رئيس الدولة والسوداني يؤكدان أهمية تسوية النزاعات والأزمات بالشرق الأوسط سلمياً
من الأسد إلى الجولاني.. إرث ثقيل وأزمات تعصف بالمشهد السوري
قال الكاتب والباحث السياسي راجان مينون إن انهيار نظام الأسد يمثل لحظة محورية في التاريخ السوري، فبعد حكم دام أكثر من 5 عقود، تفككت أسرة الأسد في غضون 10 أيام، وانتهى البعث، وبرز اسم أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، كزعيم فعلي جديد لسوريا.
وفي حين أن هذا الانتصار كان بعيد الاحتمال بالنسبة للجولاني، فإنه يؤذن أيضاً بتحديات هائلة حيث يطالب السوريون بالعدالة والحكم الرشيد والتعافي الاقتصادي.
التحديات الفورية
وأضاف الكاتب في مقاله بموقع «أنهيرد» البريطاني»: «يرث الجولاني أمة ممزقة ذات تاريخ طويل من القمع في ظل حكم الأسد. وكسب الشرعية يتطلب منه أن يقطع الصلة مع الماضي من خلال تفكيك جهاز الأمن القمعي للأسد ومقاضاة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة ميليشيات الشبيحة سيئة السمعة على فظائعها، وإصلاح القوانين السورية وبناء قضاء موثوق لتحقيق العدالة.
ومن الأمور الملحة تبديد مخاوف المجتمع السوري المتعدد الثقافات، وسيواجه الاعتدال السياسي الذي أعلنه الجولاني أجواء التشكيك، حيث يشتبه الكثيرون في أنه يمارس تحولاً تكتيكياً وليس تحولاً حقيقياً.
وسيكون إثبات التزامه بالتسامح والشمول ضرورياً للاستقرار السياسي.
إحياء الاقتصاد
السوري المدمر
وأشار الكاتب إلى أن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عاماً مذهلة، حيث انخفض نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي من 3000 دولار في عام 2011 إلى 421 دولاراً في عام 2021، وهو انخفاض بنسبة 86%.
بلغ حجم التضخم 93% في عام 2023، ويجتاح الفقر الآن 69% من السكان.
كما خلفت الحرب أكثر من 13 مليون سوري نازح داخلياً أو كلاجئين في الخارج، مما زاد من تعقيد التعافي الاقتصادي.
ودعا رئيس الوزراء المؤقت محمد البشير اللاجئين إلى العودة والمساعدة في إعادة بناء البلاد، لكن هذا يتطلب موارد كبيرة لإعادة التوطين.
ويجب توفير السكن والغذاء والخدمات الأساسية لإعادة دمج السكان النازحين. ومع ذلك، مع انهيار الاقتصاد السوري والإيرادات المحدودة من الضرائب، فإن تلبية هذه الاحتياجات ستكون مهمة شاقة، بحسب الكاتب.
النفط والحكم
الذاتي الكردي
يمكن أن تلعب احتياطيات النفط السورية، التي أنتجت ذات يوم 387000 برميل يومياً، دوراً في التعافي. ومع ذلك، فإن غالبية هذه الموارد تقع في الشمال الشرقي، الذي تسيطر عليه الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد لشمال وشرق سوريا، بقيادة مظلوم عبدي من قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من القوات الأمريكية.
واقترح الجولاني تسوية سياسية جديدة تمنح الحكم الذاتي الإقليمي، مما يشير إلى استعداده لتقاسم عائدات النفط مع الأكراد.
وأعرب عبدي بدوره عن انفتاحه على التعاون، مؤكداً على الوحدة تحت راية سوريا ما بعد الأسد.
ومع ذلك، يواجه هذا الاتفاق المحتمل عقبة رئيسية هي تركيا.
النفوذ والمقاومة المتزايدة لتركيا
وقال الكاتب إن تركيا تنظر إلى «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) باعتبارها امتداداً «لحزب العمال الكردستاني»، وهي الجماعة التي تعتبرها منظمة إرهابية. وقد غزا أردوغان مراراً وتكراراً المناطق التي يسكنها الأكراد، مما أدى إلى تهجير المجتمعات المحلية وتعزيز نفوذ تركيا.
وقد يؤدي موقف أردوغان إلى إحباط أي اتفاق بين الجولاني وعبدي. وقد يتفاقم الوضع إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها من سوريا. وقد يجد الجولاني نفسه بعد ذلك منحازاً إلى الأكراد ضد المطالب التركية المتزايدة، وهو ما قد يزيد من تعقيد استقرار سوريا الهش.
التوترات مع إسرائيل
ومع تقدم قوات الجولاني في سوريا وسقوط الأسد، زادت إسرائيل من أنشطتها في سوريا، واحتلت أجزاء من المنطقة منزوعة السلاح التي تحرسها الأمم المتحدة خارج مرتفعات الجولان وشنت مئات الغارات الجوية ضد الأصول العسكرية السورية.
ودعا الجولاني إلى انسحاب إسرائيلي وانتقد الهجمات باعتبارها تصعيداً غير مبرر.
ومع ذلك، فهو يدرك ضعف سوريا الحالي ويعطي الأولوية لإعادة الإعمار الاقتصادي والدبلوماسية على المواجهة.
وأدت الضربات الإسرائيلية إلى تدمير ما يصل إلى 80% من القدرات العسكرية السورية، مما أدى إلى الحد من موارد هيئة تحرير الشام للحكم والدفاع الوطني.
وقد ناشد الجولاني رفع العقوبات الغربية، بحجة أنها تضر بالسوريين العاديين وليس نخبة الأسد. ومع ذلك، يظل الغرب حذراً، ويشترط تخفيف العقوبات على ممارسات هيئة تحرير الشام في الحكم وجهودها لمكافحة الإرهاب.
الدور الروسي والإيراني
وأوضح الكاتب أن روسيا وإيران، الحليفتان الأكثر ثباتاً للأسد، عانتا من انتكاسات كبيرة لكنهما تظلان من الجهات الفاعلة الرئيسية في سوريا ما بعد الأسد.
ويبدو أن روسيا تركز على الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، مثل الحفاظ على قاعدتها الجوية في حميميم وقاعدتها البحرية في طرطوس. ويشير هذا النهج البراغماتي إلى أن موسكو قد تتجنب الإجراءات التي قد تزعزع استقرار الحكومة الجديدة.
وعلى النقيض من ذلك، فقدت إيران نفوذاً كبيراً مع سقوط الأسد. كما ضعف حليفها حزب الله، وخسر طرق إمداد حيوية من إيران. ومع ذلك، قد تسعى إيران إلى استعادة موطئ قدمها من خلال دعم جماعات معارضة إذا تعثرت هيئة تحرير الشام في الحكم.
مخاطر التدخل الأجنبي
وقال الكاتب إن الأهمية الاستراتيجية لسوريا تضمن لها بقاءها كساحة معركة للقوى الخارجية. فالولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران وإسرائيل كلها لديها مصالح متنافسة، وقد يؤدي تدخلها إلى تفاقم عدم الاستقرار في سوريا. والتدخل الأجنبي، وخاصة تسليح الوكلاء المحليين، يهدد بإعادة إشعال الصراع وتقويض جهود هيئة تحرير الشام في الحكم.
وأوضح الكاتب أن الفوضى في سوريا قد تخلف عواقب بعيدة المدى منها عودة الإرهاب، أو زيادة الاتجار بالمخدرات، أو موجة أخرى من اللاجئين إلى البلدان المجاورة وخارجها. ومع ذلك، لا يقدم التاريخ سوى القليل من الأمل في أن يعطي اللاعبون الخارجيون الأولوية لاستقرار سوريا على أجنداتهم الخاصة.