عملية جسر لندن:

هكذا يستعد الإعلام الإنجليزي لرحيل إليزابيث الثانية

هكذا يستعد الإعلام الإنجليزي لرحيل إليزابيث الثانية

• هناك ساعات من الاسترجاعات وكيلومترات من المقالات الجاهزة
• على الصحفيين أن يكونوا مستعدين لعشرة أيام من الأخبار المستمرة
• يُروى أن لصحيفة تايمز أحد عشر يومًا من المحتوى جاهزًا للطباعة
• يتطلب إعداد مقدمي البرامج أيضًا وجود سترة سوداء وربطة عنق في متناول اليد دائمًا
• بالنسبة للتلفزيون كل شيء منقوش على الحجر، من مواقع الكاميرا إلى تصاريح طائرات الهليكوبتر


الموضوع من المحرمات، لكنه سيكون بلا شك أكبر حدث إعلامي في تاريخ المملكة المتحدة... لذلك يجب الاستعداد والإعداد له. "تخيّل، فاتتك أهم جملة في مسيرتك المهنية بسبب مشروب ...". الإعلان عن وفاة إليزابيث الثانية، في إنجلترا، يفكر المراسلون الملكيون أحيانًا في الأمر قبل دخول الحانة. ومع ذلك، فهو موضوع يفضل هؤلاء الصحفيون عدم الخوض فيه لأنه "حساس"، وسرّي حتى حسب التوصيات التي تلقوها من قصر باكنغهام. قريبا، تعانق 96 عامًا، أصبح الظهور العلني لصاحبة الجلالة نادرًا وهذا منطقي. انتهت مراسم التدشين والجولات، في عام اليوبيل هذا، يسافر ورثتها في دول الكومنولث باسمها للاحتفال بمرور 70 عامًا لجلوسها على العرش. بعد خمسة أشهر من المؤتمرات عبر الفيديو بسبب مشاكل في التنقل وكوفيد خفيف، عادت إليزابيث الثانية للظهور في 29 مارس لحضور القداس الذي أقيم في لندن تكريما لزوجها فيليب. متكئة على عصا، كانت خطوتها بطيئة، وتم الحرص على تقصير المسافة قدر الإمكان.
   لقد اعادت هذه المخاوف الصحية طرح مسألة وفاتها، المحزنة ولكن الحتمية، في صميم اهتمامات مجموعة كاملة من الناس، سواء في الدوائر الحكومية أو في جاكوار لاند روفر أو في أقسام التسويق لمصنعي الأكواب أو بين المحررين في وسائل الإعلام. بالنسبة لبول هاريسون، الذي كان مراسل سكاي نيوز الملكي في الفترة من 2010 إلى 2015، "سيكون الحدث تاريخيًا للغاية ويجب التحضير له. ويشمل هذا أيضًا التخطيط لتغطيته الإعلامية ".

عملية جسر لندن
   ستكون الصدمة هائلة، وستشبه إلى حد ما كارثة أو هجوم، وسوف نتذكر أين كنا عندما علمنا برحيل الملكة. عام 2017، نشر سام نايت مقالاً طويلاً في صحيفة الغارديان حول ما سيحدث في ذلك اليوم، وهي عملية أعدها باكنغهام بدقة واسمها الرمزي المعروف على نطاق واسع هو "عملية جسر لندن".
    أولاً، سيقوم السكرتير الخاص لصاحبة الجلالة بإخطار رئيس الوزراء على خط آمن، قبل إحاطة حكومات الكومنولث بإيجاز، وإرسال رسالة إلى الصحافة. في كل مكان، سيرتدي المسؤولون شارات سوداء، وسيتم إنزال الأعلام. من طلقات المدفع إلى الجنازة الرسمية بعد عشرة أيام في دير وستمنستر، استبق باكنغهام إلى حد معرفة من سيجلس تقريبًا وفي أي مكان أثناء القداس.
   في غرف التحرير أيضًا، ستشتغل آلة ضخمة. عندما تنزل برقية الخبر، سيصدر صوت إنذار داخل البي بي سي، ويشتعل ضوء في الاستوديوهات اعلانا عن الحدث الكبير.
   "في صحيفة الغارديان، نائب رئيس التحرير لديه قائمة بالموضوعات مثبتة في مكتبه. ويُروى إن لصحيفة تايمز أحد عشر يومًا من المحتوى جاهزًا للطباعة. وفي سكاي نيوز وشبكة التلفزيون البريطاني المستقل، حيث تم التدرب على وفاة الملكة طيلة سنوات باستخدام "السيدة روبنسون" كاسم بديل، سيتم استدعاء الخبراء الملكيين الذين تم إجبارهم على توقيع عقود للعمل بشكل حصري"، وصف سام نايت.
   كما تم التفكير في عديد الأشياء، لفترة طويلة، وصولاً إلى قوائم الموسيقى الحزينة التي سيتم بثها على أجهزة الراديو بين موجزين للأنباء.
الأخبار العاجلة والماراثون
   هناك ساعات من الاسترجاعات، وكيلومترات من المقالات الجاهزة مخزنة في الخزائن، ولكن يتعين على الصحفيين أيضًا أن يكونوا مستعدين لعشرة أيام من الأخبار المستمرة، للماراثون. وعلى القنوات أن تحذف من البرمجة أي شيء يبدو غير محترم في أوقات "الحداد الوطني من الفئة 1". وفي كل وسيلة اعلام، تم إطلاع عدد قليل من المبرمجين والمقدمين والمراسلين المختارين بعناية.
   بالنسبة للذين سيظهرون على الهواء، "البروفات ضرورية ولكنها نادرة، هناك دائمًا خطر حدوث تسريبات وبالتالي شائعات"، يبوح أحدهم (وقع حادث في بي بي سي عام 2015، وكان على الشبكة إصدار اعتذار للعموم). يجب أن تكون دقيقًا ومحترما، وقادرًا على التعليق على التواريخ الرئيسية لعهد إليزابيث، واستعادة حياتها كرئيسة للدولة، وكامرأة، وربط الحكايات عن شغفها بالخيول أو كلاب الكورجي، ولكن الأهم سيكون العثور على "النبرة الصحيحة".
   يتطلب إعدادهم أيضًا، وجود سترة سوداء وربطة عنق في متناول اليد دائمًا. في العمل ولكن أيضًا في عطلات نهاية الأسبوع وحتى في الإجازة. عدم ارتداء ملابس سوداء في ذلك اليوم سيعتبر عدم احترام وسوء سلوك مهني. الصحفي الذي أعلن عام 2002 وفاة الملكة الأم مرتديا بدلة رمادية وربطة عنق ارجوانية دفع الثمن.
   لذلك فإن بعض المراسلين الملكيين يعرفون مسبقا ما سيرتدون يوم الجنازة، وقد فكر المصممون في ذلك. كما يمكن الاتصال بهم في جميع ساعات النهار والليل. وعندما يبدو    على الملكة بعض الارهاق، فإنهم يخشون خطوط مترو أنفاق لندن التي لا يتم التقاط أي شيء عليها. وخلال أعياد الميلاد وحفلات الزفاف والسهرات، يتجنبون الافراط في كل شيء. ان الضغط حقيقي، إنه خبر مسيرتهم المهنية، وليس من حقهم إفساده. وسيتعين عليهم ان يكونوا عمليين في بضع ثوانٍ لتقاسم اللحظات التاريخية مع الجمهور.

جهاز منحوت على الرخام
   من الناحية الفنية، المواقع الإعلامية محددة من الان والجميع على دراية بها. "هناك إدارة لتنظيم حفلات الزفاف الملكية أو الجنازات بحيث يتم تسويتها كالساعة، لأن الإنجليز في هذا بارعون، يرى جورج دي كيرل، المصور الملكي السابق ومدير التحرير في جيتي ايماج في لندن، ستكون هناك عدسات تصوير عند مدخل الدير، في الصحن، عند المخرج ... نظام مشابه لذاك الذي تم وضعه للملكة الأم عام 2002... انه مرتّب منذ فترة طويلة.    يؤكد بول هاريسون، أنه بالنسبة للتلفزيون أيضًا "كل شيء منقوش على الرخام، من مواقع الكاميرا إلى تصاريح طائرات الهليكوبتر". كما ستلتقي وسائل الإعلام الدولية في قلعة وندسور وقصر باكنغهام وأماكن رمزية أخرى. في كل مكان في العالم، سيكون الجمهور راغبا في الصور. ويحدد جورج دي كيرل أنه "إذا ماتت الملكة في وندسور، فإن المصورين يعرفون جيدًا من أين سيتمكنون من الحصول على سيارات أفراد الأسرة الذين يصلون ويغادرون القلعة".
 لقطات من شأنها أن تغذي الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية لبضعة أيام. "ثم سيأخذ الموكب الذي سيقود الرفات إلى لندن بلا شك الطريق السريع ام 4، يتخيل جورج، ستكون مغلقة ولكن بقليل من الحيلة، يمكن العثور على منظر جميل للموكب ومرافقيه، من جسر يعبره على سبيل المثال. وسيكون هناك أناس على جانب الطرق، وزهور في المول، كل هذا سيكون طبعا واضحًا للغاية".
   غداة جنازة الأمير فيليب، والتي جرت مع ذلك في لجنة صغيرة جدًا بسبب الوباء العالمي، لخص المصور آرثر إدواردز، الذي كان يتابع العائلة المالكة لـ "ذا صن" طيلة خمسة وأربعين عامًا، الموكب على تويتر على النحو التالي: "يوم تاريخي... لا أحد في العالم يعرف كيف يفعل ذلك بشكل أفضل".

