نموذج ترامب الجديد في أوكرانيا.. شراكة تُرضي الجميع

نموذج ترامب الجديد في أوكرانيا.. شراكة تُرضي الجميع


منذ الغـــــــزو الروســــــــــي واسع النطــــــاق لأوكرانيــــــا، شـــــــكّل الدعـــــــــم الغربي، وخاصـــــــــة الأمريكـي، ركيزة أساسية في صمـــــود كييف، فقد تبنّت إدارة الرئيس الســــــابق جو بايدن نهجاً مباشــــــــراً في تقديـــــم المساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيــــــــا، وفــــــــق ما وصفــه الكاتب ماكسيم سـكريبشـــينكو، رئيس مركز الحوار عبر الأطلسي، بـ»نمــــــوذج المانـــــــح المباشر».
لكن مع تغيّر الإدارة الأمريكية وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يقول الكاتب في مقاله بموقع «ذا هيل»، التابع للكونغرس الأمريكي:
 إن ثمة تحوّل استراتيجي في طريقــــــة تقديم الدعم، يستند إلى مبادئ أكثر براغماتية وتوازناً في تقاسم التكاليف والمكاسب.
من الإيثار إلى 
المصلحة المشتركة
وأضاف سكريبشينكو أن إدارة بايدن كانت ترسل المعدات العسكرية مباشرة من مخازنها إلى كييف، مثل أنظمة الدفاع الجوي وقذائف المدفعية والعربات المدرعة، وهو ما مكّن أوكرانيا من الصمود في وجه الهجوم الروسي. لكن مع قدوم ترامب، بدأ النموذج يشهد تحولاً تدريجياً. 
وتابع الكاتب: «لم تعد واشنطن تمنح السلاح بشكل مباشر، بل بات الحلفاء الأوروبيون هم من يشترونه من الولايات المتحدة لصالح أوكرانيا، وعلى نفقتهم». 
وأوضح الكاتب أن هذا التغيير لا يمثل تراجعاً كارثياً، بل تطوراً عملياً في تقاسم الأعباء ينسجم مع شعار «أمريكا أولاً».
ورأى سكريبشينكو أن هذا التحول يعكس نهاية لنموذج «المانح والمتلقي»، الذي ساد العلاقات الغربية منذ الحرب العالمية الثانية، معززاً نهجاً أكثر واقعية.  وأضاف: «هذا النموذج لا يُقلّص فقط من كلفة الدعم على الولايات المتحدة، بل يفرض على الحلفاء إثبات التزامهم الجاد بالأمن المشترك عبر المساهمة الفعلية فيه».

استقلالية دفاعية
 أوروبية في الأفق
ولفت الكاتب النظر إلى أن النموذج الجديد يسرّع من وتيرة التحرك الأوروبي نحو الاستقلال الاستراتيجي في المجال الدفاعي. وقال: «صحيح أن الدول الأوروبية تشتري الآن أسلحة أمريكية، لكن هذا قد يؤدي على المدى البعيد إلى بناء قاعدة صناعية عسكرية أوروبية أقوى وأكثر تكاملاً».
وأفاد الكاتب بأن الاتحاد الأوروبي بدأ بالفعل في رفع إنفاقه العسكري، والتحضير لمرحلة لا يُضمَن فيها الدعم الأمريكي بنفس القدر. وأضاف: «إتاحة شراء الأسلحة بدل منحها يُجبر الأوروبيين على تطوير آليات شراء مستقلة، وتوسيع صناعاتهم الدفاعية».
 رغم تغيّر آلية التمويل، أكد سكريبشينكو أن الدفاع الجوي يبقى أولوية قصوى لأوكرانيا، خاصة مع تصاعد الهجمات الروسية بواسطة الصواريخ والطائرات المسيّرة. وأوضح أن منظومة «باتريوت» الأمريكية تظــــــل واحدة من القلائل القادرة على التصدي للصواريخ الباليستية، مشدداً على أن أوروبا لا تمتلك حتى الآن بديلاً فعالاً لها.

أوروبا تتحمّل
 المسؤولية المالية
وأشار الكاتب إلى أن أوروبا أظهرت استعداداً غير مسبوق لتحمّل العبء المالي، حيث قدم الاتحاد الأوروبي مساعدات بقيمة 165 مليار يورو، إلى جانب خطة دفاعية بقيمة 800 مليار يورو.  وأضاف: «تدرس أوروبا كذلك استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل احتياجات أوكرانيا، في خطوة تعكس تحوّلاً في معادلة المسؤولية». وقال سكريبشينكو إن أحد أهداف هذا النموذج هو تحفيز الصناعة الدفاعية الأمريكية. وأوضح: «بدل الاعتماد على التمويل الحكومي لتعويض المخزونات، فإن الطلبات الأوروبية المتزايدة تدفع شركات السلاح الأمريكية لتوسيع قدراتها الإنتاجية».
وأضاف أن التصميمات الدفاعية الجديدة تراعي منذ البداية قابلية التصدير، ما يجعل الأسلحة الأمريكية أكثر جاذبية وأقل كلفة على الجميع.
وأشار الكاتب إلى أن الرئيس ترامب أظهر في الآونة الأخيرة تحولاً في موقفه من روسيا.
 وقال: «بعدما وُصف سابقاً بأنه متساهل مع بوتين، عاد ترامب ليصرّح بأن موسكو، وليست كييف، هي العقبة أمام التوصل إلى سلام، ملوّحاً بفرض رسوم وعقوبات ما لم يتحقق اتفاق في غضون 50 يوماً». واعتبر سكريبشينكو أن هذا التحوّل في الخطاب السياسي يبدد سردية خصوم ترامب حول رغبته في انهيار أوكرانيا، ويُبرز بدلاً من ذلك سعيه لتحقيق نهاية للحرب تتماشى مع أولويات إدارته الجديدة. خلص ماكسيم سكريبشينكو إلى أن نموذج ترامب الجديد في دعم أوكرانيا، رغم طابعه التجاري، يحقق مكاسب متوازنة لكل الأطراف. فأوكرانيا تحصل على دعم عسكري مستمر، وأوروبا تعزز استقلالها الدفاعي، بينما تنتعش الصناعة العسكرية الأمريكية ويتم تخفيف العبء المالي عنها. واختتم الكاتب مقاله بالقول: «ما يحدث ليس انسحاباً أمريكياً من دعم أوكرانيا، بل إعادة صياغة واقعية للعلاقة، تجعلها أكثر استدامة وشفافية في زمن التحوّلات الجيوسياسية الكبرى».