هل تتعلم واشنطن من أخطائها في الاتفاق النووي؟

هل تتعلم واشنطن من أخطائها في الاتفاق النووي؟


وجه المسؤولون الإيرانيون ضربات عدة لآمال الإدارة الأمريكية الحالية بالعودة إلى الاتفاق النووي. وجاء آخرها في مقابلة إعلامية لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بمناسبة مرور عام على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
علق المستشار البارز للشؤون المالية الإيرانية في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات سعيد قاسمي نجاد على ما أدلى به ظريف مظهراً أن الأجنحة السياسية كافة داخل إيران متفقة على الأهداف نفسها.
وقال ظريف إنه نسق المهمات الإقليمية مع سليماني نافياً أن يكون هنالك اتفاق نووي ثان أو ثالث. وهذا يعني أنه لن يتم توسيع بنود الاتفاق الأساسي لتشمل برنامج إيران الصاروخي أو سياساتها الإقليمية.

وكتب قاسمي نجاد في صحيفة “ذا هيل” أن تصريحات ظريف تجسد مشكلة حقيقية لبايدن بما أنه ربط عودة بلاده إلى الاتفاق النووي المعيب بالإصرار على اتفاق مكمل. وبدل السعي إلى هذا الهدف غير المجدي، نصح الكاتب بايدن باستغلال النفوذ الذي ولدته حملة الضغط الأقصى التي أطلقها ترامب لدفع النظام الإيراني إلى القبول بالقيود على برنامجه الصاروخي وسياساته الإقليمية قبل رفع أي عقوبة.

تهرُّب... لا يفهم إلا بالقوة
أوضح ظريف خلال المقابلة أن النظام يفهم القوة الإكراهية للعقوبات مشيراً إلى أن إيران طورت “اقتصاد المقاومة” وهو مفهوم روج له المرشد علي خامنئي لتشجيع الصناعة المحلية بدل الاعتماد على الصادرات النفطية لشراء السلع الأجنبية.
وتدعو هذه السياسة إلى إيجاد حلفاء موثوقين لمساعدة إيران على تخطي العقوبات عبر العمل مع روسيا والصين ودول أخرى وعبر خلق الانقسامات الغربية.
ويطور النظام علاقات وثيقة مع مجموعات وفصائل غربية تؤيد نظرة إيران العالمية. خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، استثمرت إيران في مجمعات الصناعة البتروكيميائية، ومصافي النفط لأنه يصعب تعقب منتجاتها بالمقارنة مع النفط الخام، وبالتالي تسهّل عملية التهرب من العقوبات. واستخدمت إيران نفوذها السياسي في العراق لجعله ملاذاً أساسياً لها ضد الإجراءات العقابية.

كشفَ الموقف الحقيقي
تتوافق تعليقات ظريف مع موقف طهران القديم الرافض للتفاوض على صواريخها. تقوم التكهنات على أن إدارة أوباما أرادت أساساً إدخال هذا الملف في المفاوضات على الاتفاق النووي لكنها تراجعت عنه حين رفضه خامنئي.
وهذا يعني أن عودة إيران مجدداً إلى الاتفاق النووي من شأنها أن تؤدي مرة أخرى إلى تأجيل إيراني متواضع ومتقلص باستمرار لتصنيع برنامجها النووي، في مقابل رفع شامل للعقوبات. ستكون ملفات عدة غير مطروحة على طاولة التفاوض مثل الصواريخ والقيود على انتشار الحرس الثوري، والميليشيات الشيعية، وتسليم أسلحة تقليدية ونشاطات أخرى مزعزعة للاستقرار.

لا تنازلات دون خوف على مصيره
تابع قاسمي نجاد أن استراتيجية طهران كانت واضحة منذ البداية، سعت إلى اتفاق يؤمّن ممراً نحو القنبلة النووية مقابل منافع اقتصادية شاملة.
وسيستعمل النظام الديني مكاسبه المالية لبناء “اقتصاد مقاوم” أكثر فاعلية وتنوعاً، لكن انسحاب واشنطن من الاتفاق عرقل مخططها. أما عودتها إليه فستعني استئناف العمل به.
لن يقدم النظام تنازلات طويلة المدى في ما يتعلق بتطوير الصواريخ البالستية ونشاطاته الإقليمية التخريبية إلا إذا خاف على مصيره. واللغز الذي يتوجب حله هو كيفية إبقاء طهران ممتثلة لواجباتها. الحل المباشر هو أن يسقط الشعب الإيراني الديكتاتورية الإسلاموية. لكن الحلول غير المثالية موجودة أيضاً.

فرصة بارزة
يرى قاسمي نجاد أن تصعيب عودة إيران إلى السلوك السيئ، يقتضي أن يتضمن أي اتفاق آلية زناد تعيد فرض العقوبات سريعاً على إيران، إذا خرقت الأخيرة البنود المتعلقة ببرنامجها الصاروخي ونشاطتها الإقليمية.
سيكون صعباً على الديبلوماسيين الأمريكيين انتزاع هكذا تنازل من طهران. لكنّ إيران اختبرت ثلاث سنوات متعاقبة من النمو السلبي للناتج المحلي، والتضخم المرتفع، والانهيار الشامل في عملتها.
كذلك، لا تستطيع إيران الوصول إلا إلى حوالي 9 مليارات دولار من الاحتياطي. منذ 2017، واجهت طهران موجتين من التظاهرات الواسعة التي هزت البلاد.
وبشكل بديهي تخشى موجة ثالثة من التظاهرات أوسع وأخطر. ولتهدئة الشعب الإيراني اليائس والمحبط، يحتاج النظام إلى شريان حياة اقتصادي وهذا يقدّم لواشنطن فرصة بارزة.

الحل
دعا المستشار الإدارة الجديدة إلى مضاعفة حملة الضغط الأقصى حتى تصل طهران إلى نقطة تضطر معها لتقديم التنازلات الحقيقية في المسائل النووية، والإقليمية، والصاروخية، والإرهابية. إذا عادت واشنطن إلى الاتفاق النووي فستفقد كل نفوذها ولن يكون لدى طهران أي سبب لتقييد صواريخها وسياساتها الإقليمية. وختم قاسمي نجاد مقاله كاتباً “علينا التعلم من أخطائنا، لا تكرارها».