موسكو 1980.. الدب ميشا يصفع المقاطعة الغربية بدمعة

موسكو 1980.. الدب ميشا يصفع المقاطعة الغربية بدمعة

وداعا موسكو وإلى اللقاء في الأولمبياد الـ23 "، تلك العبارة ارتسمت على اللوحة الالكترونية في استاد لينين الدولي في موسكو يوم الثالث من آب أغسطس عام 1980، معلنة إنتهاء دورة الألعاب الاولمبية الـ22 التي انطلقت في 19 تموز يوليو.
ذرف الدب الشهير ميشا "تميمة الألعاب" دمعة أبكت الجمهور وحركت عواطفهم وحيّرت المراقبين وجعلتهم يتساءلون "أدمعة حزن تلك التي ذرفها ميشا في وداع الشعلة الأولمبية، أم دمعة أسى على الرياضة التي أفسدتها السياسة، وهي ما دخلت شيئا إلا وأفسدته؟".
نادى الرئيس الأميركي جيمي كارتر بمقاطعة ألعاب موسكو احتجاجا على التدخل السوفياتي في أفغانستان، فاستجابت 61 دولة لدعوته، وللمصادفة فان الدورة الأولى في دولة اشتراكية شهدت مقاطعة من غالبية الدول الرأسمالية.

وفي غياب الولايات المتحدة واليابان وألمانيا الغربية والآخرين الدائرين في هذا الفلك، وحتى الصين، لم يتأثر المستوى الفني عمدا، لكن حربا ضروسا على انتزاع الميداليات دارت تحديدا بين الحليفين السياسيين والعملاقين اللدودين رياضيا الاتحاد السوفياتي وألمانيا الشرقية، واستطاع البلد المضيف الانتصار فحصد 80 ذهبية مقابل 47 لألمانيا الشرقية و8 لبلغاريا وكوبا وإيطاليا.
وشارك في الألعاب 5179 رياضيا بينهم 1115 لاعبة، وهي المشاركة الأدنى منذ دورة ملبورن 1956، تنافسوا في 203 مسابقات ضمن 21 رياضة هي: ألعاب القوى والتجذيف وكرة السلة والملاكمة والكانوي-كاياك والدراجات والفروسية والمبارزة وكرة القدم والجمباز ورفع الأثقال وكرة اليد والهوكي على العشب والجودو والمصارعة والسباحة والخماسي الحديث والكرة الطائرة والرماية والقوس والنشاب واليخوت.

وعرفت الهوكي على العشب للسيدات دخولا مضطربا على الاولمبياد، إذ تخلّفت خمس من الدول الست المتأهلة بسبب المقاطعة السياسية، فحضرت خمس أخرى حلّت خلفها في التصفيات وهي تشيكوسلوفاكيا والهند وبولندا والنمسا وزيمبابوي، التي تلقت الدعوة قبل خمسة أسابيع فقط من موعد الألعاب، فجهّز منتخبها على عجل وأحرز الميدالية الذهبية وسط ذهول الجميع ودهشتهم.

ولان قلوب غالبية الرياضيين كانت مع المشاركة فان لجانا أولمبية عدة تمايزت عن القرار السياسي لحكوماتها وأكدّت استقلاليتها، وحضرت إلى موسكو حتى وان سارت خلف العلم الاولمبي كما حصل مع بريطانيا. وجاء القرار الأسباني بالمشاركة بعد تصويت داخل اللجنة الوطنية فصوّت 17 عضوا معه ورفضه 14. وكان بالطبع موقفا محرجا لنائب رئيس اللجنة الدولية رئيس اللجنة الأسبانية انذاك خوان انطونيو سامارانش المرشح للرئاسة الدولية خلفا للورد كيلانين، الذي بذل المستحيل للحد من أضرار المقاطعة.

وعلى رغم غياب الولايات المتحدة، تمثّل الأميركيون بمايك بيري مدرّب منتخب السويد لكرة السلة، وألبير ميرسادو الذي خاض تحت ألوان بورتوريكو نزالات الملاكمة في وزن الذبابة، وبيل ريا الذي شارك تحت ألوان النمسا في الوثب الطويل.
وازاء المواقف التصاعدية، كان السؤال هل كان اختيار لاعب كرة السلة سيرغي بيلوف الذي خطف الفوز من الولايات المتحدة في نهائي دورة ميونيخ 1972، لإيقاد الشعلة من باب اغاظة الاميركيين؟.
أما قَسَم اللاعبين، فأدّاه رمز الجمباز نيكولاي أندريانوف الذي حصد ذهبيتين وفضيتين وبرونزية في الدورة مقابل ثماني ميداليات لمواطنه ألكسندر ديتياتن منها ثلاث ذهبيات.

ولم تؤثّر المقاطعة بشكل مباشر على المستوى الفني، إذ شهدت الدورة تحطيم 34 رقما عالميا و39 أوروبيا و62 اولمبيا.
ومن أبرز الملامح الميدانية، كانت تلك الظاهرة التي تمثلت بتخصّص بعض الدول في احتكار عدد من المسابقات، فألمانيا الشرقية احتكرت ذهبيات السباحة والتجذيف، والسوفيات ألقاب الجمباز ورفع الأثقال والرماية، والكوبيون بقيادة تيوفيلو ستيفنسون ذهبيات الملاكمة.
ولفت البريطانيون الأنظار في ألعاب القوى ولا سيما في ظل غياب الاميركيين فبرز الاسكتلندي ألن ويلز وأحرز سباق 100 م (25ر10 ث) متقدّما على الكوبي سيلفيو ليونارد.

ولعلّ من أجمل المنافسات صراع العدائين ستيف أوفيت وسيباستيان كو الذي مهّد لسلسلة إنجازاتهما على مدى نحو عقد من الزمن، وقد فاز أوفيت في سباق 800 م وحل كو ثانيا، وحصد الأخير ذهبية 1500 م وجاء أوفيت ثالثا.
وتميّز ديلي طومسون في المسابقة العشارية وجمع 8495 نقطة أهّلته لضمان المركز الأوّل، لقب حافظ عليه بعد أربع سنوات في لوس أنجليس جامعا 8797 نقطة، ومحطّما الرقم الأولمبي الذي حقّقه الأميركي بروس جينر (8618 نقطة) في دورة مونتريال 1976، لكن بأقل من نقطة واحدة من الرقم العالمي المسجل باسم الألماني يورغن هينغسن الذي إكتفى بالفضية "الاميركية".

وفاز الإيطالي بييترو مينيا في سباق 200 م، بعد نحو عام من تحطيمه الرقم القياسي العالمي في دورة الألعاب الجامعية في مكسيكو (19.72ث) حيث بات أول من يكسر حاجز 20 ثانية، واستعاد الإثيوبي ميروتس يفتر الارث الإثيوبي في جري المسافات الطويلة فحصد ثنائية 5 و10 ألاف م، وبات الألماني الشرقي فالديمار سيربنسكي أول من يحتفظ بلقب سباق الماراثون.
وفي الوثب الطويل، حقّق الألماني الشرقي لوتس دومبروفسكي ثاني أفضل رقم في التاريخ مقداره 8.54 م. وسقط العدّاء الكوبي الشهير ألبرتو خوانتوريتا في سباق 400 م وحلّ رابعا.

وفي السباحة، عاد البريق كله إلى السوفياتي فلاديمير سالنيكوف أوّل من كسر حاجز 15 دقيقة في سباق 1500 م (14:58.27 د). كما تميّزت الألمانيات الشرقيات برباره كراوزه وريكا راينيش وكورنيليا ايندر في سباقات 100 و200 م.
وكرّر البريطاني دونكان غودهوي إنجاز مواطنه ديفيد ويلكي بطل مونتريال، وفاز في سباق 200 م صدرا.
وفي رفع الأثقال، سقط أعظم رباع في العالم، السوفياتي فاسيلي ألكسييف عندما فشل في محاولاته الثلاث في رفعة الخطف، وتوارى عن الأنظار بعدما سجّل ما يزيد عن 80 رقما عالميا. أما البطل الجديد فكان مواطنه سلطان رحمانوف الذي حقق مجموعة مقدارها 440 كلغ.

في المقابل، كانت البطلة الرومانية ناديا كومانتشي (18 عاما) تحظى باهتمام الملايين وتسجّل احد أفضل إنجازاتها في مسابقة عارضة التوازن وتحرز العلامة الكاملة (10 من 10)، وتتبعه بإنجاز آخر على الأجهزة الثلاثة الأخرى الأرضي، المتوازيين مختلفي الارتفاع وحصان القفز. وكادت بفضل عروضها الساحرة أن تقود الفريق الروماني إلى المركز الأول لو لم تسقط في شكل دراماتيكي مفاجئ على جهاز المتوازيين لتحتل رومانيا المركز الثاني خلف الاتحاد السوفياتي.

وما يسجّل لكومانتشي أنها، على رغم نكستها، تفوّقت على نفسها لاحقا، وأحرزت ذهبية الحركات الأرضية.
وفي الكاياك، دشّنت الألمانية وكانت شرقية آنذاك بريجيت فيشر مسيرة حصدها الميداليات التي بلغت حتى عام 2000 سبع ذهبيات وفضيتين.
والمسابقات الجماعية لم تخل من المفاجآت، وكان أبرزها سقوط المنتخب السوفياتي أمام يوغوسلافيا في كرة السلة، وخروج السوفيات من ميدان الصراع على ذهبية كرة القدم واحتلالهم المركز الثالث واكتفاؤهم بميداليتها البرونزية، فيما نجحت تشيكوسلوفاكيا في الفوز بالذهب بتغلبها بهدف على ألمانيا الشرقية بطلة دورة مونتريال 1976.

في المقابل قطف السوفيات ذهبيات الكرة الطائرة للرجال والسيدات وكرة السلة للسيدات وكرة الماء.
وكان لبنان وعلى رغم محنة الحرب التي تقطع أوصاله، البلد العربي الوحيد الذي أدرج اسمه على لائحة الميداليات بعدما أحرز بطله حسن بشارة برونزية المصارعة اليونانية الرومانية في وزن ما فوق 100 كلغ.
وُفِّق بشارة في الفوز على بطل ايطاليا بتثبيت الكتفين، وعلى بطل رومانيا، وانتقل إلى نصف النهائي حيث واجه السوفياتي ألكسندر كولشنسكي بطل دورة مونتريال، انتهت بخسارته واحتلاله المركز الثالث، في حين تابع السوفياتي مسيرته وتفوق في النهائي على البلغاري ألكسندر توموف واحتفظ باللقب.

وفي كرة القدم، انتقلت منتخبات عربية هي الجزائر والعراق والكويت للمرة الأولى إلى دور الثمانية.
وإداريا حصل العرب على تأييد خمسة اتحادات دولية هي كرة السلة والكرة الطائرة وكرة اليد والمصارعة ورفع الأثقال لقبول فلسطين عضوا دائما في عائلتها، وعملا بالقانون الاولمبي الذي ينص على قبول العضوية في الحركة الأولمبية كل دولة يكون معترفا بها من قبل خمسة اتحادات دولية رسمية، باتت الطريق ممهدة أمام الرياضيين الفلسطينيين للمشاركة في الألعاب المقبلة في لوس انجليس.

ومثلما استحقت النتائج اللافتة والأرقام القياسية الأضواء، لم تمح الذاكرة الرياضية فوز البولندي فلاديسلاو كوزاكييفيتش في القفز بالزانة وتحول صورته وهو يرفع يده بحركة تعبر عن التحدي والقوة رمزا لـ"مقاومة" من نوع مختلف في أنحاء العالم.

وصفت الحركة بيده بالمزعجة للسوفيات، وهو قام بها يوم الأربعاء 30 تموز/يوليو 1980 في اختتام مسابقة استمرت نحو ست ساعات، وتابعها بلهفة 50 ألف متفرج صفروا استهجانا لفوزه مسجلا 5.78 م، محطّما بفارق سنتيمتر واحد الرقم القياسي العالمي الذي حققه الفرنسي فيليب هوفيون.
فاز كوزاكييفيتش على رغم انف السوفيات وتفوّق على بطلهم قسطنطين فولكوف الذي حل ثالثا (5.65 م) بفارق المحاولات خلف البولندي الأخر تاديوش شلوسارسكي، لكنه توّج وسط مدرجات شبه خالية ومصابيح مطفأة.

ويكشف "البطل المقاوم" انه بداية لم يع ردّ الفعل القوي الذي سيلي حركته والتي اعتبرها عفوية، "فسفير بولندا في موسكو طلب من بعثتنا إقصائي وسحب ميداليتي ومعاقبتي لكن الشعب البولندي ساندني، ولم يجرؤ المسؤولون على معاقبة فائز في عز اضرابات ورش بناء السفن في حوض غدانسك، وصعود نجم حركة التضامن وزعيمها ليش فاليسا".
ويضيف كوزاكيفييتش "كانت عيون المخابرات السوفياتية على الرياضيين البولنديين في كل مكان، وأحيانا كنا نمنع من تبادل وجهات النظر والالتقاء في غرف القرية الاولمبية". وخلال المسابقة بذل المستطاع لفوز أبطالهم وخلافا للقانون جلس المشاركون بصحبة مدربهم.

غير أن التداعيات السلبية كما حصل في استاد لينين لاحقت كوزاكييفيتش طويلا، إذ ضيق عليه ومنع من مشاركات خارجية عدة واحتجز جواز سفره.
و"على سيرة" الأحداث اللافتة، يذكر أن مسابقات المبارزة لم تنته بسلام، فخلال نصف نهائي سلاح الشيش للفرق، أصيب بطل العالم السوفياتي فلاديمير لابيتسكي بسلاح منافسه البولندي الذي اخترق السترة الواقية، وكان لابيتسكي محظوظا لأنه لم يصب في قلبه.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot