اللجوء إلى كبار الموظفين أو الاقتصاديين ليس جديدا:

هابيموس دراغي، أو تحولات السياسة الإيطالية...!

هابيموس دراغي، أو تحولات السياسة الإيطالية...!

-- تكمن المسؤولية عن هذا الوضع في رداءة العرض السياسي الذي يتكيف مع الطلب
-- تسبب الشعبويون والسياديون خلال هذه السنوات الثلاث في ضرر كبير
-- منذ نهاية الهيمنة المسيحية الديمقراطية، لم ينجح النظام السياسي الإيطالي في إقامة توازن جديد
-- البلاد بحاجة إلى حكومة تستمر أكثر من عام لمعالجة التدهور الذي حدث في العقود الماضية


   المجلس التشريعي الثامن عشر، الذي بدأ في إيطاليا بداية سيئة -برلمان منقسم إلى ثلاثة أحزاب معادية لبعضها البعض -شهد ولادة وموت حكومتين بلونين متعارضين، وشهد في الأيام الأخيرة تكوين حكومة، تقوم على حقنة كبيرة من موظفي الدولة، وسلام شجعان محتمل بين أحزاب سياسية كانت في حالة حرب طيلة ثلاث سنوات.

تستحق العديد من جوانب الحياة السياسية الإيطالية الحديثة النظر إليها للتعرف على تحولاتها.
عام 2018، تم تشكيل حكومة مثلت الحالة الأولى للسياسات الشعبوية والسيادية في بلد من أوروبـــا الغربية... فشلت المحاولة.
 الحكومـــــة الثانية للفترة النيابية ورغم وجــــود رئيس الوزراء نفسه  -وهو محام لا خبرة سياسية له والــــذي نجا بطريقة ما من هذا التحول -شهدت تحالف الشعبويين مع الحزب الديمقراطي وإضعافا تدريجيا للطبيعة المناهضة للنظام لحركة 5 نجوم مع تحولها إلى حزب يساند أي رئيس حكومة يسمح لها بالبقاء في السلطة.

وهكذا يبدو أن الدفع الشعبوي وكذلك السيادي الأكثر وضوحًا قد استنفد.
 ولعب الاتحاد الأوروبي دور السلطة المضادة في الحياة السياسية لشبه الجزيرة.
   ومع ذلك، فقد تسبب الشــــــعبويون والســــــياديون خلال هــــــذه السنوات الثلاث في ضـــــرر كبير -بــــــدءً من الدين العام -وبحيث في مواجهـــــــــة الوبـــــاء..

 وبناءً على طلب المفوضية الأوروبية إعداد خطة معقولة لاستخدام خطة الإنعاش الأوروبي، وجدت حكومة كونتي 2، التي جمعت بين الحزب الديمقراطي وحركة 5 نجوم، نفســـــها مجبـــــــرة على الاستقالة.
   في تلك اللحظة، استطاعت الرئاسة كسب المعركة في مواجهة فشل الأحزاب السياسية، وطلب الرئيس ماتاريلا من ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، تشكيل الحكومة، التي حصلت مؤخرا على ثقـــة البرلمان بأكمله تقريبًا.

   ليست هذه هي المرة الأولى التي تضطــــر فيهــــــا الجمهوريـــة الإيطاليــــــة إلى اللجــــــوء إلى كبــــــار موظفي الدولة أو الاقتصاديين عندما تفلس الأحزاب السياسية، في برلمان مجزأ ومثير للجدل، سواء استحضرنا حكومات كارلو شيامبي عام 1993 أو حكومة ماريو مونتي عام 2011.
   فمنذ نهايــــــــة الهيمنــــة المسيحية الديمقراطية، التي استمرت أربعين عامًا، دخل النظام السياسي الإيطالي مرحلة انتقالية لم تؤد بعد إلى إقامة توازن جديد.
ويتضح هذا، من بين أشياء أخرى، من خــــلال محاولة تعديل القانون الانتخابي النسبي القديم الذي أسفر عن نتائــــــج الانتخابــــــــات من عام 1946 إلى عام 1993 والذي تـم تعديله منذئـــــذ خمس مرات!

   لقد تدهورت نوعية الطبقة السياسية خلال الخمس وعشرين ســــــنة الماضية، وهو ما يفسـر جزئياً الحاجة، في الأوقات الصعبـــــة، إلى الاســتنجاد بالنخبة التي تأتي من قطاعات المجتمع خارج حياة الأحزاب. وأكثر من كونه تناوبـا مع حكومة الفاعلين في المنافسة السياسية، فقد شهدنا تناوبًا بين سياسيين وكبار الموظفين والأكاديميين، دعاهم رئيس الجمهورية لإنقاذ البلاد من الإفلاس وإبقائها في الاتحاد الأوروبي.
    إن المسؤولية عن هذا الوضع تكمن، دون شك، في رداءة العرض السياسي، الذي يتكيف، بكل بساطة، مع الطلب، وتأكيد ديمقراطية اللايكات، والمدى القصير، التي يبدو أنها تهيمن على الحياة السياسية لشبه الجزيرة.

   الحكومة بقيادة ماريو دراغي -التي حصلت على ثقة جميع القوى السياسية الحاضرة في البرلمان باســـــتثناء اليمين القومي المتطرف (فراتيلي ديتاليا) وعدد قليــــــل من المعارضين من حركة 5 نجوم -ســـــتكون بلا شك قادرة على حل المشـــــاكل قصيرة المدى، خاصة تلك المتعلقة بالأزمة الاقتصادية الناتجة عن الوباء، وإعـــداد خطة معقولة لاستخدام النصيب الإيطالي من خطة الانعاش الاوروبي.
   لكن البلاد بحاجة إلى حكومة تستمر أكثر من عام لمعالجة التدهور الذي حدث في العقود الماضية. ومع ذلك، في غضون عام ستنتهي ولاية الرئيس ماتاريلا ومن المتوقع أن يكون السيد دراغي خلفه. وحتى لو ظل على رأس السلطة التنفيذية حتى نهاية الفترة التشريعية، فإن عودة الأحزاب السياسية إلى السلطة خلال عامين ستكون إشكالية.

   خضعت حركة 5 نجوم التي أطلقها الكوميدي بيبو غريللو لتغيير عميق ويبدو أنها اختارت، بالنسبة لغالبية أعضائها، تحالفًا مع الحزب الديمقراطي، دون التفكير في الاحتمالات الأخرى.
 من جانبه، يعاني هذا الاخير من التمزق بين أنصار اليسار القديم، والذين يبدو أنهم يميلون إلى رؤية ماكرون لتموقعهم السياسي.
   الأهــم، وبشــــــكل إشـــــكالي أكثــــر، هو تطور الرابطة، من مواقف سالفيني السيادية والمناهضـــــة للاتحاد الأوروبـــــي، إلى الأوربـــــــــة البافارية لشخص مثل جيانكارلـــــو جيورجيتي، المسؤول الآن عن وزارة مهمـــــة في حكومــــــة دراغي، التنمية الاقتصادية، والمقــــــرّب من العالــم الصنــــــاعي في الشمال الشرقي.

   من السابق لأوانه معرفة ما سيحدث للرابطة. ويبدو أن محاولة سالفيني لتأسيس رابطة وطنية ستفشل. وفي الانتخابات المقبلة، يجب أن يجد اليمين وحدة بين مكوناته الثلاثة: الحزب القومي لجورجيا ميلوني، التي بقيت وحدها في المعارضة، وحزب برلسكوني الذي كان دائمًا مؤيدًا لأوروبا، والرابطة التي لها قدم هنا وقدم هناك.
   في غضون عامين على أبعد تقدير، ستستعيد الأحزاب السيطرة على الحياة السياسية. وســـــــلام الشجعان، الذي يمكن أن يســــــتمر لبعض الوقت، سينكسر.

 إن عدم استقرار النظام السياسي الإيطالي، والتقلب الشديد للناخبين، والنوعية الرديئة للطبقة السياسية، لا تبشر بمستقبل مشرق. ومع ذلك، إذا تمت السيطرة على الوباء، فقد تتمتع الدولة ببعض الراحة حتى ذلك الحين.
مدير الأبحاث في المركز القومي للبحث العلمي -معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية “مركز ريمون آرون للدراسات الاجتماعية والسياسية»