أول دولة أوروبية تشتري رافال

مســألة الدفـــاع في صمـــيم هـــواجس اليــــونان...!

مســألة الدفـــاع في صمـــيم هـــواجس اليــــونان...!

- عانت القوات المسلحة اليونانية من الأزمة المالية وخفضت ميزانية الدفاع بشكل كبير
- تعمل أثينا على بناء هوية جيوسياسية جديدة باعتبارها حصن الغرب في شرق البحر المتوسط
- البطالة تدفع المواطنين أكثر للانضمام إلى أسرة القوات المسلحة
- التهديدات العسكرية في المنطقة أجبرت حكومة ميتسوتاكيس على الرد
- يمكن لليونان أن تلعب دورًا استراتيجيًا مهمًا في المنطقة وتكون دعامة للاستقرار


  زيادة الميزانية، وخدمة عسكرية أطول، وشراء رافال، ومضاعفة اتفاقيات التعاون العسكري ... منذ انتخابه، جعلت حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس المحافظة الجيش أولويتها.
   «لحظة تاريخية”... بهذه المفردات، وصف رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في نهاية يناير الاتفاقية الموقعة مع فرنسا لاقتناء ثمانية عشر طائرة رافال. عقد بتكلفة 2.5 مليار يورو، مشيدا بـ “تنفيذ برنامج لتحديث معداتنا».   قررت حكومة الديمقراطية الجديدة المحافظة أن تضرب بقوة في هذه الذكرى المئوية الثانية لاستقلال اليونان، مما جعل اليونان أول دولة أوروبية تحصل على هذه الطائرات المقاتلة الفرنسية.

«اليونان، فرنسا، التحالف»
   مذكرين بالمحبة الهيلينية الفرنسية والروابط التاريخية والسياسية والثقافية التي توحد البلدين، ينزّل القادة الفرنسيون واليونانيون تعاونهم العسكري النّامي في سياق مواصلة تقليد راسخ.
   تضاعفت التدريبات العسكرية المشتركة، والمناقشات البرلمانية، والزيارات الوزارية خلال العام الماضي. وانطلاقا من رؤية دبلوماسية واحدة ومصالح اقتصادية متقاربة، تترجم الحكومتان إلى أفعال، ترسيخ “الشراكة الأمنية الاستراتيجية” العزيزة على إيمانويل ماكرون.
  «نحن سعداء للغاية لشعورنا بان فرنسا قريبة منا، العلاقة بين البلدين تواصل تقليدا، وتستمر في التحسن”، هذا ما قاله نيكوس مانولاكوس، النائب عن الأغلبية وعضو اللجنة الدائمة للدفاع والشؤون الخارجية.

   وجدت هذه الكلمات صدى عند السفير الفرنسي في اليونان، باتريك ميزوناف، الحاضر في 4 فبراير في قاعدة تاناغرا الجوية، شمال أثينا: “أثبتت فرنسا أنها الحليف الأقدم والأكثر وفاء لليونان”، قال السفير في ختام ثلاثة أيام من التدريبات الجوية المشتركة بين البلدين، التي وصفت بـ “أشقاء السلاح”. وختم: “اليونان، فرنسا، التحالف!”، مستحضرا شعارًا ولد من التحول الديمقراطي في اليونان بعد ديكتاتورية الكولونيلات (1967-1974).
   من خلال اقتناء ثمانية عشر رافال (ستة جديدة و12 مستعملة، وتدريب الطيارين، والتسليح والصيانة) وفتح مفاوضات للفوز بالعديد من الفرقاطات، تقدم اليونان دفعة تشبيب لقوات عسكرية بدأت تهرم.
   «على مدى عقد من الزمن، عانت القوات المسلحة اليونانية من الأزمة المالية، وانخفضت ميزانية الدفاع بشكل كبير”، يوضح بريكليس زورزوفيليس رئيس المعهد اليوناني لتحاليل الدفاع والأمن.

زيادة القدرات العسكرية
   وبتخصيص 2 فاصل 6 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع عام 2020، كانت اليونان، نسبيًا، ثاني دولة في الناتو تستثمر الكثير في جيشها، تسبقها الولايات المتحدة فقط. الا ان هذه النفقات تغطي بشكل أساسي الاحتياجات المتعلقة بالموظفين وصيانة المعدات. “لقد تأخر تجديد القدرات الدفاعية اليونانية وتحسينها، وكاد أن يتوقف”، يقول بيريكليس زورزوفيليس:
   تغيير للاستراتيجية والأولويات بالنسبة لحزب الديمقراطية الجديدة. فقد صوتت حكومة كيرياكوس ميتسوتاكيس، المنتخبة في يوليو 2019، على زيادة بنسبة 57 بالمائة في ميزانية الدفاع لعام 2021، وصارت تبلغ الآن 5.5 مليار يورو.
   «كانت الأزمة بمثابة ذريعة للحكومات السابقة لعدم الاستثمار في الجيوش”، يقول نيكوس مانولاكوس، اللفتنانت جنرال متقاعد من الجيش اليوناني.
   «لم تكن قواتنا المسلحة أولوية منذ عشر سنوات لأسباب اقتصادية وسياسية”، يعتبر عضو الأغلبية الذي “يحيي إرادة الحكومة وسرعتها في هذه المسائل».

   ومن بين الإجراءات التي تم التصويت عليها من قبل حزب الديمقراطية الجديدة، انتقال فترة الخدمة العسكرية الإجبارية للرجال من تسعة إلى اثني عشر شهرًا، وتخطط وزارة الدفاع لتجنيد 15 ألف جندي على مدى السنوات الخمس المقبلة.
   وهذا سينشط التشكيلات التي تعرف سقوطا حرا منذ خمسة وعشرين عامًا. وحسب بيانات البنك الدولي، انخفض عدد أفراد القوات المسلحة اليونانية من 213 ألفًا إلى 148 ألفًا بين 1993 و2018.
  «كما نعمل على زيادة قدرات الاستقبال في المدارس العسكرية، حيث يمكننا الآن استيعاب 1335 طالبًا سنويًا مقارنة بـ 819 سابقًا. وتدفع البطالة المواطنين أكثر للانضمام إلى العائلة العظيمة للقوات المسلحة “، يقر نيكوس مانولاكوس.

تركيا تهديد أبدي
  «ببطء ولكن بثبات، تغيّر اليونان عقيدتها العسكرية: من الردع من خلال الدفاع، إلى الردع من خلال العقاب”، يلخص إيمانويل كاراجيانيس، الأستاذ المشارك في كينجز كوليدج لندن والمتخصص في النزاعات والأمن.
  لقد تسارع تجديد الجيش اليوناني وتحديثه في الأشهر الأخيرة من خلال تصاعد التوترات مع تركيا وتكرارها.
   بعد مائتي عام من حرب الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، ترى اليونان في تركيا رجب طيب أردوغان الظل المرهق للعدو التاريخي، والتهديد المستمر الدائم لصراع مسلح، تغذيه الميول التوسعية والإمبريالية للرئيس التركي.
   نمت قائمة الخلافات الثنائية على مر السنين. الاحتلال التركي لشمال قبرص، ووضع الأقليات العرقية والدينية، وترسيم حدود المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وانتهاكات المجال الجوي وأزمة اللاجئين، كلها نقاط خلاف بين البلدين.
   شعرت اليونان تدريجياً بالتهديد من الطموحات الجيوسياسية لتركيا. “إن التهديدات العسكرية ضد الجزر اليونانية ودعوة أردوغان لمراجعة معاهدة لوزان، أجبرت حكومة ميتسوتاكيس على الرد”، يقول إيمانويل كاراجيانيس.
   رأي يشاركه فيه بيريكليس زورزوفيليس، الذي يرى أن السياسة التي يقودها رجب طيب أردوغان تشكل “تهديدًا وجوديًا لسيادة اليونان ومصالحها الحيوية».

تغيير الدور على الساحة الدولية؟
   إذا كانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، باستثناء فرنسا، تجد صعوبة في إظهار دعمها لليونان علنًا، فإن الجمهورية الهيلينية تعمل منذ عدة سنوات للبحث عن حلفاء جدد. وقد ضاعفت في الأشهر الأخيرة، اتفاقيات التعاون العسكري الثنائية والكثير من التحالفات بدافع مواجهة خصم مشترك.   تمثل حدود الاتحاد الأوروبي، الواقعة على مفترق الطرق بين أوروبا الغربية والبلقان وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، تحتل اليونان موقعًا تفضيليًا واستراتيجيًا. وفي وقت يبدو فيه شرق البحر الأبيض المتوسط مسرحًا لتوترات مستمرة ومتنامية، يمكن للبلاد أن تصبح لاعباً رئيسياً في المنطقة.
   «بفضل موقعها الجغرافي، يمكن لليونان بسهولة نشر الوسائل العسكرية لتحقيق الأمن الجماعي في المنطقة”، يعتقد إيمانويل كاراجيانيس. ويضيف: “في هذا السياق، تعمل أثينا على بناء هوية جيوسياسية جديدة باعتبارها حصن الغرب في شرق البحر المتوسط».
   هذا ما كان يراه مايك بومبيو خلال زيارته لأثينا في سبتمبر 2020. “يمكن لليونان أن تلعب دورًا استراتيجيًا مهمًا في المنطقة “...” لتكون ركيزة للاستقرار”، أعلن وزير الخارجية الأمريكي في عهد إدارة ترامب. بالنسبة لمايك بومبيو، كانت تلك هي الرحلة الثانية لليونان في أقل من عام، وفي هذا رمز للأهمية الاستراتيجية لهذه الأرض بالنسبة للقوات الأمريكية، المتواجدة من ألكساندروبولي (شمالًا) إلى كريت (جنوبًا).
   منتشر في كوسوفو والعراق وأفغانستان، سيشارك الجيش اليوناني أيضًا في فرقة عمل تاكوبا في منطقة الساحل في الأشهر المقبلة. خطوة أخرى في اندماجه العسكري في المؤسسات الدولية.

أولويات محل خلاف
   وفي هذا السياق، يصعب على المعارضة إسماع صوتها. وقد صوتت حركة سيريزا ضد موازنة 2021 لكنها امتنعت عن التصويت على الإنفاق العسكري، إدراكًا لضرورات الاستثمار في هذا القطاع.
    «هناك حاجة حقيقية لتقوية الجيش وتحديثه، دون تعريض توازن الموازنة العامة للخطر والتخلي عن السياسات الاجتماعية. نحن ندرك الحاجة، ولكن بطريقة مبرمجة ودون إغفال الأولويات الأخرى للبلد”، يعدّل، جيورجوس كاتروينكالوس، نائب المعارضة وعضو اللجنة الدائمة للدفاع الوطني والشؤون الخارجية.
    وفي خضم الوباء، وبينما يعاني النظام الصحي بشكل خاص من تدابير التقشف طيلة عشر سنوات، فإن تفوق الجيش على القطاعات الأخرى يعارضه اليسار.
   «نحن ننتقد السياسة النيوليبرالية للحكومة التي تتخلى عن الصحة والتعليم”، يلخص وزير الخارجية السابق في عهد سيريزا. تم تخفيض ميزانية الصحة بنسبة 15 بالمائة لعام 2021، في حين تجد اليونان صعوبة لوقف الموجة الثانية من كوفيد-19.   لهجة رئيس الوزراء السابق أليكسيس تسيبراس، كانت أعنف بكثير: “في عالم متغير يدرك أهمية الحماية الاجتماعية ونظام الصحة العامة، تقودنا حكومة الديمقراطية الجديدة إلى الإفلاس كما في 2010”، أعلن زعيم المعارضة على منبر البرلمان.   الناتج المحلي الإجمالي لليونان المقدر بـ 340 مليار دولار في 2019، سيشهد انخفاضًا يقدر بين 9 و10 بالمائة لعام 2020 وفقًا لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمفوضية الأوروبية.