس التشبث بما تبقى من نفوذها الدبلوماسي والعسكري.
على أحد ملاعب كرة السلة المطلة على الساحل في ليبرفيل، يسدد ماكرون كرة وسط هتافات شبابية مشجعة، لكنها ترتدّ عن الحلقة دون أن يحاول مرة أخرى.
وهذا مشهد رمزي لا يقل دلالة عن كلماته اللاحقة وهو يشيد بـ”الاستقبال الرائع” في الغابون، قبل أن يغادر إلى أنغولا للمشاركة في قمة بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، آخر محطات جولة إفريقية استمرت خمسة أيام.
رئيس بصلاحيات منكمشة داخليًا
رحلة ماكرون، كما تلاحظ صحيفة لوفيغارو، تكشف حجم “البدلة الضيقة” التي بات يرتديها سياسيًا، بعدما أصبح شبه مشلول على الساحة الداخلية منذ تعليق إصلاحاته، وعلى رأسها مشروع التقاعد.فالرئيس العالق بين أزمات البرلمان وتراجع شعبيته، يبتعد طوعًا عن المعارك السياسية، تاركًا لرئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو مهمة خوض المواجهة مع المعارضة.
وبينما يتراجع تأثيره داخليًا، يحاول ماكرون التشبث بفلك السياسة الخارجية والعسكرية باعتبارها أحد آخر مجالات نفوذه، رغم النتائج “الملتبسة” لسياساته، وفق توصيف الصحيفة.
دور أوروبي محدود
يركز ماكرون على الملفات القارية وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، فبعد مشاركته في قمة العشرين في جوهانسبرغ، كثّف لقاءاته الجانبية مع قادة أوروبيين، محاولًا الحفاظ على تماسك الدول الداعمة لكييف.
لكنه، وفق مصادر دبلوماسية، يُنظر إليه اليوم كرئيس يقترب من نهاية ولايته ولا يستطيع إعادة الترشح، ما يضعف وزنه داخل الاتحاد الأوروبي مقارنة بقادة آخرين مثل المستشار الألماني فريدريش ميرتس.
نشاط عسكري لملء الفراغ السياسي
ماكرون، الذي يستعد للإعلان عن صيغة جديدة للخدمة العسكرية على أساس التطوع، يسعى أيضًا لتأكيد حضوره كقائد أعلى للقوات المسلحة، ومن المقرر أن يترأس اجتماعًا لمجلس الدفاع الوطني للتعامل مع قضايا التدخلات الأجنبية وحرب المعلومات، في وقت تواجه فيه فرنسا تحديات في صياغة خطاب مؤثر حول تأثير منصات التواصل على الديمقراطية.
رمزية إفريقية.. ونفوذ ينهار
تخللت زيارة ماكرون للقارة الإفريقية محطات تذكارية، مثل زيارته لـ”فريدوم بارك” في بريتوريا تكريمًا لضحايا الفصل العنصري، إضافة إلى لقائه برواد أعمال في موريشيوس. لكنها، رغم الدفء في موريشيوس والغابون، كشفت مدى تقلّص دائرة الدول الإفريقية التي ما تزال تحتفظ بعلاقات مميزة مع باريس.
فمنذ 2017، كان ماكرون يعد بطيّ صفحة “فرنسا-إفريقية” وبناء شراكات جديدة، لكن الواقع جاء معاكسًا: فمعظم الدول الإفريقية الفرانكفونية اتجهت نحو قوى أخرى مثل روسيا وتركيا والصين، بينما فقدت فرنسا قواعدها العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وتراجعت شعبيتها لدى الرأي العام الإفريقي.
ووفقًا للصحيفة، فإن طموحات ماكرون في إعادة إنتاج الدور الفرنسي عالميًا تصطدم اليوم بواقع دولي وإقليمي لا يمنحه الكثير من الأدوات، فيما يدفعه التراجع الداخلي إلى الانكفاء نحو المهام الدبلوماسية والرمزية في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل انتهاء ولايته في 2027.
وبذلك، يصبح الإرث الذي يسعى ماكرون لتركه، سواء داخل فرنسا أم في إفريقيا، محاطًا بعدد كبير من علامات الاستفهام مقارنة ببداية عهده، حين وعد بإعادة رسم النفوذ الفرنسي عالميًا.
فنُفوذ فرنسا في إفريقيا خلال عهد ماكرون تراجعت بشكل واضح، مع انحسار الشراكات التقليدية وصعود قوى منافسة تستقطب الدول الإفريقية، وبينما يحاول الرئيس ترميم صورة بلاده عبر دبلوماسية نشطة، تكشف جولاته أن قدرة باريس على التأثير أصبحت أضعف من أي وقت مضى.