شيء ما يتغيّر في تركيا لكن لم يصل إلى نهاية عهد أردوغان
مفاجآت في الأناضول.. غاندي التركي يتجه نحو الرئاسة
قبل نحو ستة أسابيع من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المصيرية في تركيا، يُواجه الرئيس رجب طيب أردوغان صعوبات جمّة على عدّة جبهات، فقد أضرّ الزلزال والأزمة الاقتصادية بشعبيته داخلياً في ظلّ تقدّم منافسه كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري.
فيما على الصعيد الدولي، يبدو أنّ محاولات التوازن والمناورة البارعة التي يبذلها أردوغان مع الولايات المتحدة وروسيا قد بلغت أقصى حدودها ولم تعد تُجدِ نفعاً، وباتت الثقة مفقودة بين كافة الأطراف.
وحول ذلك يقول الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي نيكولا بورسير “شيء ما يتغيّر في تركيا، شيء لم يكن من قبل، لكن لم يصل بعد إلى نهاية عهد رجب طيب أردوغان الذي استمر عشرين عاماً، شيء ليس من طبيعة النظام السياسي الحالي، ولكنّه يحدد بالفعل المناخ الذي باتت تتكشف فيه الحياة العامة للبلد.” فمع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الحاسمة في 14 مايو (أيار) القادم، يبدو أنّ آلة الدولة تُكافح من أجل البقاء، ويعوقها ثقل قيودها بقدر ما يعوقها معارضة متجددة بالإضافة إلى تغيّر قواعد اللعبة داخل حدودها وخارجها.
ويُتابع الكاتب في صحيفة “اللو موند” يقول إنّه في أعقاب كارثة زلزال 6 فبراير (شباط)، وأزمة مالية لا نهاية لها ونقص السيولة الأجنبية، تُسجّل قوة الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم العدالة والتنمية، يوماً بعد يوم، انخفاضاً حاداً في استطلاعات الرأي التي تُظهر بالإجماع تقريباً نفس الاتجاه، حيث يتقدّم مرشح المعارضة الملقب بغاندي التركي كمال كيليجدار أوغلو على رئيس الدولة الحالي بـِ 3 إلى 6 نقاط، أو حتى ربما يُمكنه الفوز بمعركة الرئاسة في الجولة الأولى. وهو شيء لم يكن ممكناً تخيّله قبل شهرين فقط.
ويُوافقه في هذا الرأي عالم السياسة التركي بيرك إيسن، الأستاذ في جامعة سابانجي في إسطنبول، الذي يقول “لقد غيّر الزلزال قواعد اللعبة لأنّه عزز دعم كيليجدار أوغلو وأظهر عدم كفاءة الحكومة التركية».
من جهته يرى الكاتب والخبير الاقتصادي محمد ألتان أنّ كارثة الزلزال “حدث محوري في تاريخنا.. فقد كشفت لعيون العالم أنّ القوة التركية كما هي حالياً، أي سلطة رجل واحد على رأس البلاد لم تعد تُجدِ. وبالنظر إلى الانعكاسات حالياً، يبدو أنّ عملية التوازن التي يقوم بها أردوغان قد وصلت إلى حدودها، سواء في تركيا أو على الساحة الدولية، ومجال المناورة بات ضيّقاً».
ويقول بورسير إنّ واشنطن وبروكسل حذّرتا أنقرة مراراً بشأن علاقتها مع موسكو، لكنّها صمّت آذانها، واصفاً سياسة أردوغان بـِ “الحياد الموالي لروسيا”. ويُشير إلى أنّ الضغوطات والتهديدات بالمحاكم الدولية خلف الكواليس تزايدت، ولذلك فقد قطعت تركيا إمدادات الوقود للطائرات الروسية، كما وصرّح رؤوساء أبرز شركات الصناعات العسكرية التركية أنّ بلادهم ليست بحاجة لصواريخ الدفاع الجوي إس-400 التي سبق وتسببت بأزمة حادّة مع الولايات المتحدة. وذلك بينما تُحاول تركيا اليوم استعادة رضا الغرب عبر الموافقة على انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي بعد رفض سابق.
وفيما لم ينجح أردوغان في الحصول على دعم موسكو لضمان عقد لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد الذي وضع شروطاً عدّة لإعادة العلاقات بين البلدين الجارين، ينقل محللون عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رؤيته بأنّه لم يعُد متأكداً من فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية، وهو ما انعكس في تأجيل مشروع نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا.
كمال كليجدار أوغلو.. المُعارض العنيد لأردوغان
من جهته، توعّد زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، الذي يصُنّف بأنّه المنافس الأقوى لأردوغان في الانتخابات الرئاسية المُرتقبة، بـِ “تحطيم جدار الخوف”. لكن وعلى عكس أردوغان وتصريحاته النارية المعروفة، فإنّ كليجدار أوغلو، البالغ من العمر 74 عاماً، يظهر كقوة هادئة في ميدان السياسة، وهو يتبع نهجاً سلمياً يحرص على توحيد الشعب بدلاً من الانقسام.
ويُحسب لزعيم أكبر أحزاب المعارضة التركية، الحزب الذي أنشأه مصطفى كمال أتاتورك مع بدايات تأسيس الجمهورية، أنّه نجح في الجمع بين كافة أقطاب المعارضة لأوّل مرّة منذ عشرين عاماً بهدف الإطاحة برئيس الدولة التركية خلال الانتخابات الرئاسية.
ولكن كم كان الطريق شاقاً! حسب يومية “اللو موند” الفرنسية، إذ لطالما سخر بعض السياسيين من كمال كيليجدار أوغلو لافتقاره إلى الكاريزما. كما كان عليه أن يواجه اتهامات متتالية من ميرال أكشينار، زعيمة الحزب الصالح ومُلهمة اليمين القومي الشريك في ائتلافه المعارض، والتي لا تُبدِ ثقة كبيرة بقدرته على الفوز، وتُفضّل منافسيه في الحزب.
كما كان عليه أن يتعامل في ذات الوقت، مع النجمين الصاعدين من صفوف حزبه، عمدة أنقرة منصور يافاش وعمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وكلاهما في وضع أفضل منه في استطلاعات الرأي. لكنّ كليجدار أوغلو في الواقع تحدّى الجميع، فقد حوّل هذا المحاسب القديم والمدير السابق للضمان الاجتماعي قبل دخول السياسة منذ نحو ربع قرن، سياسته الخاصة بالتقدّم خطوات صغيرة تدريجياً إلى رصيد كافٍ في بلد مريض بانقساماته وتناقضاته.
«غاندي التركي»
لقبته عائلته بـِ “غاندي التركي” لتشابهه مع المرشد الروحي الهندي المعروف. لكنّ مُنتقدي كمال كليجدار أوغلو داخل حزبه يُسمّونه بالمقابل “الرجل العجوز”. وفي الواقع، فإنّه يجمع القليل من هاتين الصورتين، صورة صانع سلام مخلص إلى جانب شخصية عائلية لا تتماشى مع وقته غير المتوفر.
ينحدر كليجدار أوغلو من عائلة شرقي الأناضول مُكوّنة من سبعة أبناء، في الأصل من منطقة ديرسم ذات الأغلبية الكردية، لكنّه ينتمي إلى الأقلية العلوية. ولطالما طوّر صورته المتواضعة كبيروقراطي، إذ كان يرتدي قبعة العمال منذ فترة طويلة، ووعد خلال صعوده داخل الحزب المُعارض بإعادة التواصل مع الديمقراطية الاجتماعية، بينما استوحى الإلهام من رئيس الوزراء السابق بولنت أجاويد، رجل الانقلاب في قبرص في عام 1974، ومن سياسة طموحة صارمة قد تُتوّجه رئيساً يعود بحزب أتاتورك العلماني إلى قيادة البلاد بعد ما يزيد عن عقدين من سيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامي.