رئيس الدولة يبحث مع الرئيس الفرنسي مسار العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين
الحضور الروسي بأفريقيا :
منافسة أمنية ثقافية لفرنسا واقتصادية للصين وتركيا ...
-- لافروف ناقش مع المسؤولين السودانيين إنشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان على البحر الأحمر
-- روسيا تسعى للعب دور عسكري بديل لفرنسا في غرب أفريقيا و منطقة الساحل
-- الاهتمام الروسي بتعزيز حضورها بالقارة السمراء يواجه منافسة حادة مع الدول الغربية و الصين و تركيا
منذ اندلاع الصراع الروسي الاوكراني قام وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بثلاث جولات إفريقية قادته إلى العديد من دول القارة السمراء منها مصر و أوغندا و الكونغو و أوغندا و إثيوبيا وإريتيريا و المغرب ، و خلال الأيام الماضية إلى جنوب أفريقيا و مالي و السودان و موريتانيا ..
فيما تأجلت زيارته الى تونس او بالأحرى اجلت الســـــلطات التونسية هذه الزيارة لأسباب امنية في حين تحدثت بعض الاوســـاط عن ضغط اوروبي و امريكي مورس على تونس لإلغاء هذه الزيارة .
جولة لافروف جاءت على خلفية دخول الحرب الروسية الاوكرانية مرحلة جديدة من الصراع ، قد يطول ..
و لا يبدو انه سينتهي قريبا بمفاوضات سلمية تحفــــظ لأوكرانيـــــــا ســـــيادتها على اراضيها كمــــا تحـــــول دون عـدم تغيير جغرافيا روسيا كمــــــا اكــــــد على ذلك الرئيس الفرنسـي ايمانويل ماكرون في الخطــــــاب الذي ألقــــاه في افتتـاح قمة ميونيــــخ الاخيـــرة حـول الامن الدولي .
كما جاءت هذه الجولة في سياق صراع محموم بين موسكو و باريس على بسط اليد على الدول الافريقية الفرانكفونية امنيا و ثقافيا ، و على تنافس حاد مع الولايات المتحدة على احتلال مزيد من مواطئ القدم على المواقع الاستراتيجية ببلدان القارة ، وعلى خلق مزيد من فرص للاستثمارات الروسية و تكثيف المبادلات الاقتصادية مع بلدان تنشط فيها المنافسة الصينية و التركية إلى جانب الغربية .
اللعب على الهوية
و السيادة الوطنية ...
جان دي جلنياستري سفير فرنسا السابق بموسكو و بداكار و الباحث الاستراتيجي المعروف ينفي ان تكون روسيا منافسا جديا لفرنسا على المستوى الاقتصادي لان الاقتصاد الروسي غير متنوع بما فيه الكفاية ،على حد قوله .
التنافس الحقيقي يقوم على ارض الثقافة و اللعب على الهوية و السيادة الوطنية الافريقيتين ، و على الصعيد الامني أيضا .فروسيا تُرَوج بضراوة لفكرة الاستعمار الجديد الذي تود فرنسا بسطه على الدول الافريقية الفرانكفونية من خلال اللغة و الثقافة الفرنسية ، و الترويج لفكرة الفرانكفونية و لمؤسساتها التي ترعى الوجود الثقافي الفرنسي بالدول المستعمرة سابقا ، و هي تُذكي هذا العداء خاصة لدى فئة الشباب الافريقي .
فقد ارتفع الخطاب المضاد للمواقف السياسية و بالذات لفرنسا ، في الفترة الاخيرة ، لدى جيل من هذا الشباب الذي يرى ان بلدانهم لم تحرر بما فيه الكفاية من الاستعمار الفرنسي و ان استعمارا جديدا يحل بأشكال مختلفة بها ، و انه يجد من الطبقة الحاكمة ، خاصة في الانظمة الدكتاتورية من يهيا له هذا النفوذ الفرنسي القوي الذي كان مفهوما عندما كانت فرنسا قوة عظمى ، كما يضيف الدبلوماسي الفرنسي ،الا انه أقل قبولا في عهد جديد يُنظر فيه الى فرنسا على أنها تجسيد للمعسكر الغربي و لتوجهاته الاستعمارية على أكثر من صعيد .
إلا أنه من المٌفارقات ، أو من منطق السياسة أيضا ان روسيا تواجه هذا العداء للحضور الثقافي الفرنسي بالدول الافريقية الناطقة بالفرنسية بمزيد فتح مراكز ثقافية روسية ربما لا تخلو منها روح الهيمنة الثقافية و الدعاية الايديولوجية للاتحاد السوفياتي القديمة .
الثقل
العسكري الروسي
التنافس الروسي ، و الغربي عموما ،على الأراضي الإفريقية يُدار ايضا على الصعيد الامني و العسكري ، ذلك ان فرنسا لعبت دورا امنيا في غرب افريقيا و منطقة الساحل ، إلا ان روسيا تقدم نفسها ..
كما يرى العديد من المراقبين السياسيين ، كمنافس مباشر لفرنسا ، و تتباهى بفعاليتها مقارنة بعدم فعالية القوات الفرنسية بمنطقة الساحل ، حيث مازالت ضربات بوكو حرام الارهابية تهدد امن دول المنطقة، كما تتحدث روسيا عن الطابع الاستعماري الجديد للوجــــــود الامني الفرنسي مثيرة المشاعر الوطنية لهذه البلدان .
و لم يتخلف لافروف في اعقاب زيارتــــه لمالـــــــي عن ادانــــــة ما اسماه الاستعمار الفرنسي الجديد للعديد من الدول الافريقية .
المناورات البحرية الصينية ـالروسية و الجنوب افريقية التي ستجرى خلال هذه الايام ،بثقل عسكري روسي كبير ، آخر مظاهر الرغبة الروسية في تعزيز وجودها الامني بالقارة ، الذي تحاول استرجاعه منذ نهاية التسعينيات .و رغم ما اعلنته بريتوريا من حياد تجاه الازمة الروسية الاوكرانية الا ان ظهور ناليدي باندور وزيرة خارجية جنوب افريقيا ، في مصافحة حارة مع لافروف ، اثناء ندوة صحفية مشتركة لهذا الاخير مع نظيرته الجنوب افريقية يؤكد ان روسيا خطت خطوات كبيرة نحو استرجاع مكانتها بالقارة .
و قد اضفى لافروف ، خلال هذه الندوة الصحفية ، مشروعية على هذا التعاون الثلاثي المشترك عندما ذكر ان المناورات العسكرية البحرية التي ستُجرى ، خلال هذه الايام ، بين روسيا و الصين و جنوب افريقيا في المحيط الهندي “ شفافة و تتوافق مع القانون الدولي «.
وعندما نعلم أن الجزائر ، التي تعيش لحظات متواترة من تأزم علاقاتها مع فرنسا ، أصبحت الشريك العسكري الاول افريقيا و الثاني عالميا لروسيا ، في مؤشر مشتريات السلاح و المعدات العسكرية نعلم حجم المنافسة الروسية للبلدان الغربية في تسليح الدول الافريقية .
و في الواقع تستفيد روسيا ، على هذا الصعيد ، في الترويج لصناعتها العسكرية و لمنتجاتها الحربية بان هذه الاخيرة ارخص ، على مستوى السوق العالمية و يتم تزويد البلدان التي تطلبها بشكل سريع ، خاصة ان روسيا لا تضع شروطا سياسية او تعديلات متعلقة بحقوق الانسان ، كما تقوم بذلك الدول الغربية لبيع اسلحتها بحيث ان موسكو تسد الفراغ الذي تتركه هذه البلدان في عروض سوق السلاح العالمي . على سبيل المثال الغت الولايات المتحدة شحنة من طائرات الهليكوبتر الهجومية مع نيجيريا إثر اتهام جنود حكوميين بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان ضد المشتبه بهم في قتال البلاد ضد بوكو حرام .و عندما الغيت الصفقة الامريكية النيجيرية لبت روسا طلبا نيجيريا لشراء مروحيات قتالية . الامر ذاته حدث مع مصر عندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم حيث اتهمته الولايات المتحدة بقيام انقلاب عسكري مخالف لقواعد الديموقراطية التي تبشر بها ، و بدات في قطع المساعدات العسكرية لمصر و امدادات الاسلحة لها و هو ما اوجد فرصة جديدة لروسيا لتكثيف مبيعاتها العسكرية لمصر و نقلها بسرعة اليها .
على ضوء هذه المعطيات نفهم تنقل لافروف الى بعض البلدان الافريقية التي تتهم بانها الاكثر ديكتاتورية في القارة و اقلها استقرارا امنيا و سياسيا لتعزيز الوجود الامني و العسكري و الاقتصادي بها على غرار بلدان الساحل التي تهددها انشطة الجماهات الارهابية او السودان التي تعيش تقلبات سياسية متواترة .
السودان كانت احدى محطات الجولة الافريقية الاخيرة للافروف حيث التقى نظيره السوداني علي الصادق كما استقبل من طرف رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ، و كما تحدثت تقارير اعلامية ، و كما صرح ايضا وزير الخارجية الروسي فان اهم نقطة على اجندة مباحثات هذا الاخير مع المسؤولين السودانيين كان انشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان على البحر الاحمر. ستمكن هذه القاعدة ، في حال مصادقة البرلمان السوداني على الاتفاقية التي تم توقيعها من طرف الجانب الروسي و السوداني ، من ان توفر لروسيا اطلالة على البحر الاحمر ، و اشرافا على حركة الملاحة البحرية و الجوية و على حركة التجارة العالمية و خصوصا تجرة المحروقات .على هذا الصعيد يمكن القول ان روسيا ربحت معركتها ضد الولايات المتحدة التي مارست ضغوطـــــا على الســـــودان لتتراجع على هذه الاتفاقية ، و في المقابل وعد لافروف ان بلده ستدعم السودان في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها من قبل مجلس الأمن الدولي .
حشد
الدعم السياسي
الاهتمام الروسي بتعزيز حضورها بالقارة السمراء ، الذي جسدته جولة لافروف الأخيرة ، يتجاوز اليوم البعد العسكري و الامني من بيع لمعدات عسكرية و برامج تدريب للعديد من افراد القوات العسكرية لبعض البلدان الافريقية ،على غرار مالي ، و انشاء قواعد عسكرية و مفاعلات نووية ..
كما يتجاوز البعد الاقتصادي بمضاعفة الاستثمارات في مجال النفط و المعادن الثمينة كالألماس و الذهب و اليورانيوم ، و تنفيذ المشروعات التنموية ،في منافسة حادة مع الدول الغربية و الصين و تركيا ، الفاعل الجديد الذي ينشط بالقارة الافريقية على المستوى التجاري و الاقتصادي ،يتجاوز اليوم كل هذا ، و قد اطمانت روسيا عليه ، الى البعد السياسي حيث تسعى في هده المرحلة من صراعها مع اوكرانيا و بالتالي مع الغرب ، الى حشد مزيد من اصوات الدول الافريقية , التي ظلت في مجملها وفية لما قدمه الاتحاد السوفياتي ، سابقا ، من دعم سياسي و لوجستي في حروبها التحريرية ضد الاستعمار الاوروبي ، و لذلك بغية مواجهة العقوبات التي يمكن ان تفرضها الامم المتحدة عليها ، و لفك العزلة التي يحاول الاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة ضربها حولها ، و هي عزلة بدت واضحة عندما اقصيت روسيا من حضور أشغال قمة ميونيخ للامن العالمي حيث تعد روسيا ، و هي التي دقت طبول الحرب على الاراضي الاوروبية ، و تحديدا باوكرانيا ، أكثر أو على الاقل أحد الاطراف المعنية اليوم بالأمن العالمي .
هل تحتاج
أفريقيا لبوتين ؟
بقي السؤال المطروح هو هل تستطيع هذه الديناميكية الجديدة في الديبلوماسية الروسية ، التي اطلقتها جولة لافروف الاخيرة الى عدد من الدول الإفريقية ، و قد سبقتها جولتان خلال الستة اشهر الماضية ، ان تفي بكل وعودها خاصة في ظل الاوضاع المالية الصعبة التي تعيشها روسيا بسبب استتباعات الحرب الروسية الاوكرانية على الصعيد المالي و الاقتصادي ، و بسبب الحظر المفروض عليها من قبل الدول الغربية ، من حيث تضاؤل قدرتها على الاستثمار في مشاريع كبرى بالدول الافريقية تنافس بها الحضور الغربي و الصيني و ربما التركي أيضا .
و هل ترغب الشعوب الافريقية فعلا في عودة الروس الى القارة ، من باب الامن و الاقتصاد ؟ أحد الأجوبة يقدمها كتاب “ افريقيا لا تحتاج لبوتين “ الصادر بالفرنسية اخيرا لوزير الاعلام السابق بافريقيا الوسطى أندريان بوسون ، حيث يشير الى ما يسميه “ انتهازية روسيا “ و ارتباط علاقاتها بانظمة افريقية دكتاتورية و حماية قادتها ..
و حيث يشير ايضا الى الاثار الكارثية للاجتياح الروسي لاوكرانيا ، مؤكدا ان الحرب ضد اوكرانيا و محاولة انتزاع سيادتها و جزءا من اراضيها هي حرب ضد الانسانية جمعاء ، مُختتما مؤلفه هذا بالقول ان ما تحتاجه افريقيا هو ان يحترمها جميع شركائها من الغرب و الشرق على حد السواء .
-- روسيا تسعى للعب دور عسكري بديل لفرنسا في غرب أفريقيا و منطقة الساحل
-- الاهتمام الروسي بتعزيز حضورها بالقارة السمراء يواجه منافسة حادة مع الدول الغربية و الصين و تركيا
منذ اندلاع الصراع الروسي الاوكراني قام وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بثلاث جولات إفريقية قادته إلى العديد من دول القارة السمراء منها مصر و أوغندا و الكونغو و أوغندا و إثيوبيا وإريتيريا و المغرب ، و خلال الأيام الماضية إلى جنوب أفريقيا و مالي و السودان و موريتانيا ..
فيما تأجلت زيارته الى تونس او بالأحرى اجلت الســـــلطات التونسية هذه الزيارة لأسباب امنية في حين تحدثت بعض الاوســـاط عن ضغط اوروبي و امريكي مورس على تونس لإلغاء هذه الزيارة .
جولة لافروف جاءت على خلفية دخول الحرب الروسية الاوكرانية مرحلة جديدة من الصراع ، قد يطول ..
و لا يبدو انه سينتهي قريبا بمفاوضات سلمية تحفــــظ لأوكرانيـــــــا ســـــيادتها على اراضيها كمــــا تحـــــول دون عـدم تغيير جغرافيا روسيا كمــــــا اكــــــد على ذلك الرئيس الفرنسـي ايمانويل ماكرون في الخطــــــاب الذي ألقــــاه في افتتـاح قمة ميونيــــخ الاخيـــرة حـول الامن الدولي .
كما جاءت هذه الجولة في سياق صراع محموم بين موسكو و باريس على بسط اليد على الدول الافريقية الفرانكفونية امنيا و ثقافيا ، و على تنافس حاد مع الولايات المتحدة على احتلال مزيد من مواطئ القدم على المواقع الاستراتيجية ببلدان القارة ، وعلى خلق مزيد من فرص للاستثمارات الروسية و تكثيف المبادلات الاقتصادية مع بلدان تنشط فيها المنافسة الصينية و التركية إلى جانب الغربية .
اللعب على الهوية
و السيادة الوطنية ...
جان دي جلنياستري سفير فرنسا السابق بموسكو و بداكار و الباحث الاستراتيجي المعروف ينفي ان تكون روسيا منافسا جديا لفرنسا على المستوى الاقتصادي لان الاقتصاد الروسي غير متنوع بما فيه الكفاية ،على حد قوله .
التنافس الحقيقي يقوم على ارض الثقافة و اللعب على الهوية و السيادة الوطنية الافريقيتين ، و على الصعيد الامني أيضا .فروسيا تُرَوج بضراوة لفكرة الاستعمار الجديد الذي تود فرنسا بسطه على الدول الافريقية الفرانكفونية من خلال اللغة و الثقافة الفرنسية ، و الترويج لفكرة الفرانكفونية و لمؤسساتها التي ترعى الوجود الثقافي الفرنسي بالدول المستعمرة سابقا ، و هي تُذكي هذا العداء خاصة لدى فئة الشباب الافريقي .
فقد ارتفع الخطاب المضاد للمواقف السياسية و بالذات لفرنسا ، في الفترة الاخيرة ، لدى جيل من هذا الشباب الذي يرى ان بلدانهم لم تحرر بما فيه الكفاية من الاستعمار الفرنسي و ان استعمارا جديدا يحل بأشكال مختلفة بها ، و انه يجد من الطبقة الحاكمة ، خاصة في الانظمة الدكتاتورية من يهيا له هذا النفوذ الفرنسي القوي الذي كان مفهوما عندما كانت فرنسا قوة عظمى ، كما يضيف الدبلوماسي الفرنسي ،الا انه أقل قبولا في عهد جديد يُنظر فيه الى فرنسا على أنها تجسيد للمعسكر الغربي و لتوجهاته الاستعمارية على أكثر من صعيد .
إلا أنه من المٌفارقات ، أو من منطق السياسة أيضا ان روسيا تواجه هذا العداء للحضور الثقافي الفرنسي بالدول الافريقية الناطقة بالفرنسية بمزيد فتح مراكز ثقافية روسية ربما لا تخلو منها روح الهيمنة الثقافية و الدعاية الايديولوجية للاتحاد السوفياتي القديمة .
الثقل
العسكري الروسي
التنافس الروسي ، و الغربي عموما ،على الأراضي الإفريقية يُدار ايضا على الصعيد الامني و العسكري ، ذلك ان فرنسا لعبت دورا امنيا في غرب افريقيا و منطقة الساحل ، إلا ان روسيا تقدم نفسها ..
كما يرى العديد من المراقبين السياسيين ، كمنافس مباشر لفرنسا ، و تتباهى بفعاليتها مقارنة بعدم فعالية القوات الفرنسية بمنطقة الساحل ، حيث مازالت ضربات بوكو حرام الارهابية تهدد امن دول المنطقة، كما تتحدث روسيا عن الطابع الاستعماري الجديد للوجــــــود الامني الفرنسي مثيرة المشاعر الوطنية لهذه البلدان .
و لم يتخلف لافروف في اعقاب زيارتــــه لمالـــــــي عن ادانــــــة ما اسماه الاستعمار الفرنسي الجديد للعديد من الدول الافريقية .
المناورات البحرية الصينية ـالروسية و الجنوب افريقية التي ستجرى خلال هذه الايام ،بثقل عسكري روسي كبير ، آخر مظاهر الرغبة الروسية في تعزيز وجودها الامني بالقارة ، الذي تحاول استرجاعه منذ نهاية التسعينيات .و رغم ما اعلنته بريتوريا من حياد تجاه الازمة الروسية الاوكرانية الا ان ظهور ناليدي باندور وزيرة خارجية جنوب افريقيا ، في مصافحة حارة مع لافروف ، اثناء ندوة صحفية مشتركة لهذا الاخير مع نظيرته الجنوب افريقية يؤكد ان روسيا خطت خطوات كبيرة نحو استرجاع مكانتها بالقارة .
و قد اضفى لافروف ، خلال هذه الندوة الصحفية ، مشروعية على هذا التعاون الثلاثي المشترك عندما ذكر ان المناورات العسكرية البحرية التي ستُجرى ، خلال هذه الايام ، بين روسيا و الصين و جنوب افريقيا في المحيط الهندي “ شفافة و تتوافق مع القانون الدولي «.
وعندما نعلم أن الجزائر ، التي تعيش لحظات متواترة من تأزم علاقاتها مع فرنسا ، أصبحت الشريك العسكري الاول افريقيا و الثاني عالميا لروسيا ، في مؤشر مشتريات السلاح و المعدات العسكرية نعلم حجم المنافسة الروسية للبلدان الغربية في تسليح الدول الافريقية .
و في الواقع تستفيد روسيا ، على هذا الصعيد ، في الترويج لصناعتها العسكرية و لمنتجاتها الحربية بان هذه الاخيرة ارخص ، على مستوى السوق العالمية و يتم تزويد البلدان التي تطلبها بشكل سريع ، خاصة ان روسيا لا تضع شروطا سياسية او تعديلات متعلقة بحقوق الانسان ، كما تقوم بذلك الدول الغربية لبيع اسلحتها بحيث ان موسكو تسد الفراغ الذي تتركه هذه البلدان في عروض سوق السلاح العالمي . على سبيل المثال الغت الولايات المتحدة شحنة من طائرات الهليكوبتر الهجومية مع نيجيريا إثر اتهام جنود حكوميين بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان ضد المشتبه بهم في قتال البلاد ضد بوكو حرام .و عندما الغيت الصفقة الامريكية النيجيرية لبت روسا طلبا نيجيريا لشراء مروحيات قتالية . الامر ذاته حدث مع مصر عندما تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم حيث اتهمته الولايات المتحدة بقيام انقلاب عسكري مخالف لقواعد الديموقراطية التي تبشر بها ، و بدات في قطع المساعدات العسكرية لمصر و امدادات الاسلحة لها و هو ما اوجد فرصة جديدة لروسيا لتكثيف مبيعاتها العسكرية لمصر و نقلها بسرعة اليها .
على ضوء هذه المعطيات نفهم تنقل لافروف الى بعض البلدان الافريقية التي تتهم بانها الاكثر ديكتاتورية في القارة و اقلها استقرارا امنيا و سياسيا لتعزيز الوجود الامني و العسكري و الاقتصادي بها على غرار بلدان الساحل التي تهددها انشطة الجماهات الارهابية او السودان التي تعيش تقلبات سياسية متواترة .
السودان كانت احدى محطات الجولة الافريقية الاخيرة للافروف حيث التقى نظيره السوداني علي الصادق كما استقبل من طرف رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ، و كما تحدثت تقارير اعلامية ، و كما صرح ايضا وزير الخارجية الروسي فان اهم نقطة على اجندة مباحثات هذا الاخير مع المسؤولين السودانيين كان انشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان على البحر الاحمر. ستمكن هذه القاعدة ، في حال مصادقة البرلمان السوداني على الاتفاقية التي تم توقيعها من طرف الجانب الروسي و السوداني ، من ان توفر لروسيا اطلالة على البحر الاحمر ، و اشرافا على حركة الملاحة البحرية و الجوية و على حركة التجارة العالمية و خصوصا تجرة المحروقات .على هذا الصعيد يمكن القول ان روسيا ربحت معركتها ضد الولايات المتحدة التي مارست ضغوطـــــا على الســـــودان لتتراجع على هذه الاتفاقية ، و في المقابل وعد لافروف ان بلده ستدعم السودان في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها من قبل مجلس الأمن الدولي .
حشد
الدعم السياسي
الاهتمام الروسي بتعزيز حضورها بالقارة السمراء ، الذي جسدته جولة لافروف الأخيرة ، يتجاوز اليوم البعد العسكري و الامني من بيع لمعدات عسكرية و برامج تدريب للعديد من افراد القوات العسكرية لبعض البلدان الافريقية ،على غرار مالي ، و انشاء قواعد عسكرية و مفاعلات نووية ..
كما يتجاوز البعد الاقتصادي بمضاعفة الاستثمارات في مجال النفط و المعادن الثمينة كالألماس و الذهب و اليورانيوم ، و تنفيذ المشروعات التنموية ،في منافسة حادة مع الدول الغربية و الصين و تركيا ، الفاعل الجديد الذي ينشط بالقارة الافريقية على المستوى التجاري و الاقتصادي ،يتجاوز اليوم كل هذا ، و قد اطمانت روسيا عليه ، الى البعد السياسي حيث تسعى في هده المرحلة من صراعها مع اوكرانيا و بالتالي مع الغرب ، الى حشد مزيد من اصوات الدول الافريقية , التي ظلت في مجملها وفية لما قدمه الاتحاد السوفياتي ، سابقا ، من دعم سياسي و لوجستي في حروبها التحريرية ضد الاستعمار الاوروبي ، و لذلك بغية مواجهة العقوبات التي يمكن ان تفرضها الامم المتحدة عليها ، و لفك العزلة التي يحاول الاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة ضربها حولها ، و هي عزلة بدت واضحة عندما اقصيت روسيا من حضور أشغال قمة ميونيخ للامن العالمي حيث تعد روسيا ، و هي التي دقت طبول الحرب على الاراضي الاوروبية ، و تحديدا باوكرانيا ، أكثر أو على الاقل أحد الاطراف المعنية اليوم بالأمن العالمي .
هل تحتاج
أفريقيا لبوتين ؟
بقي السؤال المطروح هو هل تستطيع هذه الديناميكية الجديدة في الديبلوماسية الروسية ، التي اطلقتها جولة لافروف الاخيرة الى عدد من الدول الإفريقية ، و قد سبقتها جولتان خلال الستة اشهر الماضية ، ان تفي بكل وعودها خاصة في ظل الاوضاع المالية الصعبة التي تعيشها روسيا بسبب استتباعات الحرب الروسية الاوكرانية على الصعيد المالي و الاقتصادي ، و بسبب الحظر المفروض عليها من قبل الدول الغربية ، من حيث تضاؤل قدرتها على الاستثمار في مشاريع كبرى بالدول الافريقية تنافس بها الحضور الغربي و الصيني و ربما التركي أيضا .
و هل ترغب الشعوب الافريقية فعلا في عودة الروس الى القارة ، من باب الامن و الاقتصاد ؟ أحد الأجوبة يقدمها كتاب “ افريقيا لا تحتاج لبوتين “ الصادر بالفرنسية اخيرا لوزير الاعلام السابق بافريقيا الوسطى أندريان بوسون ، حيث يشير الى ما يسميه “ انتهازية روسيا “ و ارتباط علاقاتها بانظمة افريقية دكتاتورية و حماية قادتها ..
و حيث يشير ايضا الى الاثار الكارثية للاجتياح الروسي لاوكرانيا ، مؤكدا ان الحرب ضد اوكرانيا و محاولة انتزاع سيادتها و جزءا من اراضيها هي حرب ضد الانسانية جمعاء ، مُختتما مؤلفه هذا بالقول ان ما تحتاجه افريقيا هو ان يحترمها جميع شركائها من الغرب و الشرق على حد السواء .