مهلة ترامب تلاحق طهران.. والصبر الأميركي على المحك
«هل تفاوض إيران بجدية أم تناور لكسب الوقت؟» سؤال يتصدر المشهد السياسي في الشرق الأوسط، ويزداد إلحاحًا مع اقتراب انتهاء المهلة غير المعلنة التي حددها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي لا تتجاوز الشهرين، للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، أو «الرد عسكريًا»، كما يلوح فريقه الأمني. بين ضبابية التصريحات الإيرانية، وصخب التهديدات الأميركية، تتأرجح مؤشرات الأزمة، فيما تحاول طهران، كما يبدو، لعب ورقة «الزمن السياسي»، مدفوعة ببراغماتية واقعية، ولكن أيضًا بمراهنة محفوفة بالمخاطر، خاصة في ظل التصعيد الميداني المستمر في اليمن، والتوترات مع إسرائيل.
صراع الإرادات
في تصريح يُعبر عن توازن معقد، قال نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده «مستعدة لكل الاحتمالات»، لكنها «ملتزمة بالحلول الدبلوماسية»، معتبرًا أن «المفاوضات المباشرة مع طرف يهدد باســـتمرار ليست مجدية». وبالرغم من رفض الحوار المباشــــــر، أبدى استعدادًا مشروطًا لـ»مفاوضات غير مباشرة» عبر وسطاء مثل ســــــلطنة عمان، وهو ما اعتبره كثيرون نافـــــذة محتملة.
من جهتها، تسربت مؤشرات عن قبول إدارة ترامب بفكرة التفاوض غير المباشر، إلا أن الشكوك الأميركية ظلت مرتفعة حيال ما إذا كانت إيران جادة فعلاً أم تمارس «مناورة استراتيجية مألوفة»، كما وصفها مراقبون أميركيون.
قدّم مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الإيرانية، مصدق بور، خلال حديثه لبرنامج «التاسعة» على «سكاي نيوز عربية»، قراءة مغايرة لمسار الأحداث.
حيث، نفى أن تكون إيران بصدد «شراء الوقت»، مؤكدًا أن «إيران لا تحتاج إلى كسب الوقت، فترامب لا يملك سوى أشهر محدودة من ولايته، ولا يمكن لإيران أن تناور لثلاث سنوات «، بحسب قوله.
ويضيف بور موضحًا: «إذا كان هناك عداوة وحقد شديدان بين طرفين، فلا يمكن أن تبدأ المفاوضات المباشرة.
لابد من وساطة، ومن جولات تمهيدية غير مباشرة لنزع فتيل التصعيد وبناء حد أدنى من الثقة.»
هذا الطرح ينسجم مع ما وصفه بور بأنه «واقع تفاوضي خفي»، ملمّحًا إلى أن «مفاوضات غير رسمية قد بدأت بالفعل عبر قنوات خلف الكواليس في سلطنة عمان».
بين الضربة والحرب
لكن ماذا لو نفدت المهلة الأميركية بالفعل؟ مصدق بور حذّر من وهم «الضربة الحاسمة»، مشيرًا إلى أن «أي هجوم أميركي على المنشآت النووية الإيرانية سيواجه صعوبات تقنية وعسكرية ضخمة».
فالمواقع النووية، بحـســــــــب قوله، مدفونة على عمـــــق يزيد عن 60 كلم تحت الأرض، وتتطلب عمليات عسكرية معقدة بمشاركة طائرات B-2 وغطاء جوي من F-18، وهي عمليات محفوفة بالمخاطر نظرًا لقوة الدفاعات الجوية الإيرانية.
وأكد بور أن «أي مواجهة ستكون حرب استنزاف للولايات المتحدة»، ملمحًا إلى أن التاريخ الأميركي مليء بالحروب التي بدأت كـ»حروب قصيرة محسومة»، ثم تحولت إلى مستنقعات، كما حدث في فيتنام، العراق، وأفغانستان.
ميدان مشتعل
وفي ظل الغموض الدبلوماسي، يبقى الميدان ناطقًا بلغة النار. فقد استمرت الضربات الأميركية ضد الحوثيين، الذراع الإيرانية الأبرز في اليمن، في وقت أعلنت فيه الجماعة استهداف قطع بحرية أميركية، بينها حاملة الطائرات «ترومان»، بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
رغم أن الحوثيين نفوا صحة فيديو بثه ترامب، وقالوا إنه «يعود لفعالية اجتماعية لا لاجتماع عسكري»، إلا أن تسارع العمليات العسكرية على الأرض يعكس، وفق مراقبين، تصعيدًا محسوبًا من طهران لإبقاء الضغط قائمًا على واشنطن، دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة.
وهنا يطرح التساؤل نفسه: هل تستخدم إيران الحوثيين كورقة ضغط؟ أم أنها مستعدة فعلاً للتخلي عنهم في صفقة كبرى إذا اقتضت الضرورة؟
مستقبل ضبابي
رغم التصريحات المتفائلة من الطرفين، يرى مصدق بور أن «أي اتفاق جديد، حتى لو تم، لن يغيّر كثيرًا من الوضع الاقتصادي الإيراني». والسبب بحسب تصريحات بور تعود الى أن «ترامب لن يستطيع رفع جميع العقوبات»، فهناك قيود من الكونغرس، وعقوبات أوروبية وأممية، تجعل هامش المناورة الأميركية محدودًا.
ويتابع بور: «حتى لو رفع ترامب بعض العقوبات، فإن إيران لن تجني مكاسب اقتصادية كبيرة. لكنها اليوم تبيع النفط وتراكم الموارد تحسبًا لمرحلة صعبة قادمة.»
بحسب قوله، بلغت صادرات إيران النفطية في الشهر الأخير قرابة 1.9 مليون برميل، رغم الحظر والتهديدات، وهو ما يفسره بأن «العالم لا يدور حول ترامب فقط»، وأن هناك من «ما زال يحتاج إلى النفط الإيراني».
بين مهلة ترامب المحدودة، والبرود الإيراني الظاهري، تبقى الحقيقة أن كلا الطرفين يلعب على حافة الهاوية، ويستثمر في عامل الزمن. لكن كما يرى محللون، فإن «اللعب بالوقت في السياسة لا يشبه اللعب بالزمن في الحرب»، وإذا أخطأ أحد الطرفين في التقدير، قد تتحول الأوراق إلى رماد.
.