طريقه وعرة لكنها غير مسدودة بالكامل

هكذا خسر ماتيو سالفيني هالة الرجل الذي لا يقهر...!

هكذا خسر ماتيو سالفيني هالة الرجل الذي لا يقهر...!

-- في حال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، سيفوز ائتلاف الأحزاب اليمينية بأكثر من 45 % من الأصوات
-- تجذّر ممثلو الرابطة بقوة في المناطق الريفية والمراكز الحضرية الصغيرة
-- لم تسجل الرابطة أي تغيير على المستوى الوطني، حيث لا تزال تستقطب ثلث الناخبين
-- عدم اعتراف سالفيني علنا بإخفاقاته، لا يمنعه من استخلاص العبر والدروس منها
-- تخلى عن سخطه ضد أوروبا وتهديداته بمغادرة اليورو حتى لا يخيف الناخبين المعتدلين


توقفت مسيرة ماتيو سالفيني باتجاه روما في إميليا رومانيا. كان افتكاك هذا الحصن التاريخي لليسار من اجل التعجيل بسقوط الحكومة، مجرد نزهة، وكان سيفتح له أبواب السلطة على مصراعيها، إلا أنه بات عليه الاستعداد لعبور مسافة طويلة.
لقد أخطأ حين شخصن بشكل مفرط اقتراعا حوّله إلى استفتاء حقيقي. وفي تلك الانتخابات، لم يخسر زعيم الرابطة فرصة ان يصبح رئيسًا للحكومة فحسب، وانما خسر هالة الرجل الذي لا يقهر.
هالة “الرجل القوي” الذي فاز، في غضون عامين، في سبع انتخابات إقليمية متتالية، وثبّت الرابطة في مرتبة الحزب الأول في البلاد بحوالي 30 بالمائة من الآراء المؤيدة.
   لكن، سيتطلب الأمر ما هو أكثر لجعله يتخلى عن راية اليمين التي يمسكها بيد حازمة.

ومع ذلك، يتزايد داخل عائلته السياسية الخاصة، عدد الذين يطالبونه بتخفيف قبضته، كما يتم انتقاده اليوم بشكل علني، كما فعل أمبرتو بوسي، مؤسس الرابطة أطاح به ماتيو سالفيني، الذي يعتقد أن النشطاء يعانون من أن الرابطة لم تعد رابطة الشمال بل وطنية. ان الرهان على القومية قد يكون استراتيجية خاسرة، وقد أظهرت فعلا حدودها في غزو الجنوب المهان طيلة عقود.

«فراتيلي دي إيطاليا” المنافس
   في كالابريا، خلال الاقتراع الإقليمي الذي أجري في اليوم نفسه  كما في إميليا رومانيا، جاء مرشح حزب سيلفيو برلسكوني المحتضر، فورزا إيطاليا، في المقدمة. والرابطة، التي حصلت على 23 بالمئة من الأصوات خلال الانتخابات الأوروبية عام 2019، حققت بالكاد 12 بالمئة، وبفارق نقطة واحدة فقط عن فراتيلي دي ايطاليا، حزب ما بعد الفاشية، الذي يشهد صعودا مستمرا. لقد كان على الهامش في الانتخابات التشريعية لعام 2013 بنسبة 1 فاصل 9 بالمئة، وها هو يتجاوز اليوم 11 بالمئة في استطلاعات الرأي.
   زعيمته، القومية، جورجيا ميلوني، التي تتبنّى الحمائية الاقتصادية الصارمة، تقدم نفسها المحاور المميز للدوائر السياديّة الأوروبية والدولية. في الثالث من فبراير، افتتحت مؤتمرا للمحافظين القوميين في روما، وهو الاجتماع السنوي لمؤسسة إدموند بيرك، وهدفه المساهمة في ظهور نخبة محافظة.

 وفي اليوم التالي، سافرت إلى واشنطن لحضور إفطار الصلاة الوطني، وهو الحدث الديني البارز الذي ينظمه كل عام النواب والشيوخ الأمريكيون بحضور الرئيس دونالد ترامب.
   لا يتطلب الأمر أكثر من ذلك لتغذية تعليقات الصحافة الايطالية حول رغبة جورجيا ميلوني في منافسة ماتيو سالفيني هيمنته على اليمين الإيطالي. إنها تريد أن تجعل صوتها مسموعاً، وترفض أن تلعب دور الكومبارس عند خطيب الرابطة.
   لن يكون هناك نقص في الفرص مع محطات انتخابية رئيسية أخرى في الربيع المقبل اذ ستتم دعوة سكان كامبانيا وليغوريا وماركي وبوليا وتوسكاني وفينيتو، إلى صناديق الاقتراع. وتعتزم جورجيا ميلوني فعلا الاستفادة من لحظة ضعف ماتيو سالفيني هذه، لفرض مرشحيها في المناطق الجنوبية.

استقطاب الشباب
   بيد أن الرابطة لم تسجل أي انحدار على المستوى الوطني، حيث لا تزال تستقطب ثلث الناخبين. في حال إجــراء انتخابات برلمانيـــة مبكرة، ســـيفوز ائتـــلاف الأحـــزاب اليمينية بأكثر من 45 بالمئة من الأصوات.   يشار الى ان نسبة سيلفيو برلسكوني، التي لا تتجاوز 6 بالمئة، أصبحت ضعيفة للغاية، وجورجيا ميلوني ليست قوية بما يكفي لتطالب بقيادة المعسكر المحافظ.
   ورغم فشل الرابطة في إميليا رومانيا، يمكن لماتيو سالفيني تسليط الضوء على الانجاز المتمثل في ترسيخ حزبه في منطقة لم يكن له فيها اي وجود حتى وقت قريب، حيث انتقلت الرابطة من الانتخابات الإقليمية لعام 2014 إلى انتخابات عام 2020 من 19 فاصل 4 بالمئة، إلى 32 فاصل 1 بالمئة. وأصبح ممثلوها المنتخبون الآن متجذرين بقوة في المناطق الريفية والمراكز الحضرية الصغيرة.

   «لا أشعر بأنني هُزمت، وعندما أخسر، أضاعف جهودي”، صرخ ماتيو سالفيني في وجه الذين أعلنوا انهياره، بينما كان العد في إميليا رومانيا جاريا. “يجب ان تنتظروا عشرين سنة على الأقل لرؤيتي متعبا”.
ولإثبات ذلك، شرع في جولة جديدة في إيطاليا مع أول رحلة إلى باليرمو.
   إن عدم الاعتراف علنا بإخفاقاته، لا يمنعه من استخلاص العبر والدروس منها.  ولتجاوز السقف الزجاجي البالغ 33 بالمئة، يجب عليه إغواء المدن الكبيرة والشباب، والبرجوازية المعادية له حاليًا.

 وهكذا بدأ يتخلى عن سخطه ضد أوروبا وتهديداته بمغادرة اليورو الذي يخيف الناخبين المعتدلين.  «نقطة قوته هي تقاطعه من خلال خلط المواقف اليمينية حول موضوعات الأمن والهجرة، ومواقف يسارية بشأن المعاشات التقاعدية”، يشرح أستاذ العلوم السياسية ماركو فالبروزي من جامعة بولونيا، الذي يضيف، أن أزمة حركة 5 نجوم هي أزمة الشعبوية ما بعد الأيديولوجية التي أرادت تجاوز الانقسام القديم يسار -يمين. الشعبوية لم تمت، ولكن مع عودة الثنائية القطبية بين اليمين واليسار، تلوّنت مرة أخرى سياسيا، بينما شعبويّة اليمين دائمة الفعالية في الرأي العام».  إذا كانت طريق ماتيو سالفيني مليئة بالمزالق، فهي بعيدة عن أن تكون مسدودة بالكامل.