الموقف الفرنسي يطرح أسئلة:
نهاية عملية برخان في مالي، أسطورة أم حقيقة...؟
- هل انتهاء عملية برخان يعني نهاية الوجود العسكري الفرنسي في مالي؟
- انتهت عملية برخان، لترثها العملية الأوروبية تاكوبا وهي نوع من استمرار برخان بطرق أخرى
- تسعى فرنسا إلى أن يصبح الأمن في منطقة الساحل مصدر قلق أوروبا بأسرها والمجتمع الدولي بالتبعية
- تجد البرامج التدريبية لجنود دول الساحل صعوبة في أن تترجم إلى نجاح عسكري
في 24 مايو 2021، تعرضت مالي لانقلاب، هو الثاني في غضون تسعة أشهر، بقيادة الفاعلين نفسهم الذين نفذوا الانقلاب السابق في 18 أغسطس 2020.
أدان المجتمع الدولي هذا الانقلاب بالإجماع، بدءً من فرنسا: انحاز إيمانويل ماكرون على الفور إلى مواقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) من حيث العقوبات والموقف الذي يجب تبنيه تجاه المجلس العسكري بقيادة العقيد عاصمي غوتا.
غير ان القمة التي أعقبت ذلك، في 30 مايو 2021، كانت مفاجئة نسبيا لأنها (بطريقة ما) أيدت الانقلاب، الذي كرّس لاحقًا عاصمي غوتا رئيسا للمرحلة الانتقالية –هو الذي لم تكن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، تريد أن تراه جالسا على كرسي الرئاسة. واقتصرت الإجراءات المتخذة على استبعاد مالي من الهيئات الإقليمية الفرعية.
يمكن تفسير موقف الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من خلال حقيقة أنها لا ترغب في تأخير العملية الانتقالية. ويبدو أن الهدف كان العودة السريعة إلى النظام الدستوري عبر إجراء انتخابات رئاسية في المواعيد المعلنة سابقا: فبراير ومارس 2022.
ومن الواضح أن موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لم يناسب الرئيس الفرنسي. وقد اتخذ هذا الأخير على الفور مبادرة أحادية الجانب لوقف العمليات العسكرية المشتركة بين القوات الفرنسية المشاركة في عملية برخان والقوات المسلحة المالية، قبل تهديد السلطات الجديدة بالانسحاب النهائي لقواته في حالة استسلام مالي لإغراء الإسلام الراديكالي. ويرى إيمانويل ماكرون انقلاب 24 مايو، الذي أطاح بالرئيس باه نداو، على النحو التالي:
«إلى الرئيس المالي باه نداو، الذي كان صارمًا للغاية بشأن العزل بين السلطة والإرهابيين، قلت: “الإسلام المتطرف في مالي مع جنودنا هناك؟ أبدا!»، وهذا الإغراء قائم في مالي اليوم... لكن إذا سارت في هذا الاتجاه، فسأنسحب. «
ويبدو أن الرئيس الفرنسي، يشير هنا إلى الحوار الذي بدأ بين الحكومة التي يقودها المجلس العسكري، والحركات الإرهابية المحلية.
حوار أم لا مع الإرهابيين؟
في الواقع، أجرى العقيد إسماعيل واجوي، وزير المصالحة الوطنية وعضو المجلس العسكري، مؤخرًا محادثات مع كتيبة مآسينا، وهي جماعة إرهابية تابعة لمجموعة دعم الإسلام والمسلمين، التي يقودها إياد أغ غالي. وتطالب هذه الجماعة، التي حاصرت قرية فارابوغو، وسط مالي، لأكثر من خمسة أشهر (من نوفمبر 2020 إلى مارس 2021) بتطبيق صارم للشريعة الإسلامية، فضلاً عن الانسحاب التام للجيش من المنطقة.
في نفس الوقت، امتد الحصار الإرهابي إلى قرى أخرى تقع أيضًا وسط البلاد -على سبيل المثال دينانغورو، كواكورو، توغوري كومب، توغ موراري، موندورو، إلخ. - التي عاشت، في وقت أو آخر، في ظل الحظر الجهادي دون أن تأتي القوات المسلحة (المالية والفرنسية) لمساعدة السكان، وكان آخرها دينانغورو، التي تم رفع حصارها منذ أربعة أشهر فقط بعد حوار بين المتطرفين والسلطات العرفية المحلية. ولم يتمكن سكان هذه القرية، وكذلك سكان فارابوغو، من الاعتماد على برخان أو الجيش المالي، الذين اكتفوا ببساطة بإسقاط الطعام عليهم. وقتل كل من حاول من الأهالي تحدي حصار الإرهابيين ليلتحق بمزارعه. والاتفاق الذي أبرمه إسماعيل واجوي مع المتطرفين -من خلال وسيط المجلس الإسلامي الأعلى -أثبت في النهاية أنه الحل الوحيد الذي يسمح لهم بالتمتع بسلام نسبي، ولكن خصوصا، أن يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم.
لقد تعرضت عدة بلدات مالية لحصار من قبل الجماعات الإرهابية نفسها مع ما نعرفه من عواقب على السكان. إلا أن القوة العسكرية لم تحرر أحداً من نير هذه الجماعات المتطرفة. لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يجب أن نحظر الحوار الأيديولوجي، حتى لو ظل، في بعض الأماكن، هو السبيل الوحيد للتخفيف من عذاب السكان المدنيين؟
الخلافات الفرنسية المالية
في الوقت نفسه ، تحت سماوات أخرى، وخاصة في أفغانستان، يمكن أن نرى بوضوح تام حدود الخيار العسكري الصرف. وبعيدًا عن وضع الحالتين الأفغانية والمالية على المستوى نفسه ، يمكننا على الأقل رسم وجهين متوازيين: 1. فشل الخيار العسكري المطلق. 2. الانطباع بوجود صعود صاروخي زائف لجيشي البلدين المتأثرين بالفساد.
عندما يكون النقاش هي البوابة الوحيدة (أو واحدة من البوابات الوحيدة)، فلماذا نحرم أنفسنا منها؟ ويحاول العديد من الماليين فهم سبب معارضة فرنسا لانخراط السلطات المالية في الحوار.
الموقف الفرنسي غير مفهوم بشكل كبير، حيث إن التحدث إلى جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المتطرفين، هو توصية ناتجة عن الحوار الوطني الشامل، الذي جمع جميع القوى المالية (الجهات الفاعلة الدينية والسياسية والمجتمع المدني) في ديسمبر 2019.
لذلك يبدو أن الفرنسيين يتعارضون مع إرادة الماليين، الذين يظلون أول المعنيين بقضايا الأمن في بلدهم. ويتضح من مناقشاتنا مع العديد من ممثليهم، أن سكان المناطق الداخلية في مالي، الذين يتعرضون لضغوط الجهاديين، يؤيدون الحوار إلى حد كبير. وما نلاحظه أيضًا هو أن المعارضين المتحمسين للحوار مع المتطرفين، هم عمومًا أولئك الذين يرصدون الظاهرة من بعيد (من باماكو أو باريس)، وبالتالي لا يتأثرون بشكل مباشر.
استئناف العمليات المشتركة وإعادة توجيه الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل
بعد أن حصول فرنسا على “تعهدات من السلطات الانتقالية المالية التي أقرتها الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا”، استؤنفت العمليات المشتركة -برخان والقوات المسلحة المالية -في 2 يوليو 2021. ومع ذلك، أعلن إيمانويل ماكرون في اواخر يونيو، نهاية عملية برخان، قبل أن يوضح وجهة نظره في القمة الافتراضية لمجموعة دول الساحل الخمس في 9 يوليو 2021.
ثم تم الإعلان عن التقليص التدريجي لحجم برخان بالإضافة إلى إغلاق ثلاث من القواعد الفرنسية الخمس (تلك الموجودة في كيدال وتيساليت وتمبكتو) بحلول عام 2022. وسيتبع ذلك مخاوف، أثارها على الفور بعض سكان الساحل الذين يخشون ما بعد الأزمة.
في مالي، رأى البعض في تصريحات إيمانويل ماكرون انسحابًا صريحًا للجيش الفرنسي، وهو ما شكل فرصة للبلاد للانفتاح على تعاون عسكري جديد، خاصة مع روسيا. من ناحية أخرى، رأى آخرون الأمر على أنه تحويل وجهة من جانب الرئيس الفرنسي.
هل انتهاء عملية برخان يعني نهاية الوجود العسكري الفرنسي في مالي؟ الحقيقة هي أن إعلان إيمانويل ماكرون بعيد كل البعد عن الانسحاب التام للقوات الفرنسية، انه تطور نحو إنشاء قوة أوروبية، وفي هذه الحالة فرقة العمل الأوروبية تاكوبا، المشكّلة من 600 شخص نصفهم فرنسي، وكذلك الاستونيون والتشيك والسويديون والإيطاليون. لذلك ستظل فرنسا عمودها الفقري.
فريق العمل الأوروبي تاكوبا: نهاية المقاربة الأحادية، وتطور نحو مقاربة متعددة الأطراف
ان قوة تاكوبا، هي تحالف من القوات الخاصة الأوروبية التي تم تشكيلها في يوليو 2020. ومن المتوقع أن تقوم وحدات أوروبية جديدة بتوسيع هذه الالية القائمة.
عدد القوة الفرنسية في المنطقة، سينخفض بمرور الوقت إلى 2500-3000، من 5100 اليوم، وستتمحور حول فرقة العمل الأوروبية تاكوبا. وسيعهد لهذه الاخيرة بمهمتين رئيسيتين: “انهاء القيادة العليا للمنظمتين المعادتين وفك تنظيمهما”، و “دعم تطور جيوش المنطقة ومزيد الارتقاء بقدراتها».
إعادة التوجيه هذه محيرة إلى حد ما. إلى جانب الوجود الرمزي، يمكن التساؤل عما إذا كان الأوروبيون سيأتون “ليلقوا بأنفسهم” في مستنقع الساحل إلى جانب فرنسا. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن تطور قوة الجيوش الوطنية في الساحل هدف بعيد المنال بما انه يبدو من الصعب تحقيق هذه المهمة. وتجد البرامج التدريبية لجنود دول الساحل صعوبة في ان تترجم إلى نجاح عسكري. بالإضافة إلى ذلك، فإن نظام إدارة الموارد البشرية يجعل من المستحيل معرفة بالضبط ما مصير الجنود المدربين.
يذكر أن مجموعة الساحل الخمس، بدأت في الأصل بهدف تعويض برخان. وبالتالي فإن تطور هذه الأخيرة باتجاه تاكوبا، هو اعتراف ضمني بفشل مجموعة الساحل الخمس... مما يعني أن الوجود العسكري الفرنسي ليس على وشك الانتهاء، على الأقل في المدى القصير.
مع عملية برخان، بدا الأمن في منطقة الساحل، في كثير من الأحيان، على أنه العمل الوحيد لفرنسا التي كانت، منذ البداية، على خط المواجهة. ويمكننا أن نرى في احداث تاكوبا استراتيجية لفرنسا حتى لا تتحمل بمفردها جهودا متعددة، ولكن أيضًا، الانتقادات السلبية المتكررة ضد وجودها في منطقة الساحل. وبذلك يصبح الأمن في منطقة الساحل مصدر قلق أوروبا بأسرها والمجتمع الدولي بالتبعية.
في الختام، يمكن القول بوضوح، إن نهاية عملية برخان لا تعني نهاية الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل. بل على العكس من ذلك، ستواصل فرنسا الحفاظ على وجود عسكري كبير في المنطقة. لذلك فهي ببساطة مسألة إعادة صياغة، والهدف الرئيسي منها هو تشريك دول أوروبية أخرى. ومثلما ادت نهاية سرفال إلى تعزيز الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، مع بداية برخان، فإن نهاية هذه الأخيرة، تعني بداية شيء جديد... برخان لا تنتهي، إنها تتأورب.
--------------------------
* باحث مشارك في مختبر أفريقيا في العالم، معهد الدراسات السياسية في بوردو، وهو أيضًا محاضر في جامعة سيغو، مالي.
** أستاذ وباحث، ومنسق الماجستير في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة سيغو، مالي.
- انتهت عملية برخان، لترثها العملية الأوروبية تاكوبا وهي نوع من استمرار برخان بطرق أخرى
- تسعى فرنسا إلى أن يصبح الأمن في منطقة الساحل مصدر قلق أوروبا بأسرها والمجتمع الدولي بالتبعية
- تجد البرامج التدريبية لجنود دول الساحل صعوبة في أن تترجم إلى نجاح عسكري
في 24 مايو 2021، تعرضت مالي لانقلاب، هو الثاني في غضون تسعة أشهر، بقيادة الفاعلين نفسهم الذين نفذوا الانقلاب السابق في 18 أغسطس 2020.
أدان المجتمع الدولي هذا الانقلاب بالإجماع، بدءً من فرنسا: انحاز إيمانويل ماكرون على الفور إلى مواقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) من حيث العقوبات والموقف الذي يجب تبنيه تجاه المجلس العسكري بقيادة العقيد عاصمي غوتا.
غير ان القمة التي أعقبت ذلك، في 30 مايو 2021، كانت مفاجئة نسبيا لأنها (بطريقة ما) أيدت الانقلاب، الذي كرّس لاحقًا عاصمي غوتا رئيسا للمرحلة الانتقالية –هو الذي لم تكن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، تريد أن تراه جالسا على كرسي الرئاسة. واقتصرت الإجراءات المتخذة على استبعاد مالي من الهيئات الإقليمية الفرعية.
يمكن تفسير موقف الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من خلال حقيقة أنها لا ترغب في تأخير العملية الانتقالية. ويبدو أن الهدف كان العودة السريعة إلى النظام الدستوري عبر إجراء انتخابات رئاسية في المواعيد المعلنة سابقا: فبراير ومارس 2022.
ومن الواضح أن موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لم يناسب الرئيس الفرنسي. وقد اتخذ هذا الأخير على الفور مبادرة أحادية الجانب لوقف العمليات العسكرية المشتركة بين القوات الفرنسية المشاركة في عملية برخان والقوات المسلحة المالية، قبل تهديد السلطات الجديدة بالانسحاب النهائي لقواته في حالة استسلام مالي لإغراء الإسلام الراديكالي. ويرى إيمانويل ماكرون انقلاب 24 مايو، الذي أطاح بالرئيس باه نداو، على النحو التالي:
«إلى الرئيس المالي باه نداو، الذي كان صارمًا للغاية بشأن العزل بين السلطة والإرهابيين، قلت: “الإسلام المتطرف في مالي مع جنودنا هناك؟ أبدا!»، وهذا الإغراء قائم في مالي اليوم... لكن إذا سارت في هذا الاتجاه، فسأنسحب. «
ويبدو أن الرئيس الفرنسي، يشير هنا إلى الحوار الذي بدأ بين الحكومة التي يقودها المجلس العسكري، والحركات الإرهابية المحلية.
حوار أم لا مع الإرهابيين؟
في الواقع، أجرى العقيد إسماعيل واجوي، وزير المصالحة الوطنية وعضو المجلس العسكري، مؤخرًا محادثات مع كتيبة مآسينا، وهي جماعة إرهابية تابعة لمجموعة دعم الإسلام والمسلمين، التي يقودها إياد أغ غالي. وتطالب هذه الجماعة، التي حاصرت قرية فارابوغو، وسط مالي، لأكثر من خمسة أشهر (من نوفمبر 2020 إلى مارس 2021) بتطبيق صارم للشريعة الإسلامية، فضلاً عن الانسحاب التام للجيش من المنطقة.
في نفس الوقت، امتد الحصار الإرهابي إلى قرى أخرى تقع أيضًا وسط البلاد -على سبيل المثال دينانغورو، كواكورو، توغوري كومب، توغ موراري، موندورو، إلخ. - التي عاشت، في وقت أو آخر، في ظل الحظر الجهادي دون أن تأتي القوات المسلحة (المالية والفرنسية) لمساعدة السكان، وكان آخرها دينانغورو، التي تم رفع حصارها منذ أربعة أشهر فقط بعد حوار بين المتطرفين والسلطات العرفية المحلية. ولم يتمكن سكان هذه القرية، وكذلك سكان فارابوغو، من الاعتماد على برخان أو الجيش المالي، الذين اكتفوا ببساطة بإسقاط الطعام عليهم. وقتل كل من حاول من الأهالي تحدي حصار الإرهابيين ليلتحق بمزارعه. والاتفاق الذي أبرمه إسماعيل واجوي مع المتطرفين -من خلال وسيط المجلس الإسلامي الأعلى -أثبت في النهاية أنه الحل الوحيد الذي يسمح لهم بالتمتع بسلام نسبي، ولكن خصوصا، أن يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم.
لقد تعرضت عدة بلدات مالية لحصار من قبل الجماعات الإرهابية نفسها مع ما نعرفه من عواقب على السكان. إلا أن القوة العسكرية لم تحرر أحداً من نير هذه الجماعات المتطرفة. لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يجب أن نحظر الحوار الأيديولوجي، حتى لو ظل، في بعض الأماكن، هو السبيل الوحيد للتخفيف من عذاب السكان المدنيين؟
الخلافات الفرنسية المالية
في الوقت نفسه ، تحت سماوات أخرى، وخاصة في أفغانستان، يمكن أن نرى بوضوح تام حدود الخيار العسكري الصرف. وبعيدًا عن وضع الحالتين الأفغانية والمالية على المستوى نفسه ، يمكننا على الأقل رسم وجهين متوازيين: 1. فشل الخيار العسكري المطلق. 2. الانطباع بوجود صعود صاروخي زائف لجيشي البلدين المتأثرين بالفساد.
عندما يكون النقاش هي البوابة الوحيدة (أو واحدة من البوابات الوحيدة)، فلماذا نحرم أنفسنا منها؟ ويحاول العديد من الماليين فهم سبب معارضة فرنسا لانخراط السلطات المالية في الحوار.
الموقف الفرنسي غير مفهوم بشكل كبير، حيث إن التحدث إلى جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المتطرفين، هو توصية ناتجة عن الحوار الوطني الشامل، الذي جمع جميع القوى المالية (الجهات الفاعلة الدينية والسياسية والمجتمع المدني) في ديسمبر 2019.
لذلك يبدو أن الفرنسيين يتعارضون مع إرادة الماليين، الذين يظلون أول المعنيين بقضايا الأمن في بلدهم. ويتضح من مناقشاتنا مع العديد من ممثليهم، أن سكان المناطق الداخلية في مالي، الذين يتعرضون لضغوط الجهاديين، يؤيدون الحوار إلى حد كبير. وما نلاحظه أيضًا هو أن المعارضين المتحمسين للحوار مع المتطرفين، هم عمومًا أولئك الذين يرصدون الظاهرة من بعيد (من باماكو أو باريس)، وبالتالي لا يتأثرون بشكل مباشر.
استئناف العمليات المشتركة وإعادة توجيه الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل
بعد أن حصول فرنسا على “تعهدات من السلطات الانتقالية المالية التي أقرتها الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا”، استؤنفت العمليات المشتركة -برخان والقوات المسلحة المالية -في 2 يوليو 2021. ومع ذلك، أعلن إيمانويل ماكرون في اواخر يونيو، نهاية عملية برخان، قبل أن يوضح وجهة نظره في القمة الافتراضية لمجموعة دول الساحل الخمس في 9 يوليو 2021.
ثم تم الإعلان عن التقليص التدريجي لحجم برخان بالإضافة إلى إغلاق ثلاث من القواعد الفرنسية الخمس (تلك الموجودة في كيدال وتيساليت وتمبكتو) بحلول عام 2022. وسيتبع ذلك مخاوف، أثارها على الفور بعض سكان الساحل الذين يخشون ما بعد الأزمة.
في مالي، رأى البعض في تصريحات إيمانويل ماكرون انسحابًا صريحًا للجيش الفرنسي، وهو ما شكل فرصة للبلاد للانفتاح على تعاون عسكري جديد، خاصة مع روسيا. من ناحية أخرى، رأى آخرون الأمر على أنه تحويل وجهة من جانب الرئيس الفرنسي.
هل انتهاء عملية برخان يعني نهاية الوجود العسكري الفرنسي في مالي؟ الحقيقة هي أن إعلان إيمانويل ماكرون بعيد كل البعد عن الانسحاب التام للقوات الفرنسية، انه تطور نحو إنشاء قوة أوروبية، وفي هذه الحالة فرقة العمل الأوروبية تاكوبا، المشكّلة من 600 شخص نصفهم فرنسي، وكذلك الاستونيون والتشيك والسويديون والإيطاليون. لذلك ستظل فرنسا عمودها الفقري.
فريق العمل الأوروبي تاكوبا: نهاية المقاربة الأحادية، وتطور نحو مقاربة متعددة الأطراف
ان قوة تاكوبا، هي تحالف من القوات الخاصة الأوروبية التي تم تشكيلها في يوليو 2020. ومن المتوقع أن تقوم وحدات أوروبية جديدة بتوسيع هذه الالية القائمة.
عدد القوة الفرنسية في المنطقة، سينخفض بمرور الوقت إلى 2500-3000، من 5100 اليوم، وستتمحور حول فرقة العمل الأوروبية تاكوبا. وسيعهد لهذه الاخيرة بمهمتين رئيسيتين: “انهاء القيادة العليا للمنظمتين المعادتين وفك تنظيمهما”، و “دعم تطور جيوش المنطقة ومزيد الارتقاء بقدراتها».
إعادة التوجيه هذه محيرة إلى حد ما. إلى جانب الوجود الرمزي، يمكن التساؤل عما إذا كان الأوروبيون سيأتون “ليلقوا بأنفسهم” في مستنقع الساحل إلى جانب فرنسا. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن تطور قوة الجيوش الوطنية في الساحل هدف بعيد المنال بما انه يبدو من الصعب تحقيق هذه المهمة. وتجد البرامج التدريبية لجنود دول الساحل صعوبة في ان تترجم إلى نجاح عسكري. بالإضافة إلى ذلك، فإن نظام إدارة الموارد البشرية يجعل من المستحيل معرفة بالضبط ما مصير الجنود المدربين.
يذكر أن مجموعة الساحل الخمس، بدأت في الأصل بهدف تعويض برخان. وبالتالي فإن تطور هذه الأخيرة باتجاه تاكوبا، هو اعتراف ضمني بفشل مجموعة الساحل الخمس... مما يعني أن الوجود العسكري الفرنسي ليس على وشك الانتهاء، على الأقل في المدى القصير.
مع عملية برخان، بدا الأمن في منطقة الساحل، في كثير من الأحيان، على أنه العمل الوحيد لفرنسا التي كانت، منذ البداية، على خط المواجهة. ويمكننا أن نرى في احداث تاكوبا استراتيجية لفرنسا حتى لا تتحمل بمفردها جهودا متعددة، ولكن أيضًا، الانتقادات السلبية المتكررة ضد وجودها في منطقة الساحل. وبذلك يصبح الأمن في منطقة الساحل مصدر قلق أوروبا بأسرها والمجتمع الدولي بالتبعية.
في الختام، يمكن القول بوضوح، إن نهاية عملية برخان لا تعني نهاية الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل. بل على العكس من ذلك، ستواصل فرنسا الحفاظ على وجود عسكري كبير في المنطقة. لذلك فهي ببساطة مسألة إعادة صياغة، والهدف الرئيسي منها هو تشريك دول أوروبية أخرى. ومثلما ادت نهاية سرفال إلى تعزيز الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، مع بداية برخان، فإن نهاية هذه الأخيرة، تعني بداية شيء جديد... برخان لا تنتهي، إنها تتأورب.
--------------------------
* باحث مشارك في مختبر أفريقيا في العالم، معهد الدراسات السياسية في بوردو، وهو أيضًا محاضر في جامعة سيغو، مالي.
** أستاذ وباحث، ومنسق الماجستير في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة سيغو، مالي.