هدنة لبنان.. استراحة أم بداية تصعيد جديد؟
يرى راجان مينون، أستاذ فخري للعلاقات الدولية في كلية مدينة نيويورك، أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله يعكس واقعاً استراتيجياً معقداً
وكتب مينون في مجلة «نيوستيتسمان» أنه بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو شن حرب شاملة مع وعد بعدم التوقف حتى يتم تدمير حركة حماس.
وبعد أكثر من عام من القتال، لا تزال حماس قوية، مما يترك لنتانياهو خياراً صعباً: الاستمرار في الحرب. فقد راهن ليس فقط على سمعة حكومته المتعثرة لتحقيق هذا الهدف، بل أيضاً على شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف الذين يعتقدون بأن القضاء على حماس أمر ممكن، وأن أي تقاعس عن ذلك سيكون بمثابة خيانة للأمة، وإذا فشل في تحقيق هذا الهدف، فقد يواجه مشاكل قانونية تتعلق باتهامات بالفساد والاحتيال، مما قد يهدد منصبه.
أعباء الحرب المزدوجة
ويشير مينون إلى أن نتانياهو يدرك تماماً أن مواصلة الحرب ضد حماس في غزة وفي الوقت ذاته شن حرب ضد حزب الله في لبنان قد يكون أمراً شبه مستحيل. فبينما تفتقر حماس إلى قيادة موحدة، فقد تكبدت إسرائيل خسائر بشرية كبيرة في غزة، حيث قتل أكثر من 800 جندي إسرائيلي حتى يونيو (حزيران) 2024.
وفي مواجهة هذا الوضع، يرى نتانياهو أن حماس تشكل التهديد الأكبر، ما دفعه إلى اتخاذ قرار بوقف الحرب ضد حزب الله لكي يتمكن من تركيز القوة النارية الإسرائيلية على غزة. كما أشار في دفاعه عن اتفاق وقف إطلاق النار قائلاً: «يجب أن نركز على التهديد الإيراني».وتخوض إسرائيل حرباً في الضفة الغربية أيضاً، حيث قُتل نحو 700 فلسطيني منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
وعلى الرغم من أن هذه الأعداد ضئيلة مقارنة بالقتلى في غزة، إلا أن هذا يشير إلى أن إسرائيل تقاتل على جبهتين، فاستمرار العمليات العسكرية في الضفة الغربية وغزة، إلى جانب القتال ضد حزب الله في لبنان، سيضع أعباءً هائلة على الجيش الإسرائيلي، وهو ما قد يكون غير قابل للاستمرار على المدى الطويل.
حسابات حزب الله
أما بالنسبة لحزب الله، فله أسبابه الخاصة للموافقة على وقف إطلاق النار، إذ أطلق الحزب صواريخ على شمال إسرائيل دعماً لحماس، مما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى إجلاء 67500 شخص من منازلهم حتى نهاية سبتمبر (أيلول).
ويتمتع حزب الله بتاريخ طويل في مواجهة إسرائيل، وقد نجح في العديد من المرات في إرغامها على التراجع أو السعي نحو السلام.
ومقاتلو الحزب منضبطون، ذوو خبرة ومهارة عالية في المعارك، مما يمنحهم القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية مدروسة بشأن مسار المواجهة.
لكن ما يفتقر إليه حزب الله هو الأسلحة المتطورة التي تمتلكها إسرائيل، بما في ذلك سلاح الجو. ولم يتمكن الحزب من مواكبة قوة الجيش الإسرائيلي، وتكبَّد خسائر كبيرة، بما في ذلك مقتل العديد من قادته البارزين. ومن بين الضحايا، كان حسن نصرالله، الزعيم الروحي لحزب الله، تلاه خليفته هاشم صفي الدين. ولا شك أن نعيم قاسم، زعيم الحزب الحالي، أصبح هدفاً أيضاً وقد لا يظل في منصبه لفترة طويلة. ورغم أن حزب الله كان يمكنه الاستمرار في المقاومة، إلا أن ذلك كان سيعني تحمل المزيد من الخسائر الفادحة. وبالتالي، سيكون من الأفضل للحزب السعي للحصول على فترة راحة لإعادة البناء والتعافي.
سيناريو وقف إطلاق النار
وفقاً للاتفاق، سيتم وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، مما يسمح لحزب الله بسحب مقاتليه من جنوب لبنان إلى شمال نهر الليطاني، وفي الوقت نفسه، تسحب إسرائيل قواتها من الأراضي اللبنانية. لكن جزءاً من الاتفاق يتضمن تأكيد إسرائيل على حقها في استئناف غاراتها الجوية إذا تطلبت الظروف ذلك، وهو ما أكده نتانياهو في خطابه، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تدعمه في هذا الصدد. ويمنح هذا البند نتانياهو حرية كبيرة، ولكنه يترك الباب مفتوحاً لاحتمال انهيار وقف إطلاق النار إذا قررت إسرائيل استئناف الهجمات الجوية، فيرد حزب الله بما يتناسب مع ذلك.
التحديات المستقبلية
إذا قرر حزب الله إعادة تجميع قواته في جنوب لبنان أو إعادة بناء مواقعه هناك أثناء وقف إطلاق النار أو بعده، قد تُستأنف العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية.
كما يمكن أن يقرر حزب الله أن لا يظل مكتوف الأيدي بينما تقوم إسرائيل بطرد الفلسطينيين من قطاع غزة في إطار بناء المستوطنات في المناطق الشمالية، ما قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق. وهذا السيناريو ليس مؤكداً، لكن لا يمكن استبعاده تماماً خاصة في ظل عدم اليقين بشأن كيفية تنفيذ شروط الاتفاق.
إشراف الاتفاق
تتمثل مهمة فرض تطبيق الاتفاق مرة أخرى في الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهو ما كان قد فشل في الماضي بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 في أغسطس (آب) 2006.
وإذا انتهك حزب الله أو إسرائيل الاتفاق، فمن غير المتوقع أن تتوقف الأطراف المعنية عن الانتهاكات. رغم وجود آلية لمراقبة الامتثال، يبقى تنفيذ الاتفاق مسألة صعبة. فلا يمكن لأي اتفاق لوقف إطلاق النار أن يكون مثالياً، وحتى مع الشروط الواضحة والدقيقة، لا يمكن منع الكراهية وسوء التقدير من التأثير على الطرفين ودفعهما إلى انتهاك الاتفاقات.
في الختام، رغم أن صياغة اتفاق كهذا لم تكن سهلة، إلا أن انتقاده من بعيد يبقى أسهل بكثير، إذ لا يمكن ضمان نجاح اتفاق وقف إطلاق النار، لكن الأمل يبقى في أن يستمر، مع العلم أنه قد يكون مؤقتاً.