فترة الاستقرار النسبي التي أعقبت الحرب الباردة انتهت

ما هي العوائق أمام إعادة تشكيل النظام العالمي؟

ما هي العوائق أمام إعادة تشكيل النظام العالمي؟

قال توماس غراهام، زميل متميز في مجلس العلاقات الخارجية، ومسؤول كبير سابق في الحكومة الأمريكية، إن على الولايات المتحدة إعادة تعريف دورها العالمي مع تدهور النظام الليبرالي القائم على القواعد الذي بنته بعد الحرب العالمية الثانية بسرعة. وأضاف الكاتب في مقال بموقع»ناشيونال إنترست» الأمريكية أن فترة الاستقرار النسبي التي أعقبت الحرب الباردة انتهت وحلت محلها منافسة شرسة بين القوى العظمى مع الصين وروسيا، فضلاً عن الحزم المتزايد من جانب القوى الأصغر. وفي حين تظل الولايات المتحدة مؤثرة، فإن هيمنتها العالمية غير المتنازع عليها تتآكل مع اكتساب القوى غير الليبرالية قوة دفع وتحول النفوذ بعيداً عن منطقة أوروبا الأطلسية. ويتحرك العالم نحو التعددية القطبية، وهي حقيقة كانت الولايات المتحدة تكافح تاريخياً للتغلب عليها.

تقليد أمريكي مستمر
وتابع الكاتب «نادراً ما تبنت الولايات المتحدة التعددية القطبية على الرغم من مواجهتها من قبل. فمنذ الاستقلال وحتى القرن التاسع عشر، تجنبت إلى حد كبير الشراكات الأوروبية بينما وسعت نفوذها عبر القارة. ومع نمو طموحاتها العالمية في القرن العشرين، ناقش الأمريكيون كيفية الانخراط في عالم من القوى المتنافسة.
 ومع ذلك، فقد انتهى عصر القطب الواحد الآن، ويتعين على الولايات المتحدة التكيف مع الحقائق الجديدة لتوزيع القوة العالمية»
رداً على التعددية القطبية، ظهرت مدرستان فكريتان مهيمنتان في دوائر السياسة الأمريكية:
 دعاة الانسحاب ودعاة استعادة النظام. يدافع المنسحبون عن دور عالمي محدود، مستفيدين من تقاليد الانعزالية التي سادت قبل الحرب العالمية الثانية. 
وهم يزعمون أن المزايا الجغرافية والموارد الهائلة التي تتمتع بها أمريكا تجعلها آمنة بطبيعتها، مما يسمح بالمشاركة الانتقائية في الخارج.
لكن غراهام يرد بأن الولايات المتحدة في عالم اليوم المترابط لا تستطيع أن تتحمل الانسحاب بالكامل. بل يتعين عليها أن تحافظ بنشاط على توازنات القوى الإقليمية، خاصة في المناطق الرئيسة مثل أوروبا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وشمال شرق آسيا والقطب الشمالي.
من ناحية أخرى، يسعى دعاة استعادة النظام إلى الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة من خلال تأطير المنافسة العالمية باعتبارها حرباً باردة جديدة بين الديمقراطية والاستبداد. ويروجون لوجود أمريكي توسعي في جميع أنحاء العالم للدفاع عن القيم الليبرالية واحتواء المنافسين الاستبداديين. ويدعم هذا المنظور الجهود الأمريكية الحالية لتصوير الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية باعتبارها «محوراً للاضطرابات».
وأشار الكاتب إلى أن هذه البلدان تفضل العلاقات الثنائية بدلاً من العمل ككتلة موحدة. علاوة على ذلك، يرفض العديد من حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا هذا التأطير الثنائي القطبي التبسيطي، ويفضلون بدلاً من ذلك نهجاً أكثر دقة في التعامل مع الشؤون العالمية.

احتضان وتشكيل 
التعددية القطبية
وأكد الكاتب أن على الولايات المتحدة السعي إلى تشكيل التعددية القطبية بطرق تعزز مصالحها بدلاً من مقاومتها، وهو ما يتطلب تحولاً استراتيجياً من محاولة مراقبة العالم إلى بناء توازنات قوى إقليمية مستقرة.
وفي حين لا تستطيع الولايات المتحدة إملاء الشؤون العالمية كما فعلت ذات يوم، فإنها ما تزال قادرة على ممارسة النفوذ من خلال إدارة العلاقات مع اللاعبين الرئيسيين الآخرين؛ الصين والهند وروسيا وأوروبا. وكل من هذه القوى تقدم تحديات فريدة تتطلب سياسات مخصصة:
الصين: تشكل الصين التحدي الأكثر أهمية باعتبارها الدولة الوحيدة التي لديها النية والقدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي. إن رؤية الرئيس شي جين بينغ للهيمنة الصينية العالمية بحلول عام 2049 تهدد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة. ولمواجهة هذا، يجب على واشنطن تقييد طموحات الصين الجيوسياسية، وخاصة في القطاع التكنولوجي.
الهند: تطمح الهند إلى النفوذ العالمي، لكن قدراتها كانت متأخرة تاريخياً عن طموحاتها. ويتعين على الولايات المتحدة أن تدعم الهند في جهودها الرامية إلى تعزيز نفوذها في المنطقة.
روسيا: رغم صراعاتها الاقتصادية، تظل روسيا عازمة على الحصول على الاعتراف بها كقوة عظمى. لقد دفعت العقوبات الغربية موسكو إلى الاقتراب من بكين، مما أدى إلى خلق شراكة غير متكافئة تفيد الصين بشكل غير متناسب. لذا على أمريكا تخفيف العقوبات لتشجيع العلاقات الاقتصادية الروسية مع الغرب، خاصة في آسيا الوسطى والقطب الشمالي. كما أن استعادة بعض التعاون في مجال الطاقة بين روسيا وأوروبا من شأنه أن يساعد في موازنة اعتماد موسكو على الصين.
أوروبا: تمثل أوروبا التحدي الأكثر تعقيداً. فهي قادرة اقتصادياً وتكنولوجياً على أن تصبح قوة عظمى، لكنها تفتقر إلى الإرادة السياسية والاستثمار العسكري اللازمين للعمل بشكل مستقل. وينبغي على واشنطن أن تدفع حلفائها الأوروبيين إلى مشاركتها في إدارة التحديات الأمنية.

إعادة تعريف 
الزعامة الأمريكية
وقــــــال الكـاتب إن الولايــــات المتحدة تواجــــــه انتقـــــالاً لا مفر منه من الهيمنة الأحادية القطبية إلى المنافسة الاستراتيجية في عالم متعــــــدد الأقطاب. 
ولن تكون عمليات الانسحاب أو محاولات استعادة النظام الثنائي القطب كافية، وإنمــــــا على واشنطن تشــــكيل هياكل القوى الإقليمية وتكوين شراكات براغماتية. 
ومن خلال تبني نهج مرن مدفوع بالمصالح، يمكن للولايات المتحدة الحفاظ على موقعها القيادي، ليس من خلال إملاء الشؤون العالمية، لكن من خلال التنقل عبر التعددية القطبية بمهارة أكبر من أي قوة أخرى.