رئيس الدولة: الدورة تعزز الحوار والتعارف والتنافس بين شباب العالم على أرض الإمارات
أكثر من مجرد حادث سياسي واجتماعي دولي:
مصدر جدل بين الفرقاء: الأزمة الكوبية، أزمة إسبانية...!
- أدت الهجرة الكبيرة، وهي مصدر للتواصل المتبادل المستمر، إلى إدامة تاريخ ثقافي مشترك
- عائلة كاسترو -والد فيدل وراؤول -من أصل إسباني، من غاليسيا
- نحت فرانكو وكاسترو، رغم تباينهما الإيديولوجي، علاقة قائمة على الواقعية
- ألقت السلطات الكوبية باللوم على الشبكات الاجتماعية الخبيثة التي تتغذى من الولايات المتحدة وإسبانيا أيضًا
- تكشف هذه الأزمة عن تكتونيات جيوسياسية، تدفع بالصفائح الكوبية، إلى قلب الخلافات السياسية الإسبانية
تمنح الصحافة الإسبانية مساحة، مبدئيا، مفاجئة في ظرف تحكمه أزمة الوباء والكوارث البيئية المختلفة، للاحتجاجات الكوبية في شهر يوليو 2021.
أكثر من مجرد حادث سياسي واجتماعي دولي، من الواضح أن الامر يتعلق، في إسبانيا أيضًا، بحدث وطني، ومصدر جدل بين اليمين المعارض وحكومة اليسار. وقد خصصت صحيفة “الموندو”، المقربة من الحزب الشعبي (اليمين) وفوكس (أقصى اليمين) في مدريد، في 18 يوليو 2021، يوم ذكرى فرانكو “1”، تسع صفحات، منها “الاولى”، إلى الأزمة الكوبية.
جميع المراقبين المطلعين تقريبًا، وفقا للصيغة الشائعة الاستخدام، يصفون الوضع الكوبي في الآونة الأخيرة بأنه استثنائي، ان لم يكن تاريخيا خارجا عن المألوف. وقد اعترفت السلطات في هافانا بخطورة الأحداث الشعبية منذ 11 يوليو 2021، واتهمت الشبكات الاجتماعية الخبيثة التي تتغذى من الولايات المتحدة، وإسبانيا أيضًا.
ومع ذلك، لا أحد في إسبانيا يختبئ خلف شاشة رقمية للتحدث أو الكتابة عن كوبا، فكل يشجع علنا خاصته، مرتديا التزاما واضحا بحجج أيديولوجية وحزبية متعارضة. يلفت اليمين نظر الحكومة، ويدين باسم الحريات العالمية النظام الدكتاتوري. في حين يشير اليسار إلى أن الولايات المتحدة تتحمل نصيبها من المسؤولية من خلال تعمّد عدم مساعدة المتعمدة بلد في حالة طوارئ صحية وغذائية.
لكن لماذا يدافع الحزب الشعبي وفوكس بحماسة عن الحريات الكوبية، التي لا تُحترم فعليًا؟ فالعديد من المواقف الدولية الأخرى، من شأنها أن تبرر الدعوة إلى الدفاع عن الحريات.
ان هذه الأزمة، تكشف عن تكتونيات جيوسياسية غير متوقعة، تدفع بالصفائح الكوبية، الى قلب الخلافات السياسية الإسبانية، مغذية الخلافات بين المعارضة اليمينية واليسار الحكومي. كيف نفهم توظيف اليمين الإسباني لأزمة بعيدة جغرافياً؟ ولماذا أضيفت كوبا إلى الأسهم المزعزعة للاستقرار التي أطلقت على حكومة بيدرو سانشيز (الحزب الاشتراكي-بوديموس) منذ عام 2018؟
الجواب الأول تاريخي وعاطفي. كانت كوبا، إلى جانب غوام والفلبين وبورتوريكو، آخر المستعمرات الإسبانية. لقد خسرتها قبل وقت غير بعيد جدا، عام 1898، في نهاية انتفاضة قاتلة لسكان الكريول، مدعومة في النهاية من قبل جيش الولايات المتحدة. وظلت هذه الخسارة عالقة في الذاكرة الجماعية، وأعادت لفتة كاسترو الثورية في أواخر الخمسينات، شحن بطاريات الذاكرة.
الفائز، واشنطن بالتأكيد، فقد فرضت منذ عام 1899، قانونها وتوقعاتها، الا ان إسبانيا ظلت موجودة في كوبا، مثل كوبا في إسبانيا. هناك بلا شك عامل آخر يجعل من الممكن فهم هذه المركزية الكوبية في المشاحنات بين اليمين واليسار في الأسابيع الأخيرة.
لقد أدت الهجرة الكبيرة، وهي مصدر للتواصل المتبادل المستمر، إلى إدامة تاريخ ثقافي مشترك. عائلة كاسترو -والد فيدل وراؤول -من أصل إسباني، من غاليسيا. ومانويل فراغا إيريبارن، الوزير السابق للجنرال فرانكو، ومؤسس الحزب الشعبي لاحقًا، المولود في غاليسيا، قضى طفولته المبكرة في كوبا. من جانبه، أدار مانويل أزنار زوبيجاراي، جد خوسيه ماريا أزنار، رئيس الوزراء الإسباني من 1996 إلى 2004، صحيفتين يوميتين لعدة سنوات في هافانا”2».
لعب فرانكو وكاسترو، اللذان تفرقهما الإيديولوجيا والتحالفات الدولية، على هذه القرابة الجاليكية، لبناء علاقة دولة تتبادل المصالح وتقوم على الواقعية. وقد أعلن “الكوديللو”، أنه “لا يحق لأي أمة” التدخل في الحياة الداخلية “للدول” الأخرى””3”. وجاء الصدى من فيدل كاسترو بنفس الطريقة: “رغم خلافاتنا الأيديولوجية ، كانت الحكومة الإسبانية حازمة وحافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع كوبا””4».
مع طيّ صفحة التحول الديمقراطي، حرر الدخول إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية وحلف الناتو اليمين الإسباني. وسمحت له كوبا بالانفصال عن تراث فرانكو، الذي يتقاسمه مع اليسار، مما أبعده عن المراجع الأمريكية والغربية المحافظة.
عام 1996، أطاح الجيل الجديد للحزب الشعبي، بقيادة خوسيه ماريا أزنار، الذي استلم السلطة، أطاح بآخر الأفيال الموالية لفرانكو داخل الحزب الشعبي. حينها تحصن مانويل فراجا إيريبارن، في منطقة غاليسيا التي يترأسها. وبعيداً عن مدريد، استقبل مرتين “مواطنه” فيدل كاسترو.
غير ان كوبا دخلت الآن ساحة المعركة بين اليمين واليسار. وباسم الحريات، أصبحت كوبا، العزيزة على الذاكرة الإسبانية، بطبيعة الحال واحدة من زلاقات اليمين، مشيطنا اليسار، المشتبه في رضاه عن الشيوعية. وهكذا، وفقًا للتناوب الانتخابي، تستعيد إسبانيا مع اليسار دبلوماسية الدولة مع هافانا، بينما أعاد الحزب الشعبي وفوكس اليوم، تنشيط المرجل المعادي لكوبا الذي اخترعه خوسيه ماريا أثنار في عام 1996 لإدانة الاشتراكيين والتقدميين من جميع الأطياف.
------------------------
«1» الانقلاب العسكري ، نقطة البداية لـ “الحرب الأهلية الإسبانية” كان في 18 يوليو 1936
«2» إل باييس ودياريو دي لا مارينا ، بين 1922 و 1933
«3» فرانسيسكو فرانكو ، خطاب أمام نواب المجلس التشريعي السابع لـ “كورتيس”، 3 يونيو 1961 ، في سيلفيا إنريتش ، “التاريخ الدبلوماسي بين إسبانيا وأمريكا اللاتينية “، ص 129
«4» المصدر نفسه، ص 132
*باحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية حول القضايا الأيبيرية (أمريكا اللاتينية وإسبانيا).
- عائلة كاسترو -والد فيدل وراؤول -من أصل إسباني، من غاليسيا
- نحت فرانكو وكاسترو، رغم تباينهما الإيديولوجي، علاقة قائمة على الواقعية
- ألقت السلطات الكوبية باللوم على الشبكات الاجتماعية الخبيثة التي تتغذى من الولايات المتحدة وإسبانيا أيضًا
- تكشف هذه الأزمة عن تكتونيات جيوسياسية، تدفع بالصفائح الكوبية، إلى قلب الخلافات السياسية الإسبانية
تمنح الصحافة الإسبانية مساحة، مبدئيا، مفاجئة في ظرف تحكمه أزمة الوباء والكوارث البيئية المختلفة، للاحتجاجات الكوبية في شهر يوليو 2021.
أكثر من مجرد حادث سياسي واجتماعي دولي، من الواضح أن الامر يتعلق، في إسبانيا أيضًا، بحدث وطني، ومصدر جدل بين اليمين المعارض وحكومة اليسار. وقد خصصت صحيفة “الموندو”، المقربة من الحزب الشعبي (اليمين) وفوكس (أقصى اليمين) في مدريد، في 18 يوليو 2021، يوم ذكرى فرانكو “1”، تسع صفحات، منها “الاولى”، إلى الأزمة الكوبية.
جميع المراقبين المطلعين تقريبًا، وفقا للصيغة الشائعة الاستخدام، يصفون الوضع الكوبي في الآونة الأخيرة بأنه استثنائي، ان لم يكن تاريخيا خارجا عن المألوف. وقد اعترفت السلطات في هافانا بخطورة الأحداث الشعبية منذ 11 يوليو 2021، واتهمت الشبكات الاجتماعية الخبيثة التي تتغذى من الولايات المتحدة، وإسبانيا أيضًا.
ومع ذلك، لا أحد في إسبانيا يختبئ خلف شاشة رقمية للتحدث أو الكتابة عن كوبا، فكل يشجع علنا خاصته، مرتديا التزاما واضحا بحجج أيديولوجية وحزبية متعارضة. يلفت اليمين نظر الحكومة، ويدين باسم الحريات العالمية النظام الدكتاتوري. في حين يشير اليسار إلى أن الولايات المتحدة تتحمل نصيبها من المسؤولية من خلال تعمّد عدم مساعدة المتعمدة بلد في حالة طوارئ صحية وغذائية.
لكن لماذا يدافع الحزب الشعبي وفوكس بحماسة عن الحريات الكوبية، التي لا تُحترم فعليًا؟ فالعديد من المواقف الدولية الأخرى، من شأنها أن تبرر الدعوة إلى الدفاع عن الحريات.
ان هذه الأزمة، تكشف عن تكتونيات جيوسياسية غير متوقعة، تدفع بالصفائح الكوبية، الى قلب الخلافات السياسية الإسبانية، مغذية الخلافات بين المعارضة اليمينية واليسار الحكومي. كيف نفهم توظيف اليمين الإسباني لأزمة بعيدة جغرافياً؟ ولماذا أضيفت كوبا إلى الأسهم المزعزعة للاستقرار التي أطلقت على حكومة بيدرو سانشيز (الحزب الاشتراكي-بوديموس) منذ عام 2018؟
الجواب الأول تاريخي وعاطفي. كانت كوبا، إلى جانب غوام والفلبين وبورتوريكو، آخر المستعمرات الإسبانية. لقد خسرتها قبل وقت غير بعيد جدا، عام 1898، في نهاية انتفاضة قاتلة لسكان الكريول، مدعومة في النهاية من قبل جيش الولايات المتحدة. وظلت هذه الخسارة عالقة في الذاكرة الجماعية، وأعادت لفتة كاسترو الثورية في أواخر الخمسينات، شحن بطاريات الذاكرة.
الفائز، واشنطن بالتأكيد، فقد فرضت منذ عام 1899، قانونها وتوقعاتها، الا ان إسبانيا ظلت موجودة في كوبا، مثل كوبا في إسبانيا. هناك بلا شك عامل آخر يجعل من الممكن فهم هذه المركزية الكوبية في المشاحنات بين اليمين واليسار في الأسابيع الأخيرة.
لقد أدت الهجرة الكبيرة، وهي مصدر للتواصل المتبادل المستمر، إلى إدامة تاريخ ثقافي مشترك. عائلة كاسترو -والد فيدل وراؤول -من أصل إسباني، من غاليسيا. ومانويل فراغا إيريبارن، الوزير السابق للجنرال فرانكو، ومؤسس الحزب الشعبي لاحقًا، المولود في غاليسيا، قضى طفولته المبكرة في كوبا. من جانبه، أدار مانويل أزنار زوبيجاراي، جد خوسيه ماريا أزنار، رئيس الوزراء الإسباني من 1996 إلى 2004، صحيفتين يوميتين لعدة سنوات في هافانا”2».
لعب فرانكو وكاسترو، اللذان تفرقهما الإيديولوجيا والتحالفات الدولية، على هذه القرابة الجاليكية، لبناء علاقة دولة تتبادل المصالح وتقوم على الواقعية. وقد أعلن “الكوديللو”، أنه “لا يحق لأي أمة” التدخل في الحياة الداخلية “للدول” الأخرى””3”. وجاء الصدى من فيدل كاسترو بنفس الطريقة: “رغم خلافاتنا الأيديولوجية ، كانت الحكومة الإسبانية حازمة وحافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع كوبا””4».
مع طيّ صفحة التحول الديمقراطي، حرر الدخول إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية وحلف الناتو اليمين الإسباني. وسمحت له كوبا بالانفصال عن تراث فرانكو، الذي يتقاسمه مع اليسار، مما أبعده عن المراجع الأمريكية والغربية المحافظة.
عام 1996، أطاح الجيل الجديد للحزب الشعبي، بقيادة خوسيه ماريا أزنار، الذي استلم السلطة، أطاح بآخر الأفيال الموالية لفرانكو داخل الحزب الشعبي. حينها تحصن مانويل فراجا إيريبارن، في منطقة غاليسيا التي يترأسها. وبعيداً عن مدريد، استقبل مرتين “مواطنه” فيدل كاسترو.
غير ان كوبا دخلت الآن ساحة المعركة بين اليمين واليسار. وباسم الحريات، أصبحت كوبا، العزيزة على الذاكرة الإسبانية، بطبيعة الحال واحدة من زلاقات اليمين، مشيطنا اليسار، المشتبه في رضاه عن الشيوعية. وهكذا، وفقًا للتناوب الانتخابي، تستعيد إسبانيا مع اليسار دبلوماسية الدولة مع هافانا، بينما أعاد الحزب الشعبي وفوكس اليوم، تنشيط المرجل المعادي لكوبا الذي اخترعه خوسيه ماريا أثنار في عام 1996 لإدانة الاشتراكيين والتقدميين من جميع الأطياف.
------------------------
«1» الانقلاب العسكري ، نقطة البداية لـ “الحرب الأهلية الإسبانية” كان في 18 يوليو 1936
«2» إل باييس ودياريو دي لا مارينا ، بين 1922 و 1933
«3» فرانسيسكو فرانكو ، خطاب أمام نواب المجلس التشريعي السابع لـ “كورتيس”، 3 يونيو 1961 ، في سيلفيا إنريتش ، “التاريخ الدبلوماسي بين إسبانيا وأمريكا اللاتينية “، ص 129
«4» المصدر نفسه، ص 132
*باحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية حول القضايا الأيبيرية (أمريكا اللاتينية وإسبانيا).