من هم الجهاديون المسجونون في فرنسا ؟

من هم الجهاديون المسجونون في فرنسا ؟

الإرهابي (الجهادي) ليس شخصا مجنونا وُلد بسكين بين أسنانه، ولكنه  الصورة الأكثر تفاهة  لرجل فرنسي متواضع. هكذا تستخلص دراسة نشرتها حديثا مجلة الدراسات الجنائية وعلوم الإجرام الفرنسية طرحت من خلالها السؤال التالي “من هم الجهاديون الفرنسيون؟ 
 
الدراسة اعتمدت على ملف 350 شخصا معتقلين في السجون الفرنسية “ لارتكابهم أعمال إرهابية ”.
هذا بلا شك هو أكمل عمل تم تنفيذه على الإطلاق على خلفية أتباع الحركة الجهادية التي أدمَت فرنسا واحتلت محاكمها لمدة عشر سنوات”. في نهج غير مسبوق تمامًا ، فتحت إدارة السجون أبوابها على مصراعيها أمام باحِثيْن، هما اكزافييه كريتياز  ، أستاذ العلوم السياسية ، ورومان سيز ، مدير مشروع في بعثة مكافحة التطرف العنيف بإدارة السجون . وقد تمكن الباحثان من فحص محتوى 350 تقرير تقييم لأشخاص مسجونين و متهمين ومحكومين لارتكابهم أعمال إرهابية و 137 تقريرًا كتبه مختصون في الظاهرة الدينية في علاقتها بهذه الفئة من السكان. وعلى الرغم من أن الجهاديات - اللواتي ما زلن قليلات العدد في وقت الدراسة لتشكيل مجموعة ذات صلة - غائبات عن التحليل، فقد أمضى الباحثان عامًا في غربلة ملفات 96 % من الرجال الذين سُجنوا لهذا السبب اعتبارًا من 1 يناير 2022 و حسب رومان سيز  فإن هذا العمل التأليفي “يسمح بتفكيك عدد معين من الأفكار المُسبقة «.
 
تتميًز الخارطة الجهادية بالغياب شبه الشامل للمناطق الريفية منها حيث ينتمي أغلب الجهاديين الى المدن الكبرى حيث تصل نسبتهم الى 37 بالمائة فيما ينتمي 21 بالمائة الى المناطق الحضرية عامة و 24 بالمائة الى المدن المتوسطة الكثافة السكانية.
يتوافق الحضور الجهادي مع الكثافة السكانية الفرنسية، على المستوى الوطني ، مع  تركيز على نسبة كبيرة من السكان من ذوي الأصول المهاجرة . و حسب هذه الدراسة فإن اغلب المدن التي يتكثف فيها هذا الحضورو توجد بها المراكز الجهادية  ، في التسعينيات ، هي مُدن  مثل ليل وباريس وليون بشكل خاص ، على عكس مدن مثل بوردو ، ولا روشيل ، وفان ، وبربينيان ، وديجون. 

و لاحظ الباحثان  أيضًا “ تجذر الحركة الجهادية بسبب “الدور المتزايد للإنترنت”. كما يصرون على حقيقة أن “الجهادية ، في فرنسا، هي فوق كل شيء ظاهرة  فرنسية ، بنسبة 81%. وهي ليست بأي حال من الأحوال  ثمرة استيراد ضخم مرتبط مباشرة بتدفقات الهجرة المُتأتية من الأزمة ، و يُشير كذلك الباحثان بانتظام إلى  “ انخراط هؤلاء  الجهاديين “ في الهشاشة المالية” وضعف “رأس مالهم التعليمي”، و من ذلك ان “54% من الأشخاص الذين تمت دراسة ملفاتهم  في العينة ينتمون إلى أسر ذات موارد أقل من الحد الأدنى للأجور” ، و “ثلثي العينة لديهم مستوى أقل من أو يعادل البكالوريا ، و 23% فقط لديهم مستوى تعليمي مكافئ أو أعلى من البكالوريا  “ . ومع ذلك ، كما يشير رومان سيز ، “إنه أمر مخالف مع ما نراه  في أغلب الحركات المسلحة التي تتمتع عمومًا برأس مال ثقافي أعلى».
 
ينكر الباحثون أيضا الصورة النمطية التي  تظل راسخة في الأذهان  ، تلك  التي تقدم هؤلاء الجهاديين  باعتبارهم يعانون من أمراض نفسية شديدة ف8٪ فقط من المُمَثلين تم تشخيص اضطرابات نفسية لديهم  و 16% يعانون من ضعف نفسي متوسط أو قوي” ،كما ورد في هذا التقرير. ويقارن الباحثان   هذه الأرقام بالإرادة التي يبديها تنظيم الدولة الإسلامية لاستبعاد “مرشحين غير موثوقين” من صفوفه. و بشكل عام ، كان للجهاديين المسجونين في فرنسا مسارً مستقر إلى حدٍ ما على المستوى الشخصي” حيث يبدو أن 52% يعرفون بيئة أسرية مستقرة أو مستقرة جدًا.
 
تشير الدراسة أيضا  إلى أن معادلة “عدم الاستقرار العائلي بالإضافة إلى انفجار وحدة الأسرة يساوي الانخراط في الحركات الراديكالية” لا يبدو أنها صحيحة هنا ، فقد نشأ ربع العينة فقط في بيئة أسرية تعتبرها المؤسسات مُختلة. علاوة على ذلك ، “يتمتع 49% بحياة  عاطفية  مستقرة أو مستقرة إلى حد ما”. وفقًا للباحثين، “يعمل الاستقرار العاطفي كمشجع للنشاط المتطرف “ ، لأنه قبل كل شيء يتعلق بإنقاذ “حاشية المحيط الاسري العزيزة”. وتأييدًا لذلك ، تتشكل الهجرة إلى سوريا و الانضمام إلى داعش”56 % من المتزوجين مقابل 29٪ من العزاب و 15% من المنفصلين”. باختصار، كلما كان الأفراد أكثر استقرارًا في حياتهم العاطفية ، زاد اقتناعهم أيديولوجيًا و انخراطهم في تنظيمات متطرفة .
 
من المسلم به أن الغالبية العظمى من الأفراد المسجونين بتهمة الارهاب (72 %) لم يعرفوا السجن من قبل ، الأمر الذي “يقطع بشكل حاسم مع فكرة التطرف الذي يمكن أن يحدث أثناء الاحتجاز” ، كما يعلق رومان سيز. “ومع ذلك ، هذا لا يعني أنهم كانوا جميعًا نماذج للفضيلة قبل تطرفهم ف39٪ مع ذلك ارتكبوا أعمال انحراف ، و 28% تميزوا بإدمان متنوع . علاوة على ذلك ، “67% فقط  يمارسون  بإنتظام طقوسهم الدينية « . و على عكس بعض الأفكار السائدة ، لا يشعر الجهاديون بالضرورة بأنهم ضحية فرنسا “ إذ يقول 41% منهم  إنهم لم يشعروا أبدًا بالوصم بسبب دينهم أو أصولهم”. بالنسبة لـ 12% يعتبر هذا الشعور “ضعيفًا” و 21% “متوسطا”. وبصورة أكثر تحديدًا ، يقول رومان سيز ، “كلما كان المرء أكثر أصولية ، كلما أحس بهذا الشعور.
 
وأخيرًا ، إذا ما كانت “مسيرة  الانخراط  في التنظيمات الجهادية قصيرة مقارنة بالناشطين السياسيين الآخرين ، فمن الخطأ الاعتقاد “ بأنها عملية سريعة “، يتابع رومان سيز.
 
بالتأكيد ، كما تشير الدراسة ، “71% من  البحوث سلطت الضوء على أهمية التردد على الشبكات الاجتماعية أو  الاطلاع بشكل فردي على أدبيات الحركات الجهادية المنشورة على الإنترنت ،في استقطاب الجهاديين  “لكن التطرف هو أساسًا عملية تتطلب  وقتا طويلا «.