صور للتاريخ
ستمثل وفاة إليزابيث وندسور نهاية حقبة وبداية أخرى: الأيام الأولى من حكم ابنها تشارلز. عندما يحين الوقت، سيضطر بدوره إلى الظهور، ليكون مرئيًا للجمهور ووسائل الإعلام، لتجسيد مستقبل النظام الملكي. "البروتوكول حول هذا النوع من اللحظات يترك مجالًا صغيرًا للعفوية، يحلل بول هاريسون، لكن العائلة المالكة غالبًا ما تحتفظ بالمفاجآت -مثل السير المرتجل الذي قام به ويليام وشقيقه في الليلة التي سبقت الزفاف مع كيت، على سبيل المثال. وسيكون هناك سيل من المشاعر، لكن الأسرة ستعطي قبل كل شيء صورة محترمة وموحدة".
   بالنسبة للعاطفة دون ضبط النفس، فإن عدسات التصوير ستتحول إلى جانب الجمهور. سيأتي الجمهور مبكرًا للحصول على أفضل الاماكن. بالنسبة للمصور، ستكون مسألة تحديد مجموعة مثيرة للاهتمام، مع إمكانية الحصول على صورة قوية، والوقوف بجانبها وانتظار اللحظة، ضربة حظ أيضًا "، يشرح جورج دي كيرل. "سيظهر مصوّر وكالة في موضع عيّن له في الوقت والمكان حيث يجب أن يكون، ولكن يمكن لمصوّر مستقل أن يأخذ زمام المبادرة: يمكن التفاوض على مواقع من خلال الدفع مقابل الوصول الى خواص، للحصول على منظر مختلف...".

   ستكون هذه أول جنازة لملك بريطاني منذ عام 1952. وإذا كان القصر يتوقع الكثير من الأشياء لكنه يرغب في الحفاظ على سريتها قدر الإمكان، ليس فقط لأن الموضوع "غير مناسب"، ولكن أيضًا للسيطرة على السردية، فالأبهة والاخراج أساسيين للمؤسسة. تقوم الشركة على تمسك الناس بصورتها، لذا فهي بحاجة إلى وسائل إعلام تنقلها بأفضل طريقة ممكنة.

   في العام الماضي، كشفت بوليتيكو حصريًا عن بعض هذه المعلومات التي تم نشرها للصحافة تحت ختم السرية حول عملية جسر لندن. فضيحة وغضب في القصر. كان القصد من هذه المؤشرات إتاحة إمكانية الاستباق لجهاز الاعلام، ولكن لا ينبغي بأي حال من الأحوال، أن تصبح مادة تحريرية. كان هذا هو الاتفاق. ومنذئذ، اغلقت باكنغهام أبوابها.    رسميًا، في عالم المعلقين الملكيين، إن الأخبار موجودة في مكان آخر. ويصرون على أن "هذا العام الشعار هو اليوبيل، اليوبيل، اليوبيل". وبشكل غير رسمي، يعبّر الأكثر تشاؤمًا عن أملهم في أن الملكة ستكون قوية بما يكفي للظهور على الشرفة في شهر يونيو، خلال العرض العسكري الكبير لقوات اللون (الذي بيعت فيه الأماكن في أقل من 60 ثانية). والأكثر تفاؤلاً، يتذكرون أن والدتها الملكة الأم عاشت 101 سنة... ويمكن أن يكون وراثيّا